الاقتصاد العالمي يدفع فاتورة تصاعد العنف في لبنان
جاء تصاعد العنف بين إسرائيل ولبنان أو مقاتلي حزب الله على وجه التحديد في توقيت حرج للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يمر بمرحلة حساسة في ظل تنامي مشاعر القلق تجاه آفاق هذا الاقتصاد فقبل اشتعال الموقف في لبنان على نحو يهدد الاستقرار الإقليمي في واحدة من أهم المناطق بالنسبة للاقتصاد العالمي، كان المعنيون بالاقتصاد العالمي يتابعون بقلق اتجاه الاقتصاد الأمريكي - وهو أكبر اقتصاد في العالم نحو التباطؤ واتجاه البنوك المركزية الرئيسية من الولايات المتحدة إلى اليابان ومنطقة اليورو نحو زيادة أسعار الفائدة وما يعنيه ذلك من انكماش متوقع في الإنفاق سواء الاستهلاكي أو الاستثماري نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
وبالطبع فالهجوم الإسرائيلي على لبنان والمستمر منذ نحو أسبوع يشكل خطرا داهما على أسواق النفط العالمية التي تعتمد على إمدادات النفط من الشرق الأوسط لتلبية ما يقرب من ثلثي احتياجاتها.
وتقول باربرا لامبريخت الخبيرة في شؤون اقتصاديات الطاقة في مصرف كوميرتس بنك الألماني إنها لا تستبعد وصول سعر برميل النفط قريبا إلى مستوى قياسي جديد قدره 80 دولارا في ظل المخاطر الجيوسياسية القائمة في العالم.
وما يثير قلق المحللين هو قدرة البنوك المركزية على تحقيق التوازن بين زيادة أسعار الفائدة من أجل كبح جماح التضخم والحفاظ على وتيرة النمو الاقتصادي، التي تتأثر سلبيا بأي زيادة في أسعار الفائدة. ومما يزيد من خطورة الأحداث الملتهبة في لبنان تزامنها مع سلسلة من الأزمات الدولية الخطيرة مثل التجارب الصاروخية التي نفذتها كوريا الشمالية وأثارت أزمة إقليمية شديدة في منطقة آسيا، وكذلك البرنامج النووي الإيراني الذي يقف أمام مجموعة من الاحتمالات المفتوحة التي تبدأ من فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران عبر مجلس الأمن وتنتهي عند قيام الولايات
المتحدة أو إسرائيل باستخدام القوة العسكرية من أجل تدمير البرنامج النووي. وكذلك استمرار مسلسل العنف الدامي في العراق. ورغم أن الاقتصاد العالمي نجح خلال السنوات الماضية في امتصاص تداعيات العديد من الأزمات مثل تفشي وباء الالتهاب الرئوي اللانمطي "سارس" وإنفلونزا الطيور وارتفاع أسعار النفط، فإن هناك حالة من القلق بسبب تعدد الأزمات الدولية وتواليها.
ودفع هذا الوضع السياسي المتفجر مع المستقبل الهش للاقتصاد العالمي الكثير من المحللين إلى تقليص توقعاتهم بشأن نمو الاقتصاد العالمي وبخاصة الاقتصاد الأمريكي واقتصاد الاتحاد الأوروبي واليابان صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ومع استمرار التوتر في الشرق الأوسط واحتمال حدوث قفزة مفاجئة وكبيرة في أسعار النفط العالمية فإن بعض المحللين بدأوا يشعرون بالقلق من إمكانية حدوث تراجع حاد للاقتصاد الأمريكي وليس تراجعا تدريجيا كما كانوا يتوقعون من قبل. واتضح التأثير السلبي لأحداث الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي من خلال أداء أسواق المال العالمية حيث تراجعت أغلب هذه الأسواق بما في ذلك سندات الخزانة الأمريكية التي يبلغ مداها
عشر سنوات. ويقول توبين جوري خبير اقتصاديات الطاقة في مصرف
أستراليان كومنولث بنك الأسترالي إن الصراع الدائر حول إسرائيل لم يؤثر في أسواق النفط بشكل مباشر ولكنه أثر في المزاج العام في هذه السوق المهمة.
في الوقت نفسه أدت أزمات الشرق الأوسط إلى استمرار الضغط على أسعار الذهب، التي بلغت أعلى مستوى لها خلال شهرين وقدره 675.5 دولار للأونصة. وعلى الرغم من أن الدولار يستفيد عادة من مثل هذه الأزمات حيث يتجه إليه المستثمرون باعتباره الملاذ الآمن فإن هناك مخاوف من أن
يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة التضخم في أمريكا مما يضعف الدولار أمام اليورو. ومن الواضح أن العالم كله ربما يجد نفسه مضطرا بصورة أو
بأخرى لدفع جزء من فاتورة الحرب الدامية الدائرة في لبنان حاليا.