أسواق النفط تتأرجح بين سندان التصعيد العسكري ومطرقة بيانات "المركزي الأمريكي"
تتنقل أنظار السوق والمتعاملين فيها بين ما يجري في منطقة الشرق الأوسط والحرب على جبهتين التي تخوضها إسرائيل في كل من الأراضي اللبنانية وتلك الفلسطينية المحتلة، كما تنتظر بتحفز شديد الإفادات التي سيدلي بها بين بيرنانكي رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي يومي غد الثلاثاء وبعد غد الأربعاء في شهادات له أمام بعض لجان الكونجرس حيث يتوقع له أن يخوض فيما يعتزم عمله رئيس البنك الأمريكي فيما يتعلق بخططه لمحاربة التضخم, خاصة أسعار النفط بتجاوزها حاجز 78 دولارا للبرميل دخلت في المحطة الخطرة.
الأسبوع الماضي ويوم الجمعة تحديدا تجاوز الخام الأمريكي الحلو من نوع ويست تكساس حاجز 78 دولارا للبرميل لفترة وجيزة، وليحقق بذلك زيادة 4 في المائة على الأسعار منذ بداية الأسبوع. وكأن السوق لم يكن ينقصها ما يجري على الجهة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وإذا بالأخبار تخرج من نيجيريا عن عمليات تخريبية طالت بعض خطوط الأنابيب ونجم عنها فقدان 120 ألف برميل يوميا تضاف إلى قرابة نصف مليون برميل متعطلة عن دخول الشبكة بسبب تعطل الإنتاج من آبار ومرافق سطحية منذ عدة أشهر.
وهكذا عاد العامل الجيوسياسي للتأثير وبقوة في وضع الأسعار، الأمر الذي دفع منظمة الأقطار المنتجة للنفط (أوبك) إلى الإعلان في بيان رسمي أنها فقدت السيطرة على وضع الأسعار وليس في يدها ما يمكنه عمله لأن الأسعار تتحرك بدوافع أمنية وسياسية، تترجم إلى خوف من انقطاع في الإمدادات من أي دولة منتجة. الوضع النيجيري زاد من الهواجس المرتبطة بالأوضاع السياسية والأمنية في دول منتجة أخرى مثل إيران التي اتفقت مجموعة الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن زائدا ألمانيا على رفع موضوع ملفها النووي إلى المجلس ليتحذ قرارا بشأنه رغم أن الصين وروسيا لا تزالان تعارضان فرض عقوبات على طهران.
لكن إيران وعن طريق رئيسها محمود أحمدي نجاد هدد بوقف تعاون بلاده مع المنظمة الدولية فيما إذا أحيل الملف إلى مجلس الأمن. كما لم يستبعد اللجوء إلى سلاح النفط.
وكانت مفارقة ما صاحب انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة السبت الماضي من عود للحديث عن العودة إلى سلاح النفط، رغم أن وضع المواجهة العسكرية السائدة حاليا وميزان القوى يجعلان من الصعوبة تطور الأوضاع إلى مرحلة اللجوء إلى سلاح النفط خاصة أن الدول العربية الرئيسية مثل مصر والسعودية ترى في عملية حزب الله مغامرة لم تكن طرفا فيها، وبالتالي فهي ليست معنية بتحمل تبعاتها.
ومع أن كلا من لبنان وسورية ليستا دولتين منتجتين للنفط، إلا أن الخوف من أن يتسع نطاق العمليات العسكرية ويسحب معه إيران, وهي ثاني أكبر منتج للنفط داخل "أوبك", إذ تنتج 3.8 مليون برميل رغم أن طاقتها الإنتاجية تتجاوز الأربعة ملايين، إلا أنها في واقع الأمر لا تستطيع إنتاج كل الكمية التي تريدها. ثم إن وضع الإنتاج العراقي لا يزال متأرجحا بين 1.8 مليون برميل و 2.4 مليون في اليوم.
وإذا كانت السوق الأمريكية تمثل ميدان الاستهلاك الرئيسي فإن هذه السوق تعرضت إلى تقليص في الإمدادات النفطية الخام من فنزويلا إليها بنسبة 6 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام, وذلك وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي أوضحت أن الإجراء الفنزويلي يرجع إلى قيام كراكاس بتوجيه كميات أكبر إلى السوق الهندية خاصة الهند والصين. وأهمية مثل هذه الخطوة أنها تتم في هذا الوقت، والتساؤل عن مدى استمرارها خاصة واحتمال حدوث تعرض منطقة خليج المكسيك إلى أعاصير مثلما حدث العام الماضي تقلل من حجم الإنتاج النفطي المحلي، الأمر الذي يسهم في دفع وضع الإمدادات إلى حالة حرجة.
على أن الأهم من هذا ما تترقبه السوق بشغف وهو إفادات بيرنانكي ومعرفة الطريق الذي ستسلكه معدلات الفوائد خلال المستقبل القريب وفي ضوء تزايد الخوف من انبعاث التضخم مرة أخرى بسبب الارتفاع في أسعار النفط المستمر منذ نحو ثلاث سنوات. واتجه بنك الاحتياط الفيدرالي في الآزنة الأخيرة وخلال فترة العامين الماضيين إلى رفع أسعار الفائدة تدريجيا لاستباق نمو الاتجاهات التضخمية في الوضع الاقتصادي.
أما من ناحية السوق نفسها، فمع أن الإمدادات تظل كافية حتى الآن لأي مستهلك يود الشراء, ومعدل المخزونات يظل أعلى من متوسط خمس سنوات, إلا أن التعويض عن أي انقطاع في الإنتاج في مكان ما أصبح هاجسا مقيما. وفاقم من هذا الوضع بروز حدة في توافر الحفارات، الأمر الذي ستكون له انعكاساته على برامج رفع الطاقة الإنتاجية في بعض البلدان. ووفقا للمعلومات المتاحة، فإنه لا يمكن التعاقد على أي حفارة إلا عام 2009.