المونديال .. بعيون ثقافية !!

المونديال .. بعيون ثقافية !!

<p><a href="mailto:[email protected]">haitham@aleqt.com</a></p>

وحدها الظواهر الاستثنائية لاتجد صعوبة في توحيد اتجاه بوصلة الاهتمام العالمي نحوها على غرار ما يحدث حاليا في ألمانيا، حيث أخذت السياسة والاقتصاد والمجتمع أماكنها جنباً إلى جنب وتبوأت مقاعد المتابعة أمام شاشة الحدث الأبرز، وأصبح التأجيل لكل شيء مبرراً في نظر من لا يتخيلون شيئاً أكثر أهمية من المونديال.
يمكن للثقافة أن تغار من كرة القدم ما أمكنها ذلك في حال قررت استيعاب ما تستطيع اللعبة الجماهيرية تحقيقه على مستوى التلقي الاجتماعي، ويمكن للثقافة أن تفكر بدراسة ظاهرة المونديال إذا ما وجدت لنفسها معزلاً قصياً عن العالم أو برجاً عاجياً ربما لا يضمن المثقف نفسه أن يبقى فيه دون أن تراوده نوازع استراق النظر إلى مباراة أو السؤال عن نتيجةٍ ما !!
ما إن يحاول الإنسان العادي – بلاواقعية - مداراة خواطره المأخوذة عفوياً بالظاهرة الرياضية الإنسانية الكبرى، حتى تعود الأسئلة التي تبدع في إيداع الكرة في مرماه الذي لن يجد صعوبة كبيرة في استيعاب أهدافها وفهم جملها التكتيكية مهما بدت معقدة، وإذا ما سمح لنفسه بتجاوز الحقيقة الأهم وهي كون الحالة المونديالية أصلاً ليست سوى منافسة رياضية ذات بعد عالمي لا يترتب على تجاهلها حق قانوني أو اجتماعي أو أدبي حتى، فهو سيصدم فعلا بحجم الشغف الإنساني الهائل حيالها على نحوٍ تلقائي يوجب حضوراً نوعياً لم يكن واجباً أصلا !!
سيرى السياسي كيف استطاعت هذه اللعبة أن تقود انقلابا سلميا على نمطية الاهتمامات الاجتماعية واحتدام قضايا الساعة، وكيف استطاعت دولة الرياضة أن تحكم عالماً بأكمله وتجمع مختلف الأطياف وفق تعددية الميول ووحدة المشاعر الإنسانية حيث الولاء دائما للأداء المشرف.
سيرى الاقتصادي كيف ترتفع أسهم الطموح ومعها يبلغ مؤشر الحماس أعلى مستوياته، وعندها يستفيد من يستغل انجذاب العالم اللا محدود، ويحقق منافع (لا حصر لها) !!
سيرى المجتمع بأكمله كيف ترسم ثقافة الانتماء ملامحها على الوجوه المزهوة بألوان بلادها عندما يكون الهتاف والتلويح واجباً وطنياً مفروضاً بقرار رسمي من مشاعر الجمهور.
وأعود إلى صديقنا المثقف وهو يقلب أوراق المشهد الرياضي الصاخب بأهداف المونديال باحثاً عن أي فراغ يسجل فيه أهدافه الأسمى على أمل أن يجد نظرة حانية يمكنها تبني قضيته العادلة، وإن لم يجد فربما يكتفي بتسجيل موقف ما، في ظل اقتناعه بأن أسر ذائقة المجتمع الإنساني على هذا النحو أمنية غير واردة ثقافياً، طالما أن مباراته مع الرياضة – ولو على سبيل المجاز- ستنتهي حتماً بهزيمة تاريخية !!

واقعيا لا يمكننا أن نضع أي اعتبار لمواجهة رغبة المجتمع في استغلال سانحة كهذه على سبيل الترفيه في ظل احتقان المشهد بأخبار الحروب والكوارث، ولا يمكن كذلك إغفال الثقافة الرياضية التي أخذت مكانها البارز في صميم المتابعة الاجتماعية بفضل وصولها الإعلامي السريع إلى قلوب الناس وأذواقهم، لكن للثقافة كذلك حق مشروع في أن تتحقق بمعناها الأوسع فتكون أكثر جماهيرية واستحقاقاً للتشجيع والدعم، الفكر وحده يتعين عليه إعداد الثقافة لخوض مواجهتها الحضارية تلك، هناك دائماً خطط تتعلق بفرض أحلامها على الواقع الذي يلعب على أرضه دائماً، المنجز التاريخي قد لا يكون كافياً ما لم يعتمد على استلهام مفاهيم أكثر عنفواناً، وابتكار سياق جديد متجدد على مستوى النص والذهنية والتلقي.
الأداء الممتع - على نحو ما فعلت الأرجنتين مؤخرا - لم يعد مجدياً وحده في ظل حكم محايد على مستوى الذائقة، ومتابعة نقدية دقيقة لا تعترف كثيراً بمشروعية ٍ جماليةٍ بقدر ما تعمل على تدشين مشاريع ثقافية مغايرة في تعبيرها وتأثيرها، وفي الوقت ذاته لم يعد بوسع المثقفين المراهنة على مهاراتهم الفردية التي لا يعتد بها في حال غياب النسق المنهجي المتكامل.
الخبرة دائماً توفر نظرة أكثر بعداً في الميدان الثقافي، والطاقات الواعدة يمكنها أن تفرض إمكاناتها على تشكيلة التصور الذي يفترض فيه دائما أن يأتي بالجديد ضمن مهمة التطوير الموضوعي المؤثر في المعطيات الفكرية والثقافية والمعرفية عموما.

أخيرا..

لن يبادر الواقع بتحقيق أمنية لأحد ما لم يبادر هو بتخيلها أولا، وحتى تتخيل الثقافة مونديالها المرتقب، ستبقى الكرة في مرماها !!

الأكثر قراءة