باحث.. بعض الأفلام المصرية لعبت دور "البغي"

باحث.. بعض الأفلام المصرية لعبت دور "البغي"

باحث.. بعض الأفلام المصرية لعبت دور "البغي"

يتهم باحث مصري السينما في بلاده بأنها في كثير من الفترات كانت امرأة سيئة السمعة لا تهتم برفع الوعي العام لدى الجماهير ولهذا يجد تفسيرا للتناول الذي يعتبره سطحيا لقضية البغاء باعتباره محصلة لعوامل نفسية واجتماعية واقتصادية أكثر تعقيدا مما قدمته كثير من الأفلام.
وقال خالد بهجت المدرس في المعهد العالي للسينما في القاهرة في كتابه (البغاء على شاشة السينما المصرية 1975 – 1985) إن الأفلام التي أنتجت خلال عشر سنوات ابتداء من منتصف السبعينيات لم تهتم بمشكلة البغاء الاهتمام الواجب رغم معدلات الظاهرة المرتفعة.
وأضاف أن بعض الأفلام لعبت دور البغي ضمن ثلاثية كان فيها الجمهور هو العميل وبعض جهات الإنتاج قامت بدورالقواد.
وأشار إلى أن دور البغي الذي قال إن بعض الأفلام لعبته كان وصمة انحدرت إليها السينما المصرية بدءا بتدخل الأجانب في الإنتاج وانتهاء بتدخل جهلاء شركات المقاولات وتحكم التوزيع وغيبة الدور والرسالة عن كثير من الأفلام التي أطلق عليها سينما المقاولات وهي من إنتاج من لا علاقة لهم بالسينما من المستفيدين بسياسة الانفتاح.
وصدر في مصر قانون عام 1949 بإغلاق بيوت الدعارة واعتبار البغاء جريمة. وقال بهجت إن الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801) ساعدت على انتشار البغاء وفرضت عليه ضرائب ألغيت عام 1837 ثم أعاد الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1882 الظاهرة بإصدار لائحة عام 1905 تنظم عمل بيوت الدعارة وتمنح من
تمتهن البغاء ترخيصا وتلزمها بكشف دوري.
وأشار إلى أنه في الثلاثينيات ورغم التصريح بالبغاء فإنه يصعب وجود فيلم مصري يتناول الظاهرة تناولا مباشرا، لكن السينما نفسها منذ تلك الفترة قامت بدور البغي الذي عادة ما يمثله رأس المال الذي يسعى إلى الربح بأي وسيلة وعن أي طريق في إشارة إلى غياب الدور الاجتماعي.
وقال المؤلف إن عقد السبعينيات شهد ما اعتبره تشكيلات وأبعادا جديدة لظاهرة البغاء "لم تكن متفشية في تاريخ الظاهرة في مصر إلا بعد ظهورها على استحياء بعد هزيمة 67 ثم استشرائها كنتيجة حتمية للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وللبنيات الجديدة التي تفاعلت مع واقع جديد".
وعرفت مصر منتصف السبعينيات سياسية سميت بالانفتاح الاقتصادي واجهت انتقادات كثيرة لخصها الكاتب المصري أحمد بهاء الدين (1927 - 1996 ) بأنها انفتاح "السداح مداح" أي بلا ضابط.
ويصدر الكتاب الذي يقع في 375 صفحة كبيرة القطع في سلسلة الرسائل عن أكاديمية الفنون بالقاهرة.
وكان الكتاب أطروحة علمية حصل بها الباحث عام 1992 على درجة الماجستير قبل أن يتجه إلى إخراج المسلسلات التلفزيونية ومنها: رياح الشرق، درب ابن برقوق، ملفات سرية، أمس لا يموت، الأقدار، عن رواية، وعبث الأقدار، للروائي الحائز على نوبل نجيب محفوظ كتبها قبل أكثر من 60 عاما مستلهما التاريخ الفرعوني.
وقال الدكتور مدكور ثابت رئيس أكاديمية الفنون في مقدمة الكتاب إنه أثر ألا يبقى شيء من البحوث والدراسات "الأكاديمية في العتمة بل لابد من الخروج إلى النور" وحتى لا تظل صفة الجمود مقترنة بكل ما هو أكاديمي. وأضاف أن نشر هذه الدراسات يمنح مساحة من التفاعل والتشابك مع ما تثيره من قضايا قبولا ورفضا من خلال جدال يؤكد التفاعل الحي بدلا مما اعتبره موتا سريريا لبعض الدراسات الأكاديمية، مشيرا إلى أن قانون التطور يفرض نفسه فإذا ما تحولت الأكاديمية إلى جبهة قتال ضد الجديد أصبحت معقلا للتجمد".
واعتبر السينما ثورة في وظيفة الفن ورسالته الاجتماعية خاصة في المجتمعات التي تزيد فيها نسبة الأمية كالمجتمع المصري، مشيرا إلى أن السينمائي في معالجته للبغاء وهو من أقدم المهن في التاريخ الإنساني ينتهج أحد مسارين إما التعمق في فهم القضية استنادا إلى رصيد علمي سابق أو استهداف النجاح التجاري بإثارة حواس المشاهد من خلال أفلام "رخيصة لا تهتم بالعلم ولا تلقي بالا للدور السينمائي في المجتمع ومن ثم تصبح هي الأخرى أفعالا بغائية."
وقال إن بعض الأفلام المصرية في مطلع السبعينيات حاولت ربط البغاء والجنس والفساد بالحالة العامة للبلاد "بعد هزيمة 1967" كما جاء في "حمام الملاطيلي" لصلاح أبو سيف و"ثرثرة فوق النيل" لحسين كمال "أكثر من قدم أفلاما بها شخصيات لبغايا أو شخصيات تتحول إلى بغايا". قدم في ست سنوات ستة أفلام منها "أبي فوق الشجرة"، "نحن لا نزرع الشوك"، "أنف وثلاث عيون"، "دمي ودموعي وابتسامتي"والجديد في الفيلم الأخير "هو نوعية القواد إذ أصبح من رجال الأعمال حيث المستوى الاقتصادي والاجتماعي الرفيع والذي يدفع زوجته إلى طريق البغاء، كما أن الدافع للبغاء نفسه لم يكن من أجل الحصول على المال لمواجهة قسوة الحياة وإنما هو لمزيد من الثراء ومزيد من السلطة".
وأضاف أن السينما المصرية شهدت موجة أفلام الانفتاح "بصخبها الأجوف الذي يستثمر معاناة الجماهير بأكثر ما يحلل أو يتناول الأسباب" خلال السنوات العشر موضع الدراسة حيث أنتج 542 فيلما بمعدل 54 فيلما في العام الواحد منها 29 فيلما ناقشت البغاء مثل "دائرة الانتقام"، "أمواج بلا شاطئ"، "عندما يسقط الجسد"، "السقا مات"، "شفيقة ومتولي"، "لا عزاء للسيدات"، "المشبوه"، "حب في الزنزانة"، "خمسة باب" و"شوارع من نار".
وقال إن معظم هذه الأفلام واكبت المناخ الاجتماعي الاقتصادي "السائد الذي حمل شعاره.. اكسب واجري.. فكان شباك التذاكر هو بغية صناع الفيلم في المقام الأول وإثارة غرائز المتفرج هو الهدف الأسمى بالعديد من المشاهد الجنسية العارية والرقصة والقبلات الحارة والنكات الجنسية". وأشار إلى حرص بعض الأفلام على تصوير البغي نموذجا للنبل بل أشرف من الأخريات مع امتهان نموذج رمز العلم المتمثل في أستاذ الجامعة كما في فيلمي "درب الهوى" و"المذنبون" الذي تعرض رقباء صرحوا بعرضه للعقاب بحجة ما أثاره آنذاك مصريون يعملون في الخليج قائلين إنه يشوه صورة مصر. واستبعد بهجت أن يكون عقاب هؤلاء الرقباء بسبب تصريحهم بعرض فيلم به بعض المشاهد الجنسية "فما أكثرها في العديد من الأفلام الأخرى بل كان الاعتراض بالتأكيد على ما يعري البناء الفوقي لمجتمع حقبة الانفتاح".

الأكثر قراءة