أنظمة التأمين الصحي الأوروبية بين النظرية والتطبيق
كان من المفروض أن يكون حدثاً لا ينسى... كلا، إنه بالفعل حدث لا ينسى و لكن ليس على نفس الصورة التي كان يتخيلها هذا الشخص الذي ظل يدخر لمدة عامين ليستمتع بالتزلج على المياه و ينعم بقضاء إجازة في جزر الكناري. غير أنه أصيب بعارض خطير في اليوم الثاني لوصوله ما استدعى نقله ثانية إلى ألمانيا. وفي حالة من الغضب الشديد التي لا تزال تتملكه حتى اليوم قال: " كنت أحمل في جيبي بطاقة التأمين الأوروبية، ولكنها لم تسعفني في شيء تقريباً ففي النهاية تكبدت أكثر من 20 ألف يورو كتكاليف للعلاج والنقل".
ويقول هوراث من اتحاد صناديق التأمين الصحي الاتحادية: " بالطبع هذه حالة من الحالات الاستثنائية" ومع ذلك فإن الكثيرين من الذين يذهبون في إجازات لا يكلفون أنفسهم عناء الاطلاع بما يكفي على الحماية الصحية التي من الممكن أن يحظوا بها في الخارج. إن العمل ببطاقة التأمين الصحي الأوروبية التي حلت منذ الأول من كانون الثاني (يناير) 2006 كلية محل بطاقة الرعاية الصحية في الخارج قد أدى إلى تنظيم عملية توفير الحماية الصحية في الخارج وتبسيط إجراءاتها. ويقول هوراث:" هذا من الناحية النظرية أما من حيث الممارسة فالأمر أكثر تعقيدا بكثير. "
ولكن دعنا نركز أولا على الناحية النظرية: إن مجرد إبراز بطاقة التأمين الأوروبية هو بمثابة إعلان في أيسلندا أو النرويج و أو ليشتنشتاين أو سويسرا من قبل حاملها بأنه غير مغطى تأمينيا بما يكفي في ألمانيا. فبموجب قوانين الاتحاد الأوروبي يتمتع هذا الشخص بحقه في الحصول مبدئيا على جميع أنواع الرعاية الصحية الضرورية أثناء وجوده في البلدان الأوروبية الأخرى إلى أن يعود إلى وطنه. إن الطبيب المهني في المنتجع السياحي يتعامل مع المريض على أنه مؤمن صحيا من الناحية القانونية وعلى أساس أنه سيحصل على أتعابه فيما بعد من صندوق التأمين الصحي الألماني. ولكن فيما يتعلق بالعلاج، فإن شروط البلد الذي يتم فيه العلاج هي الشروط النافدة. وهذا يعني كما تقول إليزابيث ريكر مستشارة الدائرة الأوروبية الدولية لدى الرابطة الفيدرالية لصندوق المرضى الإقليمي العام بأن: " من حق السائح أن يتمتع بكل أنواع العلاج التي يتمتع بها المحليون المؤمنون صحيا. "
وبهذا تبدأ عمليا المشاكل: حيث إن قائمة الخدمات الصحية في أوروبا متفاوتة جدا، بل من الممكن أن تحسب تكاليف هذه الخدمات وفقا للتسعيرة السائدة في القطاع الخاص، كما أن طرق تسوية الحساب تختلف من بلد إلى آخر. وقد تكون التكاليف مناسبة جدا في بعض البلدان، ولكنها سرعان ما تصبح باهظة للغاية كما تقول السيدة ريكر.
ولهذا السبب بالذات ينصح صندوق المرضى الإقليمي العام وجميع صناديق المرضى القانونية أعضاءها بضرورة الحصول على تأمين إضافي صحي عند السفر إلى الخارج. غير أن هذا ليس هو السبب الرئيس حيث يعتقد الخبراء أن ثمة سببين يحتمان على المسافر أن يحصل على تأمين إضافي: الأول أنه من الضروري تأمين العودة إلى ألمانيا في حال الإصابة المرضية، وهو ما لا تتحمل صناديق التأمين تكاليفه وفقا للقانون الألماني، والثاني: أن بعض الأطباء في الخارج لا يلتزمون بلائحة الأجور المقرة و المتفق عليها.
ويقول تورستن رودنيك، العامل لدى اتحاد المؤمن عليهم إن آلاف الأطباء في الخارج، بكل بساطة، لا يعترفون حتى ببطاقة التأمين، إما لأنهم عن قصد لم يتقدموا للحصول على الإذن اللازم وإما لأنهم يفضلون التعامل مع من يقضون إجازاتهم وفقا لأسعار القطاع الخاص. ولعل هذه هي القاعدة وليس الاستثناء خصوصا في مناطق التزلج المرتفعة التكاليف في النمسا وسويسرا. ولكن أيضا في المنتجعات المفضلة في كل من إسبانيا وإيطاليا تتكرر هذه الممارسات.
من المعروف طبعا أن المؤمن عليهم صحيا لدى صناديق التأمين الصحي يستطيعون أن يستردوا، في وقت لاحق، ما تكبدوه من تكاليف العلاج من تلك الصناديق. ولكن راينر شالبروخ، مدير أحد الأقسام لدى صندوق ادخار بارمر، يقول : " المشاكل تظهر في التفاصيل " حيث إنه ينبغي تسجيل كل خدمة من الخدمات الصحية المقدمة على حدة وباللغة الألمانية ما أمكن وإلا فإن الشخص المعني سيكون مطالبا، في حالة الحسابات الكبيرة، بأن يتحمل تكاليف الترجمة والتدقيق و الإدارة. وفقط في حالة الفواتير التي تقل عن ألف يورو يمكن أن تتم الإجراءات بسرعة، ولا يطالب المريض في هذه الحالة إلا بدفع الرسوم المستحقة في ألمانيا.
وبعكس ذلك تتكفل عقود التأمين الصحي لأغراض السفر، كقاعدة، جميع التكاليف، ليس فقط داخل أوروبا وإنما في أي مكان من العالم. ويتفق جميع الخبراء في أن المرضى المؤمن عليهم في صناديق التأمين هم المستفيدون على أية حال. أما ما إذا كان ذلك مجديا أيضا للمرضى الآخرين فمسألة تختلف فيها الاجتهادات. وعلى أية حال فإن الأمر في هذه المسألة منوط ببوليصة التأمين المبرمة، كما تقول سابينه أربار، من اتحاد التأمينات الصحية الخاصة. فبشكل عام يعتبر التأمين نافذا في أي مكان في العالم، ولكن هذا لا يحدث دائما، وليس من دون حدود. :لأن العديد من المؤمنين يلجأون أيضا إلى استثناء تحمل تكاليف رحلة العودة.
ولكن حتى لو لم تكن هذه التحفظات قائمة يقول توماس فيفرز المسؤول عن عقود التأمين في شركة إل في إم للتأمين الصحي أن ثمة مبررين للتأمين الإضافي الخاص، وهما المساهمة في تغطية تكاليف العلاج خارج المستشفى من قبل المؤمن عليه، واحتمال تعويضه فيما بعد عن المبالغ التي تكبدها. وأخيرا فإن من المثير للاهتمام أن التأمين الصحي الإضافي أثناء السفر، إذا أبرم مع الشركة نفسها التي يكون الشخص المعني قد أبرم معها تأمينا شاملا من قبل، ليس له أية آثار على احتمالات دفع المبالغ المستحقة بسبب الإصابة بالمرض أثناء قضاء الإجازة.
إن على المؤمن عليهم قانونيا أيضا أن يكونوا ملمين بكل المعلومات الضرورية قبل إبرام تأمين صحي للسفر. ووقعت العديد من الصناديق القانونية اتفاقيات تعاون مع المؤمنين في القطاع الخاص من شأنها تسهيل الإجراءات فمثلا ثمة تعاون بين صندوق ادخار بارمر مع شركة هوك للتأمين ما يتيح الفرصة لجميع المؤمن عليهم، الذين يحملون وثيقة تأمين إضافية لدى شركة هوك بتقديم فواتيرهم لصندوق ادخار بارمر فقط حيث تتم التسوية النهائية. على أن الحذر مطلوب حيث ينبغي الانتباه لكي تشمل وثيقة التأمين الإضافية لأغراض السفر التأمين على الأسنان مثلا كيلا يكون ثمة لزوم لإبرام عقود تأمين إضافية أخرى.
ومن الإشكاليات أيضا مسألة التأمين على أشخاص يعانون أصلا بعض الأمراض، حيث توجد هنا تعريفات متفاوتة. وأخيرا، وليس آخرا، يجري التعامل مع النساء الحوامل بطرق مختلفة. ومن المهم، في هذا السياق، الانتباه دائما إلى أن من المشكوك فيه أن يكون التأمين مغطيا للمواليد الجدد منذ اليوم الأول.
وهناك أيضا نقطة أخرى يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة: ألا وهي المدى الزمني للتغطية التأمينية. ففي العادة يغطي التأمين ستة أسابيع من السنة فقط وإن كانت بعض الجهات تعرض توفير الغطاء التأميني لثلاثة أشهر. وفي هذا المجال ينصح رودنيك بالتعامل مع هذه القضية بجدية حيث لا بد من مراجعة بيانات الرحلة في حالة الشك، لأنه إذا تم تجاوز المدى الزمني المحدد ينتهي مفعول التغطية التأمينية. أما من أراد أن يمدد إقامته في الخارج فعليه أن يحصل على العقد التأميني الصحي المناسب بصورة مسبقة، وهذا يكلف على الأقل 50 يورو شهريا.