الأخلاق الحسنة

الأخلاق الحسنة

إنمـــا الأمـــم الأخــلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لا يخفى على كل ذي لب ما للأخلاق من أثر في حياة الأمم والشعوب، وهذا لبيت من الشعر الفصيح حاوي لحكمة بالغة، أصبحت مثلاً يتداوله الناس، وفي الحديث المتفق عليه: ((وإنّ من الشعر لحكمة)).
فكم ارتقت الأمم بسبب أخلاقها، وكم وُضِعت بسبب ضعفها أو ذهابها، ولهذا علت منزلة صاحب الخُلق الحسن، كما عند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن المرء ليبلغ بحسن الخُلق درجة الصائم القائم))، وفي رواية أخرى عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخُلق، وإن صاحب الخُلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة)).
ولعل البعض يظن أن لا دخل للأخلاق في التجارة، وكأنه نسي أن الأخلاق الحسنة كانت سبباً في انتشار الإسلام في الآفاق، كما هو الحال في بلاد جاوه وغيرها.
بل إن حسن الخلق في التجارة كان سبباً في دخول الجنة، ففي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتى الله بعبد من عباده آتاه الله ملاً فقال له ماذا عملت في الدنيا؟ قال: يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان خلقي الجواز ـ التسامح ـ فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله: تجاوزوا عن عبدي".
وكذلك ارتفعت درجته في لجنة حتى بلغ أعلاها، فعند أبي داود أيضاً بإسناد صحيح عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن... وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه"..
فما أحوجنا إلى هذا الخلق العزيز هذه الأيام، إذ تلمس من بعض التجار الحرص على إيقاع الآخرين في مأزق مالي، وأزمة تجارية خانقة ليستحوذ على ثروته، ويُنهي مسيرته التجارية وهذا ظاهر جداً في ما يجري الآن من أزماتٍ كارثيّة في أسواق الأسهم التجارية.
ولعل مما يزيد من وعي الإنسان ليتحلى بالخلق الحسن الإيمان بالقدر، فإنّ الله تعالى قسم أرزاق الخلق عليهم كما قسم أخلاقهم ففي المسند بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم، وإن الله عز وجل يُعطي الدنيا من أحب ومن لا يُحب ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه".
فحقيق بالمرء أن يأمن على رزقه كما يأمن على عمره وأجله أنه لن ينقص، ولن يفوت حتى يستوفيه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
فمن أخلاق التاجر المسلم الصدق والأمانة، وقد ورد في فضل ذلك عند الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" وقال: حديث حسن.
ونقيض هذا الخلق الغش والخيانة، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه مر في السوق على رجل يبيع طعاماً، فأدخل يده فوجد بللاً،فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟!" قال: أصابته السماء يا رسول الله. "فقال هلا جعلته في أعلاه حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا".
ولهذا ورد التحذير من أسباب الفجور في التجارة، فعند الترمذي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: "يا معشر التجار!" فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نُسمى السماسرة فقال: "يا معشر التجار، إنّ الشيطان والإثم يحضران البيع؛ فشوبوا بيعكم بالصدقة". وقال حديث حسن.
كذلك من الأخلاق الإسلامية التي ينبغي للتاجر أن يحرص عليها التسامح في البيع الشراء، وكفاه حادياً ليتمثل هذا الخلق أن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: "رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا أخذ، سمحاً إذا أعطى".
وكذلك من أخلاق المسلمين في التجارة الجواز بالتيسير على الموسرين، وأنظار المعسرين أو التجاوز عنهم، وقد تقدم معنا حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال يا رب آتيتين مالك فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله: تجاوزا عن عبدي".
فهذه أخلاقنا معاشر المسلمين التجار؛ فهلا عدنا إليها لتكون لنا الريادة والسيادة على العالم، ولنكون أساطين العالم حقاً، هذا ما نؤمله ونرجوه.
أسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا وآله..

الأكثر قراءة