البنوك .. وخسارة ثقة المجتمع
<a href="mailto:[email protected]">mohbakr@alum.mit.edu</a>
يُصاب المرء بالحيرة والدهشة معاً عندما يرى البنوك السعودية تحصد كل عام ذلك الكم الهائل من جوائز " التميز والإبداع " في الوقت الذي تتزايد فيه شكاوى الناس وانتقاداتها لأدائها . إذ وفقاً لتلك الجوائز ليس لدينا بنوك جيدة فحسب, بل لدينا " أفضل بنك ", " أحسن بنك ", و" أكبر بنك " إلى غير ذلك من صفات التفضيل المطلقة ! بالطبع ليس هناك اعتراض على سعي البنوك للحصول على جائزة أو أكثر من تلك المجلات والشركات التي تتكسب من وراء تنظيم المناسبات التجارية التي تُمنح فيها تلك الجوائز العظيمة, لكن العتب على ترويجها في حملات إعلانية مكثفة, تقارير ومطبوعات دورية فاخرة, وحفلات باذخة يدفع قيمتها المساهمون لتقديم صورة للمجتمع عن البنوك أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها غير دقيقة وربما غير عادلة.
لم يكن الإعلان عن تلك الجوائز التصرف الوحيد الذي تمارسه البنوك ويراه الآخرون استفزازاً لمشاعرهم واستخفافاً بعقولهم, بل الأدهى من ذلك تلك الإعلانات على صفحات كاملة من الجرائد عن تحقيق أرباح "مرعبة " بمعدلات غير مسبوقة بينما تضج تلك الصحف وكذلك المنابر العامة الأخرى بالشكوى من العمولات والرسوم التي تتقاضاها تلك البنوك من عملائها مقابل خدمات متواضعة . فاليوم لا تكاد تخلو الصحف أو البرامج التلفزيونية الحوارية أو المجالس الخاصة من بعض الانتقادات القاسية لأداء البنوك إلى درجة تحميلها مسؤولية انهيار سوق الأسهم والورطة التي وقع فيها عشرات الآلاف من المضاربين والمستثمرين بالرغم مما صدر عن مؤسسة النقد العربي السعودي من توضيح للأرقام الصحيحة للمحافظ الاستثمارية التي تم تسييلها فعلاً وقيمتها وهي أرقام أقل بكثير مما اتُهمت به البنوك .
لكن اللافت للنظر أن الانتقادات الموجهة للبنوك لم تتوقف عند ذلك الحد, بل تزايدت الوتيرة في الأيام الأخيرة إلى حد اتهامها بتسريب معلومات داخلية عن السوق لبعض المستفيدين والسماح لصناديقها الاستثمارية بالإفادة من تلك المعلومات على حساب صغار المتداولين . وفي تصعيد آخر لم يكتف بعض الكتاب والمحللين بإلقاء لائمة " خراب بيوت الناس " على البنوك وحدها وإنما ضموا مؤسسة النقد شريكة لها في تلك المسؤولية ! ولا شك أن تلك الانتقادات, أو التهم إن شئتم, وطرحها في العلن على هذا النحو تشكل ظاهرة جديدة في السوق تستحق الوقوف عندها . إذ كنا بالأمس وإلى عهد قريب نزهو ونفخر بأداء القطاع المصرفي لدينا الذي يمتلك موجودات يغبطه عليها الكثير من الأسواق الأخرى. ثم إن بنوكنا تتمتع بمعايير للملاءة المالية تفوق إلى حد بعيد ما هو مطلوب منها دولياً . كما أن مؤسسة النقد العربي السعودي لها صلاحيات مطلقة لممارسة رقابة صارمة على البنوك في إطار نظام مراقبة البنوك الذي صدر عام 1966م ولوائحه تصل إلى حد التدخل في تعيينات الوظائف القيادية وتحديد المتطلبات الواجب توافرها في أعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين فيها .
ما التفسير إذاً لما نشاهده اليوم على ساحة الرأي العام تجاه البنوك؟ وهل ما يُطرح في تلك الساحة يعكس حقيقة ما يجري في القطاع المصرفي في المملكة ؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما الأسباب التي أسهمت في تشكيل ذلك الرأي؟ أهي غياب الشفافية, التكتلات في ملكية بعض تلك المصارف, وهنُُ أصاب قبضة السلطة المشرفة, تقليص دور الشركاء الاستراتيجيين الأجانب في الإدارة ما سمح بتسلل عناصر غير مؤهلة لمراكز قيادية في هذا القطاع الحيوي, أم تلك الأسباب مجتمعة ؟ أياً كانت الأسباب, فإن استمرار تلك الفجوة بين البنوك من جهة وبين المجتمع من جهة أخرى والتآكل التدريجي للثقة بينهما له تداعيات ضارة تدعو للقلق وينبغي التنبيه إليها . وليس هنا مقام الحديث عما هية تلك التداعيات فالحكماء وكذلك المختصون في عالم المال يدركونها ولن يغيب عن فطنتهم العلاج.