سوق الأسهم ونظرية المؤامرة التي تطل علينا مع كل هبوط
في كل هبوط جديد لسوق الأسهم تعلو بعض الأصوات بطلبات ملحة للتدخل في السوق وإيقاف الهبوط لأنه لم يكن تحت عوامل طبيعية وإنما نتيجة تدبير ومؤامرة خفية. حدث ذلك مرات ومرات ويتكرر أمامنا بشكل دائم, ولعل ذلك شيء طبيعي على النطاق الإنساني, وذلك أن عجز المتداول عن اتخاذ قرار صعب في بعض حالات المضاربة في السوق, وهو البيع في الوقت المناسب, يجعله يصدم بالتحرك السلبي القوي للسوق لتتحول وبشكل مباشر رحلة البحث عن تحقيق أرباح خيالية بالنسبة إليه إلى رحلة من نوع آخر للبحث عن العدو المجهول الخفي والمتسبب في ذلك الهبوط الجديد، لتأتي بعض الأصوات التي تلقي الاتهامات يميناً ويساراً وتسهم في صناعة عدو هلامي غير معروف الملامح وتضع له مواصفات خارقة, لعل أبسطها قدرته على التحكم بسهولة في الحركة الكلية لسوق الأسهم, التي تعتبر الأكبر على مستوى الشرق الوسط، هكذا بكل بساطة وسهولة.
ورغم الاعتراف بوجود الكثير من السلبيات, ولكن هل يملك أحد فعلاً القدرة على تغيير اتجاه السوق وبشكل كامل وقاس خلال ساعات؟ من يستطيع تغيير المزاج للكثير من المتداولين من تفاؤل ورغبة في الشراء دون حدود إلى هروب جماعي وعروض بالملايين لا تجد من يلبيها؟ هل يستطيع مضارب أو مجموعة مضاربين أو حتى كل المضاربين الكبار في السوق أن يضعوا ملايين العروض على جميع الشركات والقطاعات في اللحظة نفسها؟ هل يملك هؤلاء المضاربون فعلا تلك المقدرة؟ ألم نسهم في تكبير دور هؤلاء المضاربين أكثر من الحدود المنطقية؟ هل فعلاً يستطيع هؤلاء المضاربون التأثير في الحركة العامة للسوق عن قصد وتعمد؟
الحقيقة الغائبة الأخرى على الأقل بالنسبة إلى المتداول البسيط دور هيئة سوق المال وواجباتها، هل من ضمن تلك الواجبات التدخل في آليات التداول اليومي في السوق عند كل هبوط؟ هل تملك الهيئة فعلا ذلك الحق وتملك الآلية والسيولة للتدخل أو سوف يكون إصدار قرارات سريعة لمنع الهبوط قرارا صحيا على مسار سوق يجب أن تخضع بشكل تام لقانون العرض والطلب مثل أي سوق أخرى في العالم، ينقص السوق التنظيم والشفافية والإفصاح ومعالجة العروض والطلبات الوهمية والتدوير وأشياء أخرى كثيرة وهي بالتأكيد من واجبات الهيئة ضمن واجبات أخرى ولكن هل تدخل الهيئة للتأثير في قانون العرض والطلب في السوق سيكون عاملا صحيا مفيدا للسوق والمتداولين على المدى المتوسط؟
يظل جميع ما يحدث طبيعيا يحدث في جميع أسواق المال في العالم، لدينا بعض السلبيات نعم، ولكن أن يتم تدويل نظرية المؤامرة في كل هبوط وتحديد عدو هلامي والدعوة لمحاربته وحشد المتداولين ضده، يكون عند ذلك هناك خلل ما، لا يمكن أن يتم التلاعب بالمشاعر والكلمات بهذه الطريقة دون القدرة على الإثبات، لا يمكن أن تستغل كل عملية هبوط جديدة من أجل توزيع الكلمات واستقطاب العواطف وتهدئة الخواطر بإيجاد عدو هلامي بدلا من التوجه مباشرة إلى أسباب المشكلة في محاولة لإيجاد حلول لها. لا يمكن أن نواجه عدوا ونحن لا نعرف من هو.
منذ نهاية تصحيح أيار (مايو) الشهير لم يعد هناك مضارب قادر بشكل فردي أو حتى بالتنسيق مع مضاربين آخرين على التحكم في الحركة العامة للسوق بشكل كامل من خلال التحكم في حركة بعض الشركات القيادية, لقد كانت تجربة الكهرباء هي الدرس الأخير في أيار (مايو)، لقد انتهى ذلك الزمن مع ارتفاع القيمة السوقية للشركات الكبرى التي كان آخرها محاولات التحكم في مسار شركة الكهرباء وهي تأتي في الترتيب الخامس الآن من ناحية القيمة السوقية ورغم ذلك تنتهي كل محاولة جديدة للسيطرة عليها إلى كارثة لمن يحاول ذلك، ليقتصر دور هؤلاء المضاربين على صغار الشركات التي شهدت قفزات خيالية في حين يصرخ البعض أن الشركات القيادية لا تعطي مثل تلك الشركات الصغيرة الخاسرة وذلك بمنتهى السهولة لأن تلك الشركات القيادية لا أحد يرغب أو بالأصح يقدر على المخاطرة في عمليات التحكم فيها لاستحالة التحكم فيها نظرا لارتفاع قيمتها السوقية، إذن لم يعد أحد هناك قادرا على التحكم في مسار كبرى أسواق الشرق الأوسط المالية, وحتى ما يسمى الفارس الخفي لم يستطع ذلك بعد أن ضخ نحو مليار ريال قبل دقيقة من إغلاق السوق لم يغير ذلك أي شيء في اتجاه السوق أو قواعد اللعبة لأن قوى العرض والطلب الحقيقية لا يستطيع أحد أن يقف أمامها أو أن يحاول توجيه مسارها. إن حدث ذلك لن تكون سوق أسهم تخضع لقوى العرض والطلب بل ستكون سوقا ذات اتجاه واحد فقط موجه.
يظل السؤال الأكبر: من الذي يتسبب في عمليات هبوط حادة مفاجئة في سوق الأسهم يتم فيه عكس الاتجاه بشكل سريع وقوي خلال أيام لتخسر السوق في أيام ما ربحته في أشهر؟ وهنا وبعيدا عن كل النظريات والمؤامرات يتم تناسي أن طبيعة تلك التداولات في سوق الأسهم قد تغيرت وبشكل كلي شامل منذ عام 2003 وحتى الآن، لقد أصبحت السوق وبشكل غير صحي تتحرك في معظمها ككتله كاملة متراصة في عمليات شراء مجنونة محمومة تصل بالأسعار إلى أرقام خيالية غير طبيعة أو صحية خلال أيام معدودة، أو ما السبب لكي ترتفع شركة ما نحو 50 في المائة من قيمتها السوقية خلال خمسة أيام فقط؟ ما الذي تغير خلال هذه الأيام الخمسة من أجل هذه القفزة الجبارة، ما الذي يقلب المزاج خلال ساعات من تداول محموم يصل بالسيولة إلى نحو 30 مليارا خلال يوم واحد إلى ستة مليارات خلال يوم آخر، من الذي يلغي جميع طلبات الشراء في جميع الشركات في اللحظة نفسها والتوقيت نفسه ويقوم بعرض جميع أسهمها على الشركات نفسها؟ من ذلك المضارب الذي يرفع سوق الأسهم 1000 نقطة في دقائق ويهبط بها بالنسبة الأدنى المسموح بها قبل الافتتاح؟ لا يمكن أن يكون من يملك جميع تلك القدرات الخارقة شخصا واحدا. إن التفسير المنطقي أن طبيعة التداولات قد تغيرت في السوق وعلينا أن نتغير أو نتكيف معها, لقد أصبحت عمليات الدخول والخروج الجماعي من السوق سمة جديدة تتصف بها سوقنا، جميع عمليات الهبوط الحادة دائماً تأتي من تراكم عروض هائلة وانسحاب الطلبات قبل الافتتاح, ومن جهة نظر شخصية بحت, لقد أصبحت مشكلة السوق أنها تتحرك ككتلة متكاملة صعوداً وهبوطاً, وسندفع وتدفع تلك الكتلة الثمن في كل عملية صعود أو هبوط جديدة حتى نجد حلا لذلك, وسيظل يستفيد بقوة من يستطيع التكيف في عمليات المضاربة مع حركة تلك الكتلة.