شعري لا يراهن على شيء.. وديواني تجربة لامتحان الشعر في حياتنا الجافة!

شعري لا يراهن على شيء.. وديواني تجربة لامتحان الشعر في حياتنا الجافة!

رغم إصداره ديوانه الشعري الرابع أخيراً بعنوان "أبناء الأرامل"، إلا أن الشاعر السعودي علي العمري لا يراهن، شعرياً على شيء. ويبدو غير راض في حوارنا القصير معه عن الحال العام للساحة الثقافية. إذ يعتبرها "بليدة" و"رموزها هم أبطال الشفاهة الذين لم يصدروا حرفاً واحداً". ويذهب بعيداً عندما يعتبر ديوانه ضميراً يعبر عن جيل من "الضائعين والخاسرين". إلى الحوار.

لا فوق لمثلك كان اكتمال القصيدة / الشذرة، في أبناء الأرامل تقلصت الشذرة إلى تقطيع أقل، هل كلما ازداد حجم الفضاء المعنوي للنص، تقلصت ألفاظه، أم هو تكنيك مزدوج: ظاهري وباطني، متماهياً مع ظرف اللحظة في العصر المادي السريع؟
أظن أن من الخطأ الفصل بين شكل النص ومضمونه، على أنني لست متيقناً بالفوارق الدقيقة بين التجربتين، في أبناء الأرامل ثمة نصوص طويلة حتى وإن تقطعت بنائياً، ونصوص قصيرة جداً، كذا في لا فوق لمثلك لكن في فضاء مختلف. ليس ثمة اكتمال من نوع، لكن هناك محاولات، عليها أن تتعدد بتعدد أنفاسنا وهذا ليس كلاماً مجازياً!
ثمة خيط شفيف بين القصائد، بحث عن حياة جديدة، حياة أخرى، عكس المجموعات السابقة حيث تأسيس اللحظة التفصيلية للأشياء، هل علي يحاول تأمين حياة شريفة محترمة من خلال هذا العمل، بمعنى أنه يحاول زيادة فاعلية الكتب التي تتكلم عن هذا لإدراكه نقصها أو عدم كتابتها من قبل كما يقول ثورو؟
من المرعب حقاً تأمل مقاصد السؤال عن الحياة الشريفة أو المحترمة. أبناء الأرامل تجربة تحاول مساءلة اللحظة بأبعادها المكانية والزمانية والذهنية وحتى النفسية، تحاول بحذر الاقتراب من سطوة الآني، تجربة تمتحن الشعر كما أعرفه في بيداء حياتنا الجافة. أظن أن حقيقية أي تجربة تتحقق نسبياً بقدر قدرتها على اختراق مناطق كانت بالنسبة للكاتب صعبة الاختراق، وهذا ما حاولته في "أبناء الأرامل".
الرياض عند علي لم تفلح في خياطة حياة، حيث على تعبيرك كل ما هو غد مرّ بالأمس، هل المدينة هي المشكلة كما يقررها أودن في كتابه (محنة الشاعر في أزمنة المدن) حيث النفعية على حساب الفن، أم هو بيان احتجاج احتكم في الداخل، فلم يجد سوى الخلاص اللغوي لبلوغ الخارج؟
بعيداً عن كل تنظير حول أزمة الشعر في المدن، أنا أقيم في هذه المدينة منذ أكثر من ستة عشر عاماً، لم أكتب حرفاً واحداً بحس المكان أو الحضور فيه، أو ملامسته، ثمة غياب تام، لماذا لا أدري، لذا لجأت في نص الرياض إلى الرياض: الفكرة / المصهر / رياض اللحظات التي لا تطاق عندما لا يكون للكائن من خيار إلا البقاء على رماد اللحظة/ الرياض النفسي حيث القسر والقهر، الرياض الوجودي حيث لا مفر منه إلا إليه، الرياض على حافة أنفاس الغريب، أنظر ليس لدي ما أقوله.
الزمن والمكان والإنسان، سقتها جميعاً في نص أبناء الأرامل، هذا التحاشد الكوني لمفردات الوجود، هل يمكن أن يكون بداية شيخوخة روحية، فقرر الشاعر إنشاءها كوصية أخيرة؟
ماذا عسانا نصير حقاً عندما نشيخ روحياً، وهل يمكن أن أكون أحسست بفتوة الروح يوماً! دعنا من رثاء الذات فهي حرفة العاطلين. وإن كان في السؤال فأل أتطير منه، أقول نص أبناء الأرامل تجربة تحاول تمثل ضمير (نحن) كبير يعبر عن جيل من الضائعين والخاسرين، إنهم حطام وعي لم يتشكل، ومعرفة لم تتحقق، أبناء بلا آباء، مستقيلون من أية قيمة مكرسة، بلا هوية.
علي في الشعر هو غير علي في المقالة، وغيره في قراءة الكتب، هل رهان الشعري هو صهر كل تلك المجاميع الكتابية، ومن ثم إظهارها في قالبها الخاص بعلي؟
لا. للمقالة لغتها وأحياناً أجرب أكثر من مستوى للغة، وكذا في الشعر، طبيعي أن تختلف اللغة باختلاف المقام والحال، أما شعرياً فصدقني إذا قلت لك إني لا أراهن على شيء.
حين تكلم محمد العباس عن المقهى ذكر أن جلساته مع صديقه وبينهما ديوان لوديع سعادة، بدأ يفسده قاموس المال، والبورصة عند وديع، أنت ماذا تفسر هذا التداخل بين المفردة الشعرية وأدوات اليوم المعاصر، ولا سيما في نص أبناء الأرامل؟
قلت لك مسبقاً هي لحظة امتحان للشعر كما أفهمه، ألا يمكن للشعر أن يلامس عجلات الاقتصاد المتسخة، أن يصغي للهاث البشري وهو يطحن تحت رحى الشركات الرابضة على القارات وليس العابرة لها، ليس ثمة مسلمة أو قانون تحرم على الكاتب اقتحام هذه المناطق الملعونة بحق. لما لا تظهر مفردات ومصطلحات كل مصانع النخاسة وتجارة الدماء والعرق، المهم أن نحاول، دون أي تفاؤل بتحقيق شيء!
أبناء الأرامل هو الديوان الرابع، بعد سنتين من الديوان الثالث، هل قادم علي سيكون بمثل هذا التقارب الزمني، أم سيعود إلى حالة الديوانين الثاني والأول؟
ليس هناك أي إيقاع منتظم في مسألة الكتابة، كما أن سنة نشر كل عمل ليست بالضرورة هي سنة الفراغ من كتابته، وعموماً فنحن في ساحة ثقافية بليدة تعتبر الكتابة المنتظمة والإصدار عيباً ودلالة على خفة، نحن في ساحة مازالت أقرب للشفاهة رموزها هم أبطال الشفاهة الذين لم يصدروا حرفاً واحداً!

الأكثر قراءة