أسهم رابحة في تصاعد دائم
<a href="mailto:[email protected]">imbadawood@yahoo.com</a>
لا يخلو مجلس اليوم صغيرا كان أو كبيرا من حديث عن الأسهم، ولا تجد صحيفة أو مجلة إلا وهناك مقال أو تحقيق عنها، وقد تجاوز هذا الأمر حدودا أخرى, فحتى المستشفيات أصبحت تتلقى ضحايا الأسهم وأحيانا المقابر، فهي اليوم الحديث الأول للمجتمع.
هذه الحقيقة مؤلمة للغاية لأن آثارها انعكست على كثير من فئات المجتمع خصوصا أولئك الذين كانت خسائرهم كبيرة بحيث أكلت عليهم الأخضر واليابس وأصبحوا على الحديدة بل إنها أكلت أيضا الحديدة ولم يتبق شيء، وقد تناول العلماء هذا الموضوع في ملحق الرسالة الذي نشر يوم الجمعة, فقد شن الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء هجوماً عنيفاً على سوق الأسهم قائلاً "إنها سبب البلاء والمصائب المحدقة والتي ألمت بملايين المساهمين" وتمنى فضيلته من الله أن تغلق هذه السوق أو يقضي الله عليها لما جلبته من وبال على البلاد والعباد، كما أضاف "أنها من أكبر السلبيات في حياتنا ولقد نكب الكثيرون من جراء الانخفاض الكبير في السوق وكثرت الديون على الناس ....".
أخذت أتأمل هذه الأمور وما ألم بالناس من هم وحزن وكرب وخسارة مع هذا الهبوط الحاد للأسهم وأقارن بين كيف كانت حياتهم وأحوالهم قبل الأسهم وكيف أصبحت اليوم محصورة في اتجاهين للأعلى أو للأسفل وفي لونين إما أحمر أو أخضر والغريب أن البعض مع كل ما حدث ما زال يحدوه الأمل في ارتفاع ولو ملموس وما زالت قلوبهم معلقة بها صباح مساء ليل نهار وقد انصرفوا عن متابعة أحوالهم الشخصية والاجتماعية بل وحتى أحوال أمتهم وأصبح يكفي أن تضع كلمة واحدة هي (أسهم) لتلفت انتباه الناس ولتفتح أعينهم وتجعلهم يستمعون وينصتون لك, ففي أحد الأسابيع كتبت مقالا عن الأسهم فقرأه من خلال موقع الجريدة الإلكتروني أكثر من عشرة آلاف قارئ، في حين أني كتبت الأسبوع الماضي مقالا عما يلاقيه الفلسطينيون من جوع وتشريد فلم يقرأه إلا قرابة 300 قارئ.
العالم من حولنا ينتفض مع ارتفاع أسعار النفط وارتفاع حدة الحرب الكلامية بين أمريكا وإيران والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني واستمرار شلال الدم في العراق وغيرها من قضايا الأمة الأساسية ونحن نتابع أرقاماً سوقية ترتفع وتنخفض دون أن يكون لها مردود عملي أو أثر منتج.
ليس هذا الكلام لأن السوق خاسرة اليوم بل لأننا في حاجة ماسة إلى أن نعالج أنفسنا من هذه الفوضى التي دخلت حياتنا وأثرت في مسيرتها على أدائنا، وأن نركز في مجتمعنا ووطننا وقضايانا المحلية وقضايا إخواننا من حولنا، فها هي وكالات الأنباء تنشر هذا الأسبوع أن هناك أسيرة فلسطينية في سجون الصهاينة المحتلين نقلت إلى المستشفى مقيدة بالسلاسل والأغلال وتعرضت للتفتيش الشخصي قبل أن تلد بعملية قيصرية وابنها معها في سجنها، وأمها تشاهدها في التلفاز فتحضن التلفاز وتبكي بكاء مراً على ابنتها، كيف يتألم بعضنا بمتابعة خسارته في الأسهم وهو يرى ويسمع هذه الأحداث أم أن هذا الأمر لا يعنينا، شعب يجوع وأمة يراد لها أن تذل ونحن نتابع ليل نهار هذه المؤشرات ونتأمل الخسارة وهي تزيد يوما بعد يوم والحقيقة أننا نخسر أنفسنا ومن حولنا.
لقد أجاز فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي تعجيل إخراج زكاة المال لتخصيصها لمساعدة الشعب الفلسطيني في محنته التي يعيشها بعد أن تبرأت منه معظم دول العالم، و في دعم مثل هذه القضايا المحلية والدولية تكون الأسهم الرابحة والتي تبقى في تصاعد دائم.
لقد آن لنا أن نستيقظ من هذه الغفوة ليس لأنها كانت خاسرة ـ فلعل الله أراد هذه الخسارة لنصحو وننتبه ونركز في شؤون حياتنا ولنعمل في أسهم رابحة بما يعود على مجتمعنا ووطننا بربح دائم لا ينقطع.