المسكن إلى أين؟(2)
المسكن إلى أين؟(2)
<a href="mailto:[email protected]">altharwa@altharwa.net</a>
يشير الواقع وجميع الدراسات إلى حاجتنا الماسة لأعداد كبيرة من المساكن سنويا وباستثمارات تتجاوز مائة بليون ريال لكافة مناطق المملكة وبجميع شرائح المجتمع وعلى الأخص الشريحة الدنيا للأسر الحديثة وهي النسبة الأعم التي لا يمكنها امتلاك مساكنها بالأساليب التقليدية الحالية أو حسب الأنماط السكنية السائدة وإذا امتلكتها لا يمكنها تحمل تكاليف التشغيل.
وهذه القضية لها مسببات كثيرة فأول هذه الأسباب هو:
أساليب التخطيط وتقسيم الأراضي في الأحياء السكنية فطريقة تخطيط أحيائنا وتقسيم أراضيها أولا لا تراعي النواحي الإنسانية وثانيا لا تلبي الاحتياجات الفعلية لشرائح المجتمع فأسلوب التخطيط الشبكي والشوارع الواسعة المستقيمة يتعارض مع تضاريس وخصائص بيئتنا ويخدم السيارة أكثر من الإنسان.
لماذا نتجه في تخطيط أحيائنا هذا الاتجاه الخاطئ؟ إن المسؤولية تقع على القطاع الخاص العقاري وعلى القطاع العام الجهات التشريعية والتنفيذية على حد سواء.فالقطاع الخاص العقاري هدفه المكاسب المادية وبأسرع ما يمكن وهذا شيء طبيعي ولكن الأساليب العقارية المتبعة لتحقيق هذا الهدف تتعارض مع التطلعات والاحتياجات الأساسية المستقبلية لسوق الإسكان سواء كان ذلك في جودة التخطيط أو الإشراف أو التنفيذ أو في توفير قطع الأراضي السكنية الصغيرة (200-400 متر مربع ) متكاملة الخدمات.
أما الجهات التشريعية التنفيذية من جهة اخرى فهي لا تزال متمسكة بالأساليب التقليدية في اعتماد ووضع الشروط والمواصفات التخطيطية النظرية التي لا تتناسب مع الاحتياجات والتطلعات المستقبلية كالتركيز بشكل كبير على نسبة الشوارع وانسيابية حركة السيارات في الأحياء وكذلك تحديد نسبة الكثافة السكانية التي لا تتناسب مع الطلب المتزايد على المساكن ونلاحظ أن القطاع العام لا يقدم للقطاع الخاص أي محفزات ولا التشجيع على الإبداع لتقديم الأفكار الجديدة الجميلة.
والنقطة المهمة الأخرى المرتبطة بالتخطيط هي مفهوم التطوير العقاري التقليدي أو القاصر فطريقة تخطيط وتقسيم الأراضي ثم عرضها للبيع بدون بذل أي مجهود حقيقي في تطوير الحي بالمفهوم الشامل في بناء الحي بشكل متكامل جاهز للاستخدام أدت إلى جعل أحيائنا ورشة عمل لسنوات طويلة تصل إلى 20 سنة أو أكثر فأحياؤنا تشيخ قبل البلوغ وقبل أن يكتمل فيها البنيان كما أن هذا الأسلوب في التطوير الكارثي جعل الأراضي السكنية سلعة يتداولها الناس فارتفعت أسعارها إلى أرقام غير واقعية لا يمكن امتلاكها بالطرق التقليدية. فنجد أن مساحات قطع الأراضي في الأحياء الجديدة كبيرة (600 متر مربع أو أكثر) والذي يؤدي بدوره إلى زيادة في اسعار المسكن.. لماذا؟ السبب هو أن العقاريين يفضلون المساحات الكبيرة للأراضي فأولا هذا يخفض من نسبة الكثافة ويقلل من متطلبات المرافق والخدمات أثناء التخطيط وثانيا يلبي متطلبات وشروط القطاع العام.
فتقليل عدد القطع في الحي يزيد من قيمتها إذ إن سعر البيع للمتر المربع يتناسب تناسبا طرديا مع مساحة الأرض السكنية، كما أن شروط ومتطلبات الجهات التشريعية في التخطيط لا توجه أو تشجع العقاريين على زيادة الكثافة السكانية وتصغير مساحات قطع الأراضي وزيادة عددها في الأحياء السكنية الجديدة لتخدم أكبر شريحة ممكنة من السكان.