الثالوث المدمّر .. المخدرات والفضائيات والتدخين

<a href="mailto:[email protected] ">[email protected] </a>

لم تعد المجتمعات الإسلامية قادرة على مواجهة الأخطار الاجتماعية بكفاءة بعد أن تكالبت عليها الظروف وأصبحت مستهدفة من قبل جهات خارجية مشبوهة، وأخرى داخلية هي أكثر خطرا عليها من تلك الجهات الخارجية. يمكن القول إن هذه المجتمعات ما زالت تواجه بنوع من أنواع الحروب الموجهة، وإن لم تستخدم فيها الأسلحة التقليدية، إلا أن أسلحتها أصبحت أشد فتكا من الأسلحة الحربية، فالحروب الاجتماعية عادة ما تضرب في عضد التكوين الإنساني للمجتمع، خاصة طبقتي النشء والشباب.
المخدرات هي السلاح الفتاك الأول الذي يوجهه أعداء الأمة إلى المجتمعات الإسلامية، خصوصا الدول الخليجية، وهو السلاح الذي بدأ بالفعل في التغلغل بين أفراد المجتمع بطبقاته المختلفة دون تمييز. كنا، وإلى عهد قريب، نعتقد أن الكسب المادي هو المحرك الأساسي لعصابات التهريب وهو الهدف الحقيقي لمافيا المخدرات، إلا أن العمليات الأمنية المتطورة، إضافة إلى بعض البحوث المتقدمة, كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن أهداف الجماعات الإجرامية المتخصصة في تهريب المخدرات لا يمكن اختزالها في تحقيق الكسب المادي، وإن كان الكسب المادي يمثل هدفا رئيسا للمروجين أنفسهم، إلا أن أهداف داعمي عمليات التهريب غالبا ما تكون أيديولوجية سياسية، وهو ما يبرر الدعم المالي واللوجستي الكبير الذي تتمتع به عمليات التهريب الدولية ذات اللمحات الاستخباراتية.
المخدرات بأنواعها، المخصصة للجنسين من المراهقين والمراهقات، أصبحت متوافرة في أسواق الدول الإسلامية، خصوصا الخليجية منها بشكل لافت للنظر، وبأسعار متدنية مقارنة بأسعار التكلفة، كما ذكرت بعض نشرات مراكز البحث، ما يؤكد على عمق المشكلة وتفاقمها، ويؤكد أيضا على وجود منظمات دولية تدعم عمليات التهريب إلى الدول الخليجية على وجه الخصوص. ليس من باب الصدفة أن تجد المخدرات طريقها إلى المراهقين والمراهقات من خلال التجمعات التعليمية والترفيهية والنوادي الصحية على الرغم من الاحتياطات الأمنية المشددة والمتابعة الدقيقة التي تنتهجها الإدارات المسؤولة عن تلك التجمعات.
إحدى دول أوربا الشرقية حصلت على دعم من منظمات غربية متطرفة من أجل بناء مصنع لإنتاج حبوب الهلوسة، وهي حبوب خاصة تفتك بخلايا الدماغ على المدى المتوسط، يخصص إنتاج ذلك المصنع للدول الخليجية، وتتكفل تلك المنظمات بالتمويل والدعم وتوصيل الشحنات إلى دولة شرق أوسطية، حيث يتم توزيعها على المروجين مجانا، ويتحمل المروجون تكاليف تهريبها إلى الدول الخليجية عن طريق البر ما يجعل تكلفة توزيعها في الدول المستهدفة متدنية جدا وفي متناول الأطفال قبل الشباب. أحد المتخصصين الاجتماعيين الغربيين قام بزيارة خاصة لدولة الكويت وتوجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، مركز الأحداث، من أجل أن يبلغهم رسالة مباشرة مفادها أن هناك خططا غربية محددة تستهدف المراهقين من الجنسين في الدول الخليجية، وأن الأمانة الأخلاقية والعلمية هي التي قادته لتوصيل هذه الرسالة إلى الجهات المسؤولة عن النشء في الكويت، هل نحتاج إلى مزيد من الشواهد كي نثبت أن انتشار المخدرات على مستوى متقدم في الدول الخليجية إنما هو جزء لا يتجزأ من خطط التدمير الاستراتيجية التي يتبناها أعداء الأمة في غفلة من المجتمع؟ مهمة مكافحة المخدرات لا يمكن أن تلقى على كاهل الجهات الرسمية فقط، فهي في حرب دائمة على المخدرات ونجاحاتها المتتالية لا يمكن إغفالها، بل إن المجتمع بأسره مسؤول أيضا عن مكافحة المخدرات، بدءا من الأسرة، المدرسة، المسجد، والأندية الرياضية، إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة.
وعلى علاقة مباشرة بالإدمان والمخدرات تظهر مشكلة التدخين التي ينظر لها المتخصصون على أنها واحد من مسببات التحول نحو إدمان المخدرات. وعلى الرغم من مضار التدخين الصحية، وعلاقته بإدمان المخدرات، إلا أن برامج مكافحته في دول الخليج لا تزال في مهدها. نسب الزيادة في عدد المدخنين من الجنسين لا يمكن أن يقبل بها عقل، فهي نسب ضخمة بكل ما تعنيه الكلمة. وأخطر من ذلك انتشار التدخين بين أطفال المراحل الابتدائية والمتوسطة، وزيادة عدد المدخنات من النساء وهو أمر لم يكن معروفا قبل عقد من الزمان. هل يمكن اعتبار انتشار التدخين بين الأطفال والمراهقين والمراهقات أمرا طبيعيا لا يحتاج إلى أن نقف على أسبابه ومسبباته؟ أم ترى أن الأمر أصبح ظاهرة يستدعي الأمر الوقوف عندها وإجراء البحوث الموسعة حولها، ومن ثم وضع الحلول الناجعة لإيقاف زحف إدمان التدخين، وحماية المجتمع من شرورها. تقنين عمليات بيع السجائر ومنعها عمن تقل أعمارهم عن 20 سنة، ومنع التدخين في الأماكن العامة، وأماكن العمل، وزيادة رسوم الجمارك على واردات التبغ، وتوعية المجتمع هي من أهم وسائل مكافحة التدخين وحماية المجتمع من شروره.
الخطر الثالث المدمر هو خطر الفضائيات الماجنة التي انتشرت في فضائنا انتشار النار في الهشيم، محطات موجهة إلى المراهقين والمراهقات، وباقي الفئات السنية الأخرى. بعضها متخصص في إفساد الأخلاق والذوق العام، أسست على مبدأ مخاطبة الغرائز لا العقول، تعج بالأفلام الهابطة، ومشاهد التعري والإيحاءات الجنسية التي تتضمنها أفلام الأغاني الماجنة "فيديو كلب"، التي تركز على نشر الثقافات المنحلة التي ترفضها الثقافات الغربية قبل الدين الإسلامي. تهدف إلى هدم القيم الإسلامية، من خلال نشر الرذيلة والمناداة بالانحلال وتسهيل التقاء المراهقين عبر برامج الواقع، والبرامج الغنائية وعبر الرسائل التي تخدش الحياء. تساعد على تمرد الفتيات، وإكسابهن الثقافة الغربية المنحلة، وإخراجهن من منازلهن عنوة من أجل الغناء أو المشاركة في البرامج التي لا يقبلها الدين ولا المجتمع تحت إغراءات الشهرة والمال.
جميع تلك القنوات الماجنة عربية تتحدث بلغتنا وتفكر بعقلية الغرب الهدامة، هي سبب من أسباب تفشي جرائم الاغتصاب، والتحرشات بين الجنسين، والانحلال الخلقي والترويج للمخدرات. تمارس دورها الهدام في غفلة من المجتمع، دون مخافة من الله عز وجل. مع مرور الوقت ستتحول قنوات الإفساد إلى المصدر الأساسي لنشر الثقافات الهدامة بين الأطفال والمراهقين والمراهقات، ما يعني انحسارا قسريا للثقافة الإسلامية وانتشارا مطلقا لثقافة الانحلال، وهي المرحلة التي ستقود المجتمع بأسره إلى الهاوية. تحصين النشء من شرور هذه الفضائيات هو خط الدفاع الأول المتاح للمجتمع، على اعتبار أن الفضائيات أصبحت كتلوث الهواء الذي لا يمكن فصله. أما القائمون على تلك القنوات الشريرة فهم مساءلون أمام الله وأمام المجتمع، وكل خطيئة ترتكب في مجتمعاتنا الإسلامية جراء ما تبثه تلك القنوات إنما يقع عليهم وزرها، فليتقوا الله فيما يبثون من برامج ومشاهد تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف.
يمكن الجزم أن المخدرات، الفضائيات، والتدخين، إنما هي أدوات يوجهها أعداء الأمة بقصد تدمير المجتمعات الإسلامية وإعادة تشكيلها على أسس من الانحلال والتفكك من خلال الرغبات والشهوات القاتلة. وهو أمر يجب أن ينظر له من زاويته الحقيقية، زاوية الحرب التدميرية الموجهة، لا من زواياه الضيقة التي تتمحور حول العولمة والانفتاح ومشكلة الإدمان والتهريب وما شابهها من تعريفات لا يمكن لها أن تكشف عن حقيقة المخططات التدميرية المشبوهة، ومن ثم العمل على مواجهتها بالوسائل الفاعلة التي تضمن، بتوفيق من الله، إيقاف زحف هذا الثالوث المدمر وتحصين مجتمعاتنا من شرور المفسدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي