المستثمرون يتجاهلون الحرب اللبنانية ويقبلون على الشراء

المستثمرون يتجاهلون الحرب اللبنانية ويقبلون على الشراء

تجاهل المستثمرون في الأسبوع الماضي هموم الحرب القائمة في منطقة الشرق الأوسط، ومخاوف ارتفاع أسعار الطاقة واضمحلال النظرات المستقبلية لوضع اقتصادي أفضل في الولايات المتحدة. خلف المستثمرون كل ذلك وراء ظهورهم وأقبلوا على الشراء في أسواق الأسهم العالميـة بحماس. تبعا لذلك أعلنت كبرى مؤشرات الأسهم العالمية عن تسجيلها أرباحا سهمية بزيادة قيمتها 3 في المائة وأكثر. وحتى الآن كشفت بعض مؤشرات الأسهم عن تسجيلها أعلى افتتاح أسبوعي منذ بداية العام على الأقل. هذه التحسينات انعكست أيضا على أسواق القروض التي سجلت كذلك أرباحا سهمية، مما أدى مع نهاية الأسبوع إلى انخفاض أرباح الأوراق المالية الحكومية الممنوحة على مدى عشرة أعوام في الولايات المتحدة تحت إشارة 5 في المائة.
تسجيل الشركات أرباحا خيالية بصورة مفاجئة خلال الربع الثاني أسهم بالدرجة الأولى في "تضخم" شهية المغامرة لدى المستثمرين. ومن تلك القطاعات المتألقة كان بالدرجة الأولى شركات البترول التي استفادت بشكل كبير من ارتفاع سعر النفط العالمي، ولكن شركات أخرى على سبيل المثال شركات صناعة السيارات أمثال "فولكس فاغن" و"دايملر كرايسلر" و"جنرال موتورز" لعبت أيضا دورا فعالا من خلال برامج الإصلاح التي اتبعتها كل شركة والتي دفع بها في الظاهر إلى الأمام. إضافة إلى ذلك أسهمت حمى الاستحواذ المستفحلة على انتعاش الأسعار في العديد من أسواق الأسهم. إحدى صفقات الاستحواذ المنشطة لأسواق الأسهم العالمية تمثلت في إعلان مستثمرين ماليين في مطلع هذا الأسبوع عن نياتهم في الاستحواذ على سلسلة المستشفيات الأمريكية "إش سي إيه - HCA" بمبلغ وقدره 33 مليار دولار. وهذا يعتبر أكبر استحواذ في التاريخ نشأ من رؤوس أموال خاصة، وهو في الوقت نفسه يمثل شريانا مهما في تغذية الآمال بقيام صفقات استحواذ ضخمة أخرى.
في الواقع استطاعت صناديق الدعم المالي خلال عامي 2005 و 2006 تجميع ما يزيد على 100 مليار دولار من المستثمرين. رأس المال هذا الذي ارتفعت أغلبيته بأضعاف مضاعفة من خلال قروض، دفع بحماس إلى الاستثمار. ونظرا للمبالغ الضخمة التي يجب عليهم أن يستثمروها، يضع مديرو تلك الصناديق الدعم المالي نصب أعينهم وبصورة جديـة الشركات الضخمة المقيدة في البورصات العالمية.
من جهة أخرى يطرح سؤال الآن، وهو لماذا تمر سياسـة "برافت أيكويتي - Private Equity" (المساواة الخاصة) في الوقت الحالي بمثل هذا الازدهار اقتصادي البارز؟ خلف هذا الازدهار يكمن المستثمرون المؤسسون الذين يبحثون وبشغف عن الدرجة الأولى، أي عن أشكال استثمار تعود عليهم على المدى الطويل بأرباح سهمية مطلقة وترتبط في الوقت نفسه بأقل صورة ممكنة مع أصناف الاستثمارات التقليدية مثل الأسهم والقروض. فقد أظهرت الدراسات أن المحافظ المالية المختلطة بمثل تلك "الاستثمارات البديلية" جلبت أرباحا سهمية على فترة متوسطة أكثر بكثير من المحافظ المالية التقليديـة. إذا "برافت أيكويتي - Private Equity" ما هي إلا استثمار بديلي بمثل تلك الخصائص - على الأقل تبعا لما تقوله الخبرات العريقة. ولهذا السبب تتدفق في خزائن صناديق الدعم المالي المساهمة، مثل "هيدج - فوندس Hedge-Fonds" وأيضا مثل سوق الفنون على سبيل المثال، مبالغ بأرقام فلكية تفوق المليارات.
علاوة على ذلك حصلت أسواق الأسهم العالمية على دعم دافع للأمام مع تزايد الاحتمالات أن بنك الإصدار الأمريكي (الاحتياطات الفيدرالية Fed) يقف حاليا على أبواب رفع الفائدة الرئيسية، إذا لم يكن مسلسل رفع الفائدة الرئيسية قد بلغ ذروته أصلا. وفي جميع الأحوال ركز المستثمرون في قراءتهم لنتائج الوضع الاقتصادي القادمة من الولايات المتحدة على أن الاقتصاد نما خلال الربع الثاني حسب التخمينات الأولية بمعدل سنوي بقيمة 2,5 في المئة بدلا من القيمة 3 في المئة والتي كانت متوقعة. ومنذ ذلك الحين تتوقع فوائد الأسواق الآجلة بأن نسبة احتمال رفع الاحتياطات الفيدرالية الفائدة الرئيسية في الثامن من آب (أغسطس) تقارب نحو 30 في المائة. وفي الوقت نفسه ترى تلك الأسواق بأن الاحتمالية ضعيفة جدا أيضا لرفع الفوائد خلال الأشهر المقبلة. وواقعيا إذا ما جرت الأمور على حال الأسواق الآجلة، فستكون الفائدة الرئيسية للدولار قد بلغت ذروتها بالقيمة 5.25 في المائة. هذه الأخبار أثلجت بالدرجة الأولى صدور المستثمرين بالأسهم، حيث راودهم القلق حول عرقلة الاحتياطات الفيدرالية لحركة الازدهار الاقتصادي من خلال رفع آخر لقيمة الفائدة الرئيسية للدولار، وهذا مما سيشكل عبئا آخر على أرباح الشركات وأسعار الأسهم.
ولكن ما طغى على فكرة التركيز على النمو المتداعي، هو أن النسبة الرئيسية للمؤشر المسمى بـ "بي سي اي ديفلاتور - PCE-Deflator"، وهوعبارة عن مؤشر للتضخم المالي توليه الاحتياطات الفيدرالية ثقة كبيرة، والذي قفز من الربع الأول إلى الربع الثاني من نسبة 2.1 في المائة إلى 2,9 في المائة، وهي أعلى قيمة يصلها منذ عام 1994. وعلى الصعيد ذاته يلاحظ المحللون من "جولدمان ساكس" تصاعد مقاييس التضخم المالي في الآونة الأخيرة، إلا أن ذلك على حسب آرائهم يجب ألا يدفع لتقوم الاحتياطات الفيدرالية برفع قيمة الفائدة الرئيسية في الثامن من آب (أغسطس) إلى 5.5 في المائة.
وبينما ينظر إلى طريق الفائدة الرئيسية للدولار بأنه غير آمن، يقوم البنك المركزي الأوروبي، وبما لا يدع للشك برفع قيمة فائدة النقد اليومي يوم الخميس المقبل من 2.75 في المائة إلى 3 في المائة. وإذا تم غير ما قيل، فسيكون مفاجأة عسيرة على الأسواق، وذلك لأن رئيس البنك المركزي "جون-كلود تريشيه" قد هيأ الأسواق على هذا النحو. ولكن ما هو غير واضح، هو هل سيتم رفع الفائدة على خطوة أم خطوتين خلال العام. رئيس خبراء الاقتصاد الأوروبي في البنك الألماني الكبير "دويتشه بنك"، "توماس ماير"، قال إن الاحتمالية الكبرى تقوم على مرحلتين، ويبرر ذلك بأنه، عندما يقوم البنك المركزي الأوروبي برفع الفائدة الرئيسية في الثالث من أب (أغسطس)، كما هو محتمل، حينئذ ستكون قد قصرت الفترة بين خطوتي رفع لقيمة الفائدة من ثلاثة أشهر إلى شهرين فحسب. هذا التسارع سيبدو حكيما فقط إذا ما تلته خطوات متقاربة في مسافة شهرين. "ماير" ينتظر رفعاً للفائدة الرئيسية مرة أخرى في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وكانون الأول (ديسمبر) وكذلك في مطلع عام 2007 لتستقر إذاً عند 3.75 في المائة.
الترقبات بتقليل المسافة بين فترات رفع الفائدة الرئيسية لليورو، أعطته دفعة قوية مقابل الدولار، فقد بلغ سعر صرف اليورو مقابل الدولار 1.267 وهي أعلى قيمة توصل لها منذ ثلاثة أسابيع. وكذلك بالمثل ارتفعت قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار، فمع إغلاق الأسبوع الماضي بلغ سعر الدولار الواحد 7.97 يوان صيني، وهذه أقل قيمة للدولار على الإطلاق منذ عام 1993. من الظاهر أن الحكومة الصينية تحاول كبح جماح الاقتصاد المتوهج من خلال تعديل قيمة اليوان بصورة معتدلة، وفي الوقت نفسه إخماد نيران انتقادات رجال الساسة الأمريكيين تجاه توجه الحكومة الصينية إلى تقليل قيمة العملة المحلية، اليوان.

الأكثر قراءة