العملة وارتفاع دخل الفرد أوراق اقتصادية تحسم انتخابات المكسيك
تحاول المكسيك أن تغير صورتها النمطية وأن تظهر نفسها في صورة أخرى أحدث وأجمل. وفي هذا الإطار يتواصل العمل ليل نهار في مطار بينيتو شواريتز الدولي في العاصمة مكسيكو سيتي وهو أكبر مطار في أمريكا اللاتينية حيث تتكلف عملية تحديث منشآت المطار مع تأسيس مبنى آخر جديد تابع له نحو خمسة مليارات بيزو أي ما يعادل 340 مليون يورو وبعد هذه التوسعة يفترض أن تزيد الطاقة الاستيعابية للمطار من 20 إلى 30 مليون راكب سنويا .
ولم تقتصر عمليات التطوير والتجديد على العمليات الإنشائية فحسب بل طالت أيضا مظاهر أخرى أهمها محاربة الفساد و الرشا في المطار حيث تم تخصيص رقم هاتف وفتح باب تقديم شكاوى في هذا الشأن .
وتقول أنيتا إسبينوزا مستشارة شركات وهي شابة مكسيكية الأصل عادت لتوها من العاصمة الإسبانية مدريد: "هذا سيحقق أكثر مما يتوقع المرء، حيث يشعر الناس بأنهم غير مهملين وأنهم محل اهتمام أما الأفراد الذين يقومون بمثل هذه الأعمال فسيتملكهم الشعور أخيراً بأنهم باتوا معروفين بالاسم"، ولكن ما علاقة هذا بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشهدها المكسيك؟ تقول أسبينوزا : "إنها فرصة جيدة للتمكن من تحقيق الموازنة ما بين الإيجابي والسلبي".
قبل ستة أعوام وعد الرئيس المكسيكي بيسينتيه فوكس و حزبه العمل الوطني الشعبي تحقيق تحوّل جذري في الدولة بعد ما يزيد على 70 عاماً من السيطرة الديمقراطية الزائفة لحزب الثورة التأسيسية وضع فوكس المدير السابق لشركة كوكاكولا نصب عينيه تحقيق نحو 7 في المائة من حجم النمو الاقتصادي في السنة وتوفير ملايين من فرص العمل الجديدة، والتوصل إلى ميثاق جديد للأيدي العاملة الأجنبية مع الولايات المتحدة الأمريكية. بعدها وقعت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، وما ترتب عليها من آثار في الاقتصاد الأمريكي الذي يلقي بكامل ظلاله على المكسيك حيث يتجاوز حجم التبادل التجاري الأمريكي مع المكسيك نسبة 80 في المائة حيث ألغيت مئات الآلاف من فرص العمل كما أصيب مشروع الاتفاق حول الهجرة بالشلل حتى يومنا هذا.
ولا يمكن للرئيس فوكس أن يلقي باللوم على العوامل الخارجية خاصة عندما يتعلق الأمر بالوعود التي قطعها بنفسه علي نفسه لكن عمليات تحديث وتطوير المطار تشير إلى نجاح فوكس في تعزيز البنية التحتية وفي مكافحة الفساد. وفي الوقت ذاته، فإن هذا المشروع يعطي انطباعاً على فشله أيضاً، حيث أراد فوكس أن يغلق المطارات القديمة والمُثقلة و العمل على إنشاء مطار جديد خارج المدينة لكنه تخلى عن الفكرة تماما بعد موجة احتجاجات حادة. وليست هذه المرة الأولى التي يستسلم فيها فوكس لضغط الشارع خاصة فيما يتعلق برفع الحصانة عن مرشح الرئاسة اليساري أنريه مانويل لوبيز أوبرادور من حزب الثورة الديمقراطية
ويمكن القول إن كافة المشاريع الاقتصادية الكبرى للرئيس فوكس فشلت بسبب معارضة البرلمان حيث يفتقد فوكس الأغلبية، إضافة إلى هذا تواجه خطط إعادة الهيكلة المالية عقبات كبيرة. وتفتقد المكسيك الأموال اللازمة لإتمام مشاريع البنية التحتية والتعليم والتحسين الاجتماعي الضرورية بسبب انخفاض الحصص الضريبية فهي ثاني أدنى حصص ضريبية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأدنى حصص حكومية علي الإطلاق بين كافة الدول النامية. وفشلت حكومة فوكس في محاولة رفع حجم قيمة الضريبة المضافة بسبب معارضة البرلمان كما أخفقت أيضا في محاولة تشريع التزامات جديدة في مجال الفترة التقاعدية الحكومية وأجورها، التي تكلّف الدولة سنوياً نحو نقطة في المائة من النمو الاقتصادي.
وتعتمد الدولة في أكثر من 30 في المائة من دخلها على بيع المواد الخام وتعتبر المكسيك خامس أكبر دولة نفطية في العالم .ويقول فرانسيسكو جيل وزير المالية: "نحن سعداء في مثل هذه الأوقات التي تشهد ارتفاعاً في أسعار النفط، ولكن يجب توخي الحذر من الخطر القاتل، في حاله انخفضت الأسعار، أو تراجع الإنتاج" . ولكن حتى هذا القطاع يعاني هو الآخر فلم تنجح خطة إعادة هيكلة قطاع الطاقة في البلاد كما كان مخططا لها بحيث تعمل على مساهمة رأس المال الخاص في صناعة المواد الخام الحكومية. وبما أن شركة التزويد بيميكس - Pemex ، تفتقد الرأسمال للاستثمارات، يمكن استغلال مصادر النفط القديمة على نحوٍ غير كافٍ فقط، وبالكاد يمكن تأسيس مصادر جديدة. ويحذر فوكس قائلاً: "نحن نبحث عن مواقع مخزون نفطي جديدة، ولكننا لا نملك الوسيلة النقدية العامة، لنتمكن من استخدام الطاقة، ولو اعتمدنا على الحكومة وحدها في هذا، فلن يستخرج النفط بالسرعة المطلوبة ". وبالكاد تقدّمت حكومة فوكس كذلك في هدم البيروقراطية، وفي إعادة هيكلة قانون العمل، حيث ما يزال، بناءً على تقرير البنك الدولي، يلزم نحو 58 يوماً بهدف فتح شركة، بينما تبلغ المدة في تشيلي نحو 27 يوماً فقط، وتبلغ تكلفة تسريح أحد العاملين في المكسيك بالمعدل نحو 75 أجراً أسبوعياً، بينما في التشيلي نحو 51 أجراً أسبوعياً.
والتجديدات المتباطئة تكلّف الدولة، من وجهة نظر منظمة التقييم "ستاندارد آند بوور" – Standard & Poor نحو 2 نقطة في المائة سنوياً من حجم نمو الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يُعد كثيراً بالنسبة للدولة، التي بالكاد نما إنتاجها الاقتصادي خلال الأعوام القليلة الماضية ما يزيد على 3 في المائة، وعلى نحو متضائل أكثر بالمقارنة بغيرها من الدول الصاعدة . وإضافة إلى هذا، ترى المكسيك في الصين خصماً قوياً لها في الأسواق العالمية، حيث بالفعل تمكن الآسيويون من تجاوز المراتب للوصول إلى مرتبة ثاني أهم دولة تزويد بالنسبة لأمريكا. ويعتبر البنك المركزي المكسيكي أن المنافسة مع الصين مسؤولة عن ذلك، حيث إن المكسيك خسرت في الفترة ما بين عامي 2001 و2005 نحو 15 في المائة من تصديرها غير المرتكز على النفط.
وعلى الأقل يمكن لدولة يقطن فيها نحو 106 ملايين نسمة، أكبر دولة متحدثة باللغة الإسبانية في العالم، أن تعتمد على مصادر الدخل القومي منذ أعوام: وهي تحويلات الأموال من المكسيكيين العاملين في الخارج. نحو ستة ملايين منهم يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، وأقليتهم يملكون تصريحاً للإقامة هناك. وحوّل هؤلاء الأمريكان اللاتينيون في عام 2005 نحو 20 مليون دولار إلى عائلاتهم. ووحده بيع النفط حقق حصصاً مرتفعة للدولة، ولكن بقيت السياحة متخلّفة على ما هي عليه.
وفي مواجهة فوكس يعتمد لوبيز أوبرادور حاكم بلدية عاصمة المكسيك السابقة علي كسب أصوات الطبقات المتدنية عن طريق مشاريع البناء العامة، وإطلاق الأجور المدنية، وكذلك طبقة المفكرين اليساريين، التي ترى اندماج المكسيك في الاقتصاد العالمي، والدنو من أمريكا على أنه حركة تراجع، إن لم تكن بالأحرى الاستبدادية الامبريالية الجديدة. ويريد لوبيز أوبرادور، إذ أصبح رئيساً، أن يعمل على تخفيض أسعار الغاز، البنزين، والطاقة، دون أن يقترب من المحتكرين الحكوميين، ويريد أن ينقذ نظام الأجور التقاعدية، وكذلك نظام الصحة، ونظام التعليم، للعامة.
وخصمه هو فيليب جالديرون، من حزب العمل الوطني الشعبي، الذي سجل مرتبة خلف لوبيز أوبرادور، في الاستفتاء الأخير، ولكن قبل المتقدّم من حزب الثورة التأسيسية، روبيرتو مادرازو، بكثير. ويريد جالديرون أن يتمسك بأنظمة الخزانة الصارمة، وبإلغاء المديونية، ودعم البنك المركزي في محاربة الغلاء. ولا يصل حجم المديونية إلى 22 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وبحجم من التضخم بنحو 3 في المائة، متدنياً إلى حد لم يصله منذ 37 عاماً. وتتفوق حصص الاحتياط بنحو 70 مليار دولار لأول مرة على حجم المديونية الأجنبية الصافية. والبيزو ثابت، ووصلت البورصة إلى معدلات قياسية، ويُعتبر حجم الدخل الإجمالي للفرد الواحد بنحو 7500 دولار سنوياً الأعلى في أمريكا اللاتينية.
ويعلم كالديرون أن الكثير من المعدلات المفرحة من الممكن أن تواجه الخطر، إذا لم تعمل المكسيك على تحقيق خطط إعادة الهيكلة المُعلن عنها فعلياً. وعلى خلاف فوكس، فهو يعتمد على العمل التعاوني مع البرلمان، حيث من الممكن أيضاً ألا يحظى على الأغلبية من جديد. ويرى الكثير من المنتخبين هذا الإعلان على أنه مشكوك فيه. وبغض النظر الآن إذا تم ترشيح كالديرون أو لوبيز: فالخطر يكمن في أن يجهدا نفسيهما في تعزيز قوتهما السلطوية، دون التوجّه نحو البحث المضني عن الأغلبية السياسية، وحسب ما ورد عن أنيتا إسبينوزا الشابة قائلةً: "حينها تخسر المكسيك ستة أعوام أخرى من مشاريع إعادة الهيكلة الحقيقية".