صغار المستثمرين أولى بالمعروف

<a href="mailto:[email protected]">mjadeed@hotmail.com</a>

تلبية الاحتياجات الاستثمارية لصغار المستثمرين ستساعد على مواجهة تحديات مستقبلية قد تجبر السوق, إذا لم نلبيها, على الاستدارة لإعادة ترتيب الأوراق وتعطيل المسيرة.
مبادرة فريدة من نوعها أطلقتها هيئة السوق المالية عندما أعلنت منح جميع صغار المستثمرين أجهزة حاسب آلي بأسعار رمزية، ومزود بخدمات مجانية تشمل الاتصال بالإنترنت، والنشر الآني لمعلومات السوق، والاتصال المباشر بنظام التداول، وبطاقة ذكية للتداول، وثلاثة آلاف قاعة تداول.
هكذا بدأت هيئة السوق المالية حملتها التسويقية مباشرة بعد إعادة هيكلة سوقي شانغهاي، وشنتشينغ الماليين. والتي هدفت إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب الصيني للاستثمار في أسواق المال المحلية، والمساهمة بفعالية في تطوير الاقتصاد الوطني.
يعود نشاط تداول الأوراق المالية في الصين إلى عام 1891م عندما أنشئت أول سوق أسهم في مدينة شانغهاي الصينية. كان نشاط التداول ينقسم إلى نوعين. الأول لتداول أسهم الشركات الأجنبية، معظمها أمريكية وبريطانية، والثاني لتداول أسهم الشركات الصينية. تميز الأول عن الثاني بمستوى سيولة عالية، وعمق مالي كبير.
توقف التداول خلال فترة الاحتلال الياباني للصين، ثم عاد من جديد بكل حيوية، ونشاط مع بداية الأربعينيات الميلادية، مدعما ببدء إصدار السندات الحكومية. استمر التداول قرابة العقد من الزمن قبل أن يتوقف من جديد في عام 1949م مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
عاد التداول مع بداية الثمانينيات الميلادية عندما بدأت الحكومة الصينية برنامج الإصلاح الاقتصادي بقيادة دنج سياوبنج. حيث أصدرت أذونات الخزانة لأول مرة في 1981م. وأنشأت السوق الثانوية في 1987م، وأعادت فتح الأسواق المالية في شانغهاي في عام 1990م، وشنتشينغ في 1991م.
وعلى الرغم من زيادة حركة التداول مع بداية التسعينيات الميلادية، إلا أنها لم تكن بحجم التوقعات. فالقيمة السوقية لسوقي شانغهاي، وشنتشينغ لم تتعدى 10 في المائة من الناتج المحلي الحقيقي. والعمق المالي متواضع، عطفا على اقتصار التداول على عدد محدود من المستثمرين، وشركات الاستثمار المحلية، والأجنبية.
فمعظم أفراد الشعب الصيني منتشر في المناطق النائية. ودخولهم إلى السوق يكاد يكون من سابع المستحيلات كون أن معظم شركات الوساطة المالية متمركزة في مدينتي شانغهاي، وشنتشينغ، وليس هناك وسيلة للتداول في المناطق النائية.
فالتحدي إذا كان يكمن في الكيفية التي يمكن من خلالها الوصول إلى أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب الصيني، واستقطابهم للدخول إلى أسواق المال، ودعم عمقها المالي.
بدأت مواجهة التحدي في 1997م عندما انتقلت سوق شانغهاي إلى مقرها الجديد ذي الـ 27 طابقا في ضاحية بودونج. ألحق بالمبنى ثمانية قاعات تداول مجهزة لاستيعاب نحو 50 ألف شخص. بنية تحتية مشابهة تم تدشينها أيضا في سوق شنتشينغ.
دعم كلا السوقين بجهاز حاسب آلي رئيسي HP9000-T500 لتشغيل نظام التداول بطاقة استيعابية تبلغ 20 مليون صفقة يوميا. كما ربط النظام، من جهة، بـ 16 مركزا للتقاص والتسوية، منتشرة في المدن الرئيسة. ومن جهة أخرى، بثلاثة آلاف قاعة تداول منتشرة في نحو 300 قرية، ومدينة.
تتشابه تصاميم قاعات التداول بمقاهي الإنترنت. فهي مزودة بأجهزة حاسب آلي، و كفّي، وشاشات نشر الآني لمعلومات السوق، ومكائن صرف آلي. ولتقليل تكلفة التداول، وتهميش دور الوسطاء الماليين، زودت الهيئة جميع المستثمرين ببطاقة ذكية فريدة من نوعها للتداول، وشبيهة من حيث آلية العمل ببطاقات الائتمان مسبوقة الدفع.
كل ما على المستثمر عمله للتداول هو فتح حساب استثماري "مجاني دون حد أدنى" لدى أحد البنوك التجارية. ومن ثم شحن البطاقة الذكية من حسابه الجاري إلى الاستثماري من خلال أجهزة الصرف الآلي.
يقوم المستثمر بعد ذلك بزيارة أقرب قاعة تداول. ثم يمرر البطاقة الذكية على قارئ آلي ملتصق بجهاز الحاسب الآلي ليتمكن من الاتصال المباشر بنظام السوق دون الحاجة إلى المرور بأنظمة الوسطاء الماليين.
بطيعة الحال، خدمت هذه البنية التحتية شريحة جيدة من المستثمرين الراغبين في التداول عبر قاعات التداول. ولكن ماذا عن غير القادرين على الحضور الشخصي لقاعات التداول؟
منحت هيئة السوق المالية هذه الشريحة أجهزة حاسب آلي بأسعار رمزية، ومزودة بخدمات مجانية للاتصال بالإنترنت، والنشر الآني لمعلومات السوق، وبرنامج تداول متصل بشكل مباشر بالسوق، عوضا عن الاتصال بالوسيط المالي.
فاقت نتائج هذه التحولات مع بداية العقد الحالي كل التوقعات. أصبح صغار المستثمرين يشكلون 99 في المائة من أصل نحو 70 مليون مستثمر في كلا السوقين، ويتداولون أكثر من ستة أنواع مختلفة من الأوراق المالية لأكثر من 12 ألف شركة مدرجة، وبقيمة سوقية إجمالية فاقت نصف تريليون دولار أمريكي.
أحد أهم دروس إعادة هيكلة سوقي شانغهاي، وشنتشينغ الماليتين الدور الذي يلعبه صغار المستثمرين في دعم العمق المالي لسوق المال. وهذا بيت القصيد في مشروع إعادة هيكلة تقنية سوق المال السعودية، والذي كشفت هيئة السوق المالية النقاب عنه أخيرا.
فعلى الرغم من أن "تداول" طوّر ليخدم سوق الأسهم، إلا أنه تميز عن سابقه، "نظام إيسز" إبان فترة التسعينيات الميلادية، بأنه نقل ثقافة تداول الأسهم خارج حدود قاعات التداول ليصل إلى صغار المستثمرين في منازلهم.
وبالتالي، فإنه ينتظر من مشروع إعادة هيكلة تقنية السوق أن يقدم نظرة أكثر شمولية، و موضوعية من تلك التي قدمها "تداول" يكون صميمها تلبية الاحتياجات الاستثمارية لصغار المستثمرين، في المقام الأول، وللوسطاء الماليين، في المقام الثاني، وليس العكس.
فدور صغار المستثمرين سوف يصبح أكثر تأثيرا على العمق المالي للسوق عند اكتمال عملية بنائه. وتلبية احتياجاتهم الاستثمارية ستساعد على مواجهة تحديات مستقبلية قد تجبر السوق، إذا لم تلبيها، على الاستدارة لإعادة ترتيب الأوراق، وتعطيل المسيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي