هل استوعبنا الدرس؟
الإنسان وحده هو الذي يتجاوز غرائزه ، بل يضرب بها عرض الحائط ، يأكل أكثر مما يحتاج، يحب ويكره بمعدلات أكثر من المعقول، يندفع وراء شهواته بشكل محموم، بعكس الحيوان الذي يتوقف عند حدود غرائزه لا يتجاوزها وفقما هيأه له خالقه، بحيث يقف عند حدود سلامته واحتياجاته.
ولأن العقل هو محور الإنسان وهو الذي يحكم تصرفات هذا الإنسان و سلامته، فهو يجوع ليسعى ليقتات لنفسه ومن يؤويه، ويتعرى فيستر نفسه، ويئن فيتداوى، ويحن فيشبع غريزته، وهو بعكس الحيوان الذي يسر الله له كل شيء لعدم امتلاكه العقل فهيأ له جلدا يتناسب مع الأجواء التي يعيشها وجحرا أو مغارة يأوي إليها دواب أو حشرات بجانبه يقتات منها وأنثى يتكاثر بواسطتها.
هذه التوطئة أعلاه تدفعنا دفعاً إلى داخل سوق الأسهم الذي تسابقنا إلى داخله وبأكثرية مطلقة لنتجاوز منطق العقل كل منّا قد "عضّ طرف ثوبه" ليحصد مغنماً، وحين تغير الحال فجأةً وبما أفضى إلى سقوط مدو لمؤشر الأسهم وما نتج عن ذلك من خسائر فادحة متتالية، اكتشفنا أن قد أوغلنا في سوء التعامل مع نعمة العقل, فمنا من مات من القهر ومنّا من سقط مريضاً، ومنّا من اعتلّ عقله ومنّا من سقط تحت طائلة الديون .. كل ذلك حدث وفق عملية أشبه ما تكون بالقمار "أعاذنا الله وإياكم منه"، فقد غشي علينا، ولم ندرك أننا إزاء هاوية، لم نعلم أين طرفها، ومدى عمقها، كنّا نعيش بنصف وعي، قد أحدث خللاً في الحياة العامة وفي الترتيبات الاجتماعية، عطل الوظائف الحكومية وأشغل المعلمين عن تلاميذهم وأضر بالأسواق، بل تراجع البيع والشراء في سوق العقار.. انصرف الناس إلى التعامل بهذه الأسهم كل يريد أن يضرب ضربته، لا هم له إلا بما سيعود عليه، وليته ينتفع بهذا العائد لأن ضعف النفس الذي جبل على الطمع يدفعه إلى إضافة الأرباح إلى رأس المال .. وهلم جراً ليستمر مشوار عدم المبالاة وعدم الأخذ بمشورة الناصحين، العارفين !!.
نعم كانت مسرحية متسارعة الأحداث الجميلة، لكن بكل أسف كانت نهايتها مأساوية، احتاج المجتمع خلالها إلى عطف ورعاية الحكومة التي هبت لكي تعيد الأمور إلى نصابها، ونحمد الله أنها قد فعلت ذلك.
وماذا بعد .. هل استوعبنا الدرس .. وهل ما زال "........." على نهجه ؟!.. والجواب ..لا نعتقد ذلك لأنه ينسى بسرعة .. حتى تأتيه الضربة القاصمة التي تبعثر عقله وماله!!