حفل طلاق!

حفل طلاق!

حفل طلاق!

(1)
اتصل بي قبل أمس الصديق الدكتور عبد العزيز الجار الله رئيس التحرير الجديد لمجلة المعرفة، ليسألني هل وصلت إلى الرياض، فقلت له: نعم، قال: الحمد لله على السلامة، خفت أن يتغير موعد وصولك لأننا حددنا يوم السبت موعداً لتكريمك .. مساء السبت سيكون عرسك. أجبته فوراً: سيكون طلاقي وليس عرسي! فضحكنا سوياً.
وها أنا الآن أرى هذه النخبة من الضيوف بكامل زينتهم وابتساماتهم أتوا ليحضروا ويباركوا حفلة "طلاق"!
إنه منعطف تاريخي في مسيرتي العملية: ليلة طلاقي من مجلة المعرفة.
(2)
في 1/1/1417هـ أصبحت مسؤولاً عن تحرير مجلة المعرفة,
وفي 7/5/1427هـ غادرت مجلة المعرفة بعد عشر سنوات من العشرة لا تنسى، أغادرها إلى مكان آخر .. وتغادرني إلى رجل آخر!
ربما تساءل بعضكم لماذا ألحّ على العلاقة الثنائية الوجدانية بين رئيس التحرير والمطبوعة، سأقول: لأن علاقة رئيس التحرير بمطبوعته ليس مثل علاقة رئيس إدارة بإدارته، إنها علاقة تتجاوز المفاهيم الوظيفية البيروقراطية المعهودة إلى مفاهيم وعلائق وجدانية وشخصانية، هذا هو حال رؤساء التحرير مع مطبوعاتهم إلا في حالة واحدة: إذا كان رئيس التحرير مجرد موظف ترقّى وترقىّ حتى حصل على وظيفة اسمها: رئيس تحرير!
إذا تجاوزنا هذا النموذج الأخير المغاير للسائد والمألوف من رؤساء التحرير أدركنا معنى إيراد كلمة زواج وطلاق في العلاقة بين رئيس التحرير والمطبوعة، تخيلوا: صحيفة الرياض بدون تركي السديري، وصحيفة الجزيرة بدون خالد المالك، وصحيفة عكاظ بدون هاشم عبده هاشم والمجلة العربية بدون حمد القاضي، لن أقول: ومجلة المعرفة بدون زياد الدريس، بل: زياد الدريس بدون مجلة المعرفة؟!
لن أفتعل الحزن.. لكني أيضاً لن أفتعل اللامبالاة، فقد كدت أبكي عندما صدرت ورقة طلاقي من مجلة المعرفة، ليس تشبثاً بها فأنا الذي كنت ألح على الوزير طوال الأربعة أشهر الماضية أن يعفيني من الاستمرار فيها بعد أن شغلت بعيدا عنها .. واسألوا الوزير!
لكني لم أكن أعلم أني أعشقها، وأني أنجبت منها 120 مولوداً، منهم الجميل ومنهم دون ذلك!
كنت أتساءل لماذا كانت زوجتي تغار من مكوثي في "المعرفة" وقتاً طويلاً، واهتمامي بها كثيراً، وحديثي عنها مساء، واتصالي بها في السفر وفي الإجازات وفي الأعياد؟ .. الآن تفهمت مشاعرها بعد أن تفحصت مشاعري؟
أغادر المعرفة وأنا أتذكر بكل الوفاء أساتذتي وزملائي الذين عملت معهم وعملوا معي طوال السنوات العشر، أشكرهم على إحسانهم..واستسمحهم عن سيئاتي.
أدين بفضل خاص – بعد فضل الله تعالى – إلى الدكتور محمد بن أحمد الرشيد الذي جاء بالمعرفة إلى الناس وجاء بي إلى المعرفة، الرشيد الذي لولا أريحيته وقبوله لما استطعت وزملائي أن نجعل من المعرفة نموذجاً فريداً لمجلة تصدر من جهة حكومية ثم لا تكون بوقاً لها، ومرتعاً لأخبار وزيرها!
والشكر والعرفان إلى الدكتور عبد الله العبيد الذي أيد نهج المعرفة خلال عملي معه طوال عام كامل مضى؛ ثم أكرمني بأن أخرجني من المعرفة في الوقت المناسب إلى البديل المناسب – بعد عشر سنوات كافية – قبل أن أموت فيها .. أو تموت بين يدي!
في مثل هذه الليلة "المعرفية" لا يمكن أن ننسى فضل وسبق المؤسس الأول لمجلة المعرفة وباني قواعدها الراسخة قبل 48 عاماً خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، فله منا ومن كل قارئ للمجلة جزيل الامتنان والدعاء.
تمنياتي للزميل د. عبد العزيز الجار الله – العريس الحقيقي الليلة! – كل التوفيق والنجاح، وآمل أن تتحقق على يديه المنى التي كنت بها في مشروع المعرفة الشامل: (المجلة – الصحيفة – القناة الفضائية – الإذاعة – المجلة الإلكترونية).
أقول هذا لأخي أبي معتز وأنا واثق أنه سيكون أرفق وأحرص وأنفع للمعرفة مني.
(3)
عوداً إلى الحديث الثنائي الوجداني! ..
في الأسبوع الماضي – في باريس – وصلتني رسالة جوال من أحد الزملاء يخبرني فيها أنهم الآن في حفل المعرفة (السنوي) لحملة الاشتراكات، ثم يسألني: ما هو شعورك وأنت تغيب اليوم بعد عشر سنوات من الحضور السنوي المتواصل؟ رددت عليه برسالة جوال فورية لم أتردد في وضوحها في نفسي، قلت له: شعوري مثل شعور زوج طلق زوجته، ليس لأنه لا يحبها أو لأنها لا تحبه، بل لأنه بعد عشر سنوات من العشرة جاء (فاعل خير) ليخبرهما أنهما أخوان من الرضاع!!
عزائي أن العريس الجديد سيكون نعم البديل، وسيكون رؤوفاً ورؤوما بأبناء وبنات "المعرفة" من زوجها السابق!

- كلمة زياد الدريس في حفل تكريمه

الأكثر قراءة