سلوفانيا تنأى بنفسها عن دول البلقان وتقتحم منطقة اليورو

سلوفانيا تنأى بنفسها عن دول البلقان وتقتحم منطقة اليورو

في سلوفانيا احتد السكان أخيرا حينما كتبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن سلوفانيا تقع في منطقة البلقان فهم يفضلون أن يقال إن دولتهم تقع في وسط أوروبا. كما يغضب السكان أيضا إذا ما أخطأ أحد في نطق اسم دولتهم بشكل غير مقصود أو خلط بينها و بين سلوفاكيا وهو أمر كثيرا ما يحدث. ويحدث الخلط بين سلوفانيا و سلوفاكيا بسبب ما تتمتع به الدولتان من سمعة طيبة في مجال الاقتصاد حيث تمكّنت سلوفاكيا من تطبيق مشاريع إعادة الهيكلة الاقتصادية بنجاح باهر، وبالتالي حققت نمواً مثالياً، وكذلك الحال مع سلوفاني التي تحتل المركز الأول تنافسياً في المقارنة الاقتصادية من بين عشر دول انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004. و من المقرر أن تنضم سلوفانيا مع حلول العام المقبل إلى منطقة اليورو و تبدأ في استخدامه في الأول من كانون الثاني (يناير) من عام لتكون سلوفانيا أول دولة من الدول العشر التي تقوم بهذه الخطوة 2007. وسيتم تثبيت سعر الصرف في النهاية بنحو 239.64؛ وفي هذا المعدل طرأت القليل من التقلبات خلال الأعوام القليلة الماضية. وتمكّنت سلوفانيا في غضون أعوام قليلة من الوفاء بجميع الشروط للانضمام إلى منطقة اليورو. وبلغ معدل عجز الخزينة عام 2005 نحو 1.8 في المائة، والذي لا يجوز له أن يتجاوز نسبة 3 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي من البضائع والخدمات الإنتاجية بناءً على مواصفات اتفاقية ماستريخت. وبناءً على الاتجاهات، حسب ما عرض وزير المالية أندريه باجوك مع بداية الشهر الجاري فإن الحكومة تنوي معادلة الخزينة الحكومية حتى عام 2011، تلك التي من الممكن أن تظهر بوادرها خلال الأعوام المقبلة بناءً على التوقعات الجيدة لحجم النمو الاقتصادي بما يزيد على 4 في المائة. وحجم المديونية الإجمالية للحكومة، والتي من المفترض ألا تتجاوز نسبة 60 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، بناءً على اتفاقية ماستريخت، تسجّل فعلياً أقل من 30 في المائة. ويسجّل معدل التضخّم نحو 2.6 في المائة فقط. وبالنظر إلى هذه المعدلات يمكن تصوّر سلوفانيا ضمن أوروبا فعلاً. وإضافة إلى هذا، فقد بدا مختلفا في كل شيء. فلم تكن توجد هنا حيوية اقتصادية كبيرة مثلما كانت الحال في جمهورية التشيك، ولا إعادة هيكلة جذرية للقطاع الصحي، ولا لأنظمة التأمين الاجتماعي مثلما هي أخيراً في سلوفاكيا. وتتسم سوق العمل بالتشريعات المبالغ بها. وتتسم عمليات التخصيص ببطء وبفقدان شعبيتها والشجاعة الكافية لها، وكذلك فإن الاستثمارات المباشرة قليلة وخاصةً لدى البنوك. ويوجد مساهمات حكومية و تأثير حكومي كبير في جميع القطاعات تقريباً على نحو جيّد. ويتم تحقيق نظام الأجر عن طريق ارتباطات اجتماعية قوية للمجتمعات المهنية.
وتبدو موجة الانضمام إلى السوق عالية على نحوٍ كافٍ للشركات الأجنبية، ولكن السوق بحد ذاتها صغيرة، لكي تثير مصالح الشركات الكبرى. ومن يستثمر في سلوفانيا، يقوم بهذا في العادة ليستخدم الدولة كلوح للقفز إلى جنوب أوروبا. والنموذج السلوفاني يُذكّر أكثر بالرأسمالية، و القومية الاقتصادية للفرنسيين، أكثر من الطريق إلى سلوفاكيا. وفي الحقيقة، تحاول سلوفانيا فصل نفسها عن الدول الشيوعية السابقة، و كذلك تميز نفسها حتى عن الدول الأعضاء الأصل للاتحاد الأوروبي أيضا، فسلوفانيا حالة خاصة.
ولطالما كانت الإنتاجية الاقتصادية السلوفانية ضمن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية جديرة بالملاحظة. برغم أن نحو مليونين من المواطنين السلوفانيين يبلغون نحو 8 في المائة فقط من إجمالي عدد سكان يوغوسلافيا السابقة ولكنهم ساهموا بنحو 25 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وحققوا نحو الثلث من حجم التصدير اليوغسلافي. بينما كانت أجزاء الجمهورية الأخرى تصدّر الأيدي العاملة إلى الغرب، صدّرت سلوفانيا البضائع والخدمات الإنتاجية. ويتميّز المواطنون السلوفانيون بالاجتهاد والإخلاص في العمل، حيث إن منازلهم الصغيرة والجميلة، والمُحاطة بحدائق صغيرة منسقة على نحوٍ جيد، والسيارات النظيفة في مداخل منازلهم، تثير حسد وغيرة جيرانهم من سيبيريا، وكرواتيا.
وكان يسيطر في الجزء الجمهوري السلوفاني تحت قيادة تيتو، نظام شبه اقتصادي، عن طريقه يتمكّن المدير من قيادة الشركة باستقلالية إلى أبعد حدود، ويمكنه القيام بعلاقات اقتصادية مع الأقاليم المجاورة، منها إيطاليا والنمسا. والشركات مثل الشركة المُصنّعة للأجهزة المنزلية "جورينجيه – Gorenje"، والتي تُعد حتى هذا اليوم أكبر شركة مصدّرة في سلوفانيا، والتي تمكّنت من إثبات نفسها بصورة جيدة في الأسواق الغربية ما قبل عقد من الزمان. ولكن حتى في فترة الجمهورية اليوغسلافية الاتحادية، بدأ نشوء طبقة متوسطة جديدة، والتي عزز تقدّمها الاجتماعي أمنيتها في تحقيق الديمقراطية والاستقلالية القومية. وكان الدعم المالي، والذي جاء مع سلوفانيا عقب أن استقلت في عام 1991، أكبر بكثير مقارنة بالدول الشيوعية السابقة. وبالإضافة إلى هذا، لم تقحم النخبة الشيوعية السابقة بالتحوّل فحسب، ولكنها تعجّلت في الأمر إلى درجة كبيرة.ولاحقاً تمكنت الدولة من الحفاظ على أدوارها ضمن الشروط المتغيّرة، لا، بل وعززت أدوارها أكثر. وهي تتباين فيما بينها في التغيّر التدريجي، وتتقارب سلوفانيا من حيث توزيع الدخل مع إسكندنافيا أكثر من الدول الشيوعية السابقة في شرق أوروبا. وتم تعويض تراجع السوق اليوغسلافية لاحقاً عن طريق تكثيف التداول التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي. ومع نهاية الحرب اليوغسلافية استعاد السلوفانيون بسرعة من جديد وزنهم الاقتصادي في المنطقة. وخلال الأسابيع الماضية افتتحت السلسلة التجارية "ميركاتور - Mercator " متجرها الخامس في البوسنة والهيرسيك. ولا يقتصر هدف المجموعة، على أن تكون سلسلة تجارية رائدة في سلوفانيا فحسب، ولكن كذلك في باقي أجزاء جمهورية يوغسلافيا. وتُعطي شركة الأدوية "كركا - Krka " مثالاً آخر، تلك الشركة التي تحقق في دول البلقان، وخارجها، وفي روسيا، معدلات نمو كبيرة. وتفهّمت الشركات السلوفانية كيفية تعويض ركود أسواقها في دول الاتحاد الأوروبي الأصل عن طريق التزامات أقوى في جنوب أوروبا. ويتحدّث موظفوها لغات الإقليم، ولديهم خبرة بالأسواق أكثر من منافسيهم من الغرب. والمشكلة، والتي تواجه سلوفانيا اليوم، تشابه بالأحرى ما تتعرض له المجتمعات الدولية المشبعة أو دول النمور الصاعدة. وعلى الحكومة، كما ورد عن وزير المالية باجوك، أن تجعل المواطنين يتفهمون، أن خطط إعادة الهيكلة ضرورية، برغم أن الدولة تسيّر أمورها اقتصادياً على نحوٍ جيد. ورفع الحزب المحافظ، الذي حلّ محلّ الليبرالية الديمقراطية للشيوعية السابقة في خريف عام 2004 بعد حكم نحو 12 عاما، حدة الضغط باستمرار على الصفقات التجارية الشيوعية القديمة هنا وهناك، ولكنه خفف مشاريعه في إعادة الهيكلة باستمرار.
وتنوي الحكومة في أيلول (سبتمبر) المقبل، الإعلان عن خططها الضريبية، ولكن فيما إذا كانت ستبقى التعريفة مسطّحة لدى تطبيق ضريبة الدخل، والتي تم الإعلان عنها، يبقى أمرا مشكوكاً فيه. وستتسلم سلوفانيا في شهر كانون الثاني (يناير) من عام 2008، رئاسة الاتحاد الأوروبي، وهي تُعد الأولى من بين الدول الأعضاء العشر الجديدة التي تحظى بهذه الفرصة الكبيرة، حيث تم انتخابها عقب أشهر قليلة من هذا. ولا بد أن تكون هناك معجزة، لتتمكن إحدى الحكومات الخاضعة لمثل هذه الشروط من إيجاد القوة لتحقيق خططها في إعادة الهيكلة الكبيرة.

الأكثر قراءة