"آفون" تتعثر من جديد وسمعة رئيسة مجلس الإدارة في مهب الريح

"آفون" تتعثر من جديد وسمعة رئيسة مجلس الإدارة في مهب الريح

مما لاشك فيه أن السيدة أندريا يونج قد شهدت في حياتها أياما أكثر سعادة أن رئيسة مجلس إدارة شركة آفون للمواد التجميلية البالغة 47 عاما من العمر، قد ارتقت منذ زمن بعيد إلى مرتبة "سوبرستار" في عالم رجال الأعمال الأمريكيين. فهي لم تتمكن فقط من إعادة السمعة الطيبة لمنتجات آفون بعد أن كانت قد اهتزت بشدة، وإنما تمكنت ابنة أحد المهاجرين الصينيين هذه من إضفاء مسحة من السحر على الشركة أيضا بفضل ملامحها الصينية وأسلوبها في التكتم وأخذ الحذر. كما أن جاذبيتها أمام عدسات المصورين وسمعتها كمعالجة موهوبة للأخطاء جعلتا منها شخصية بارزة بحيث إن مجلة "فورتشن" الاقتصادية تضع السيدة يونج دائما في مرتبة متقدمة على قائمتها التي تضم أقوى المديرين من النساء الأمريكيات. يضاف إلى ذلك أن اسمها كان يتردد دائما كلما جرى البحث عن شخصية مناسبة لشغل أحد المناصب الرفيعة في أشهر الشركات. ومن المعروف أنها كانت أحد المرشحين، قبل سنتين، عندما كانت شركة كوكا كولا للمشروبات، التي تعاني بطئا في النمو، تبحث عن رئيس جديد لها. غير أن سمعة أندريا يونج التي لا غبار عليها قد تعرضت في هذه الأثناء لبعض الخدوش، حيث عادت أعمال شركة آفون إلى سابق عهدها من السوء. وقد كانت آخر الضربات الموجعة التقرير ربع السنوي الذي صدر بداية هذا الأسبوع، والذي يتبين منه أن آفون لم تحقق أي نمو يذكر وأن أرباحها قد تراجعت. وعلى هذه الخلفية تمت معاقبة الشركة في البورصة عقابا قاسيا، حيث تشير البيانات إلى أن سعر أسهم الشركة قد تراجع بنسبة 12 في المائة. ولهذا فقد بدأت أندريا يونج جولة جديدة لمعالجة هذه المعضلة، وإن كان المحللون يشككون بصورة متزايدة في إمكانية نجاحها.
إن اسم آفون ينتمي لأكثر الأسماء شهرة وعراقة في قطاع الصناعات الاستهلاكية الأمريكية. وتعود جذور هذه الشركة إلى عام 1886 عندما كان بائع الكتب ديفيد ماك كونيل يهدي عطورا لزبائنه من النساء. غير أنه سرعان ما أدرك أن بيع العطور أجدى من بيع الكتب فقرر أن يتخصص منذ ذلك الحين في تجارة مواد التجميل. وصار ماك كونيل يدور بما لديه من منتجات من بيت لبيت فأصبح أيضا رائدا من رواد أسلوب البيع المباشر. وفيما بعد أصبح لديه جيش من البائعات اللواتي يبعن مستحضرات التجميل لزبائنهن من السيدات. وقد أصبحت " سيدات آفون " هؤلاء أشبه ما يكون بالرموز الثقافية في قطاع الصناعات الاستهلاكية الأمريكية، كما أن الشعار الإعلاني "دينج دونج ـ آفون تتكلم" الذي ظهر في الخمسينيات من القرن العشرين ما زال حتى اليوم له دلالاته وأصداؤه في الاستخدامات اللغوية للأمريكيين. غير أنه مع مرور السنين علق الكثير من الغبار بهذه العلامة التجارية التي صار ينظر إليها على أنها قديمة أكل الدهر عليها وشرب. وفي خريف عام 1999 صدمت آفون بنتيجة أعمال بلغت من الضعف إلى حد أن أسهم الشركة فقدت خلال فترة قصيرة جدا من الزمن نصف قيمتها. وكانت تلك للحظة هي التي استدعيت فيها أندريا يونغ لتسلم دفة القيادة بهدف إنقاذ الشركة. ويذكر أن السيدة يونغ، المولودة في تورنتو، كانت قبل ذلك المدير التنفيذي المسؤول عن العمليات اليومية.
لقد تمكنت، لدهشة الأسواق المالية، من أن تحدث هذا التحول في الشركة بسرعة بالغة نسبيا. وقد حدثن السيدة يونج على الفور بتحديث تصاميم المنتجات و الإعلانات، ووسعت تشكيلة المنتجات، وخفضت الأسعار ووفرت حوافز جديدة لمستشارات آفون. و شهدت شركة آفون، فور تولي السيدة يونغ لمهامها، نموا واضحا وابتدأت أسعار أسهمها في التحليق عاليا.
ولكن في السنة الماضية حدثت أولى النكسات: ففي أكثر من مرة أصيبت آفون بخيبة أمل إزاء نتائج أعمالها التي جاءت أسوأ مما كان متوقعا، مما كان يستدعي إعادة النظر في التوقعات، ومما كان يؤدي لتراجع أسعار أسهم آفون بنسب تتكون من خانتين في مجرى اليوم الواحد. وفي السوق المحلي كانت آفون تتخلف كثيرا وراء منافسيها من أمثال بروكتر أند غامبيل أو لورييل، كما أنها ارتكبت في الوقت نفسه خطأ فادحا عندما أقدمت على تخفيض كبير في موازنتها المخصصة للدعاية والإعلان. وفي الوقت نفسه بدت علامات الضعف على أسواق أخرى من أسواقها مثل السوق الصينية الواعدة بنمو متصارع.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) اضطرت السيدة يونج إلى سحب فرامل الطوارئ معلنة عن خطة لعملية إعادة هيكلة جذرية حيث تم بموجبها إلغاء ألوف من الوظائف. وقد تلقت المناصب القيادية بشكل خاص ضربة موجعة، حيث تم تقليص وظائف المستوى الإداري من 15 وظيفة إلى ثمانٍ فقط. يضاف إلى ذلك أن الشركة قامت في حزيران (يونيو) بإغلاق صالون آفون للتجميل الذي كانت قد افتتحته عام 1998 في برج ترامب بالجادة الخامسة "فيفث آفينيو" في مدينة نيويورك. وكانت شركة آفون تأمل أن تؤدي عملية إعادة الهيكلة هذه إلى وفورات سنوية تبلغ 300 مليون دولار. وكان من المفروض أن يعاد استثمار هذه الأموال في أعمال الشركة لإطلاق عملية النمو من جديد، مثلا من خلال الحملات الإعلانية القوية.
وبإعلان أندريا يونغ عن خطتها وضعت الأسواق في حالة من التوقع بركود المبيعات لفترة طويلة هذه السنة أو بتحقيق نمو بسيط في أحسن الحالات. وفقط عام 2007 يتوقع أن تتحسن الأوضاع. غير أن المحللين باتوا متشككين، في أعقاب صدور التقرير الربع سنوي حول مدى فاعلية خطة الإنعاش الأخيرة. لقد تم تخصيص مبالغ كبيرة من المال لأغراض الدعاية والإعلان، حيث بلغت الزيادة في هذه المخصصات لمختلف مناطق العالم 78 في المائة لتصل إلى أكثر من 50 مليون دولار ـ ولكنها لم تحقق أي نمو يذكر. كما أن نمو المبيعات في جميع مناطق العالم تقريبا كان ضعيفا: ففي أمريكا كان ثمة ركود في المبيعات، وفي أوروبا كانت ثمة زيادة ضئيلة بفضل الأسواق الناشئة كالأسوق التركية والروسية. أما في آسيا فكان ثمة تراجع في المبيعات مع أن الصين كان يمكن أن تشكل إضافة لها وزنها، خصوصا أن آفون كانت قد حصلت منذ فترة قصيرة من الزمن على ترخيص يسمح لها بالبيع المباشر لمنتجاتها. لقد تمكنت الشركة بأكملها من تحقيق نمو قدره 5 في المائة بحيث بلغ مجمل المبيعات ما قيمته 2.1 مليار دولار، وذلك بفضل النمو الجيد الذي حققته المبيعات في أمريكا اللاتينية التي أصبحت المبيعات فيها، في هذه الأثناء، تتفوق على المبيعات في الأسواق الأمريكية المحلية، غير أن الأرباح الصافية تراجعت بنسبة 50 في المائة إلى 151 مليون دولار. لقد اعترفت أندريا يونج لدى تقديمها للأرقام المذكورة آنفا بأن شركة آفون "لا تزال في باكورة أيام محاولات الإنعاش"، وأن عام 2006 يشكل مرحلة انتقالية. أما المحللون فلا يبدو أنهم مقتنعون بذلك. لقد خفض بنك مورجان ستانلي توقعاته لنتائج السنة بكاملها. وقد سبق للمحلل جيم دورميت من مؤسسة "يو اس تراست" أن أدلى بتصريحات لوكالة بلومبيرج قال فيها: "لا توجد أي إرهاصات على أن عملية إعادة الهيكلة ستؤتي أكلا". وبالتالي فإن السيدة أندريا يونج تقف الآن في مواجهة تحد كبير.

الأكثر قراءة