زحف مدن الصفيح والأكواخ على المدن
انس ناطحات السحاب- فمدن المستقبل ستكون مدن من الأكواخ يتم بناؤها من نفايات البلاستيك والصفيح, فالعالم سيبلغ نقطة التحول تلك في أي لحظة، وفي واقع الأمر ربما تكون قد مرت هذه اللحظة, فلأول مرة، سيزيد سكان المدن على سكان الريف.
هؤلاء السكان الجدد الذين تحولوا إلى السكن في المدن لن يسكنوا في أدوار علوية وسط المدينة أو Victorian terraces , أو حتى أبراج سكنية ولكن في أكواخ من نفايات البلاستيك والصفيح المضلع التي يعاد تصنيعها.
وسيكونون في أطراف المدن الأكثر تلوثاً وازدحاماً، و يتم بناؤها على أراض فقدت قيمتها لأنها معرضة للفيضانات أو الانهيارات الأرضية ، أو لقربها من مصانع لمواد سامة.
مايك ديفس المشهور بالتحذير من المخاطر المستقبلية الذي كان آخر كتاب ألفه هو الوحش على عتبة بابنا The Monster at Our Door بمثابة تنبؤ بمرض إنفلونزا الطيور، عاد إلى الموضوع المفضل لديه، وهو عدم المساواة الكامن في المدينة المعاصرة.
اشتهر اسمه من خلال كتاباته الرائعة عن لوس انجلوس في كتابه مدينة الكوارتز City of Quartz وكتابه بعنوان عالم الحضر السحري Magical Urbanism ، ثم نشر شبكة آرائه ومواقفه حول المدينة على نطاق أوسع, عندما ألف كتابا بعنوان المدن الميتة Dead Cities .
الآن يتخذ نظرة شاملة وكئيبة لمدن الصفيح، وهو القطاع الذي يشهد أسرع معدل للنمو في قطاع الإسكان في العالم.
الحقائق المدهشة تضرب كمثل فقد زاد في الصين عدد سكان المدن إلى سكان العالم خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي, بأكثر مما فعلت كل أوروبا طوال القرن التاسع عشر؛ ويوجد في العالم 200 ألف حي سكني مبني من مدن الصفيح؛ وحي ليني سابا المبني من الأكواخ في نيروبي به عشرة مراحيض لعدد 40 ألفا من السكان؛ أما 99.4 في المائة من سكان المدن في إثيوبيا فيسكنون في أكواخ؛ و تعتبر مومباي العاصمة العالمية للأكواخ, حيث يوجد بها 12 مليونا من المواطنين يسكنون في أكواخ.
الإحصائيات التي تنهمر بلا كلل ولا ملل تقحم القارئ في عالم كريه من اليأس الذي لا يمكن تصوره, كما لو أنها تحاول أن تثير مأساة الأكواخ من خلال الكلل والملل الذي يشل الحواس, بدلاً من اللغة لوحدها.
هذا كتاب نقد جزئي, أما كتاب عالم الأكواخ Planets of Slums فهو كتاب لا يوفر متعة للقارئ, ولكن ديفس بذل كل ما في وسعه ليلفت انتباهنا بطريقة مباشرة إلى حجم المشكلة التي يتم تجاهلها بسهولة.
وهو لا يقترح حلولاً مثالية ولكنه يشير بأصبع الاتهام إلى السياسات المدمرة التي ينتهجها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذان ساهما في انهيار اقتصاديات سارعت إلى تطبيق إجراءات التقشف, بينما يحصل قادة تلك البلدان على قروض تذهب مباشرةً إلى البنوك السويسرية.
ويجادل بالقول إن انهيار التوظيف في القطاع الحكومي أدى إلى ما يمكن أن يطلق عليه سوق عمالة مرن جداً [استغلالي] لدول العالم الثالث, لاستنزاف العقول ولتدهور الطبقة الوسطى وحالة انعدام الأمل والاستغلال بشكل متزايد.
ويوجه انتقاداً مريراً للحلول المحافظة الجديدة للخبير الاقتصادي البيرو هيرناندو دي سوتو ذي النفوذ القوي، الذي يدفع أصحاب الأعمال الصغيرة من خلال منح حقوق ملكية للعقارات كوسيلة لصرف أموال جديدة.
ويقول إن دي سوتو جزء من المشكلة التي تفاقمت من خلال منظمات غير حكومية, لها مقاصد حسنة تسمح لحكومات فاسدة بأن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه توفير الاحتياجات الاجتماعية.
وربما تكون هنالك أشياء قليلة أكثر إحباطاً للمهندس المعماري من مثل هذا الكتاب.
وفي الوقت الذي لدينا فيه معارض للفنون ذات تكلفة باهظة، إلا أن النمو الحقيقي للمباني هو في بناء الأكواخ.
لقد كتب ديفس كتابا تتفطر له القلوب حزناً يدفع القارئ إلى تمني أن تنشق الأرض وتبتلعه that hammers the reader a little further into the ground مع كل ضربة لإحصائيات جديدة تبعث على الصدمة.
إن عواصمنا الكبيرة ستتحول في عهد قريب إلى فينيسيا مصغرة، بحيث تصبح هنالك جيوب صغيرة من معالم المدنية مهددة بزحف عالم لا يمكن تصوره من البؤس والفقر.
هذا هو مستقبل المدن وهو أمر مؤلم يتعين علينا الاعتراف به.