من اللاعب المثالي وما مواصفاته ؟ الرشاقة أم البدانة

من اللاعب المثالي وما مواصفاته ؟ الرشاقة أم البدانة

في بطولة كأس العالم تشاهد لاعبين من كافة أرجاء الدنيا و لكل منهم صفاته الجسمانية التي تختلف عن الآخر، أشكال وألوان مختلفة من أجناس البشر، ترى بينهم كبير الحجم و صغيره، ترى بينهم مفتول العضلات والهزيل، النحيل والضخم بل إن هناك من يمكن أن يطلق عليه "بدين" إذا ما صح وصف "كارلوس إدواردو باراتا" لابن عمه لاعب البرازيل النجم "رونالدو".
في غمرة هذا المهرجان يطرح هذا السؤال نفسه: كيف يجب أن يكون شكل لاعب كرة القدم المثالي ؟ هل هناك ما يمكن وصفه بالتكوين الجسماني المثالي الذي يسهل على صاحبه ممارسة تلك اللعبة التي أصبحت مهنة على أفضل وجه؟ وهل هنالك فعلا وصفة يمكن لعلماء الجينات إعدادها من خلال تعديل الجينات الوراثية لهذا الغرض؟
إن كلا منا يستطيع أن يرسم في مخيلته شكلا معينا للاعب كرة القدم المثالي. فهو اللاعب الذي تمزق ركلاته شباك حارس المرمى، والذي قدرته على الجري والقفز بما يمكن أن يفوق أبطال العالم في ألعاب القوى، وهو الذي ينجح في جميع مناوراته الفردية ومراوغاته ومحاولاته في الاستحواذ على الكرة من خصمه ، وفي نفس الوقت يتميز بدقة التمرير وروعة المراوغة وقوة التصويب. مختصر القول إن لاعب كرة القدم المثالي هو اللاعب الذي يستطيع أن يسجل في كل مباراة عشرة أهداف ويبعد عن شباكه عشرة أخرى مثلها.
هذه التخيلات تشغل وبصورة خاصة بال الأطفال - وإن صحّ القول المشجعين أيضا، الذين أصبحوا يفكرون بدورهم في هذه الأيام كالأطفال تماما. وكثيرا ما يعبر هؤلاء أبطال الخيال الواسع بلا حدود عما يجول بداخلهم بتعبيرات خاصة تحمل سمات وجوههم. لهم أن يتخيلوا أنفسهم في أي جسد كان وفي أي صورة مركبة لتجسيد اللاعب المثالي، ولكـن في الحقيقة فإنه لا يوجد حتى الآن من يمكن أن نسميه النموذج الجاهز للاعب كرة القدم المثالي والساحر. فقد يكون هذا الساحر قصيرا مثل (توماس هيسلر) أو (روبرتو كارلوس) فتثير ركلاته الصاروخية خوف حراس المرمى أو قد يكون طويلاً مثل (كاكا) أو ( لوسيو) ، وقد يكون ممتلئ القوام مثل (جيرد موللر) القناص وهناك اللاعب صاحب الجسد الضخم الطويل مثل ناطحات السحاب مثل اللاعب (جان كوللر) وهناك لاعبون يتميزون بسرعة تضاهي سرعة بن جونسون بطل العالم للمسافات القصيرة مثل ( دافيد أودونكور) و اللاعب الهولندي النحيف الطويل (روبن فان بيرسي). فالمسألة إذن تعتمد على القدرة على تعلـّم براعـة فنيـة جديدة ترتبط في أساسها بالجينات الوراثية والموهبة الكامنة والقدرة على التعلـم لدى اللاعب.
ورغم هذا فلا يمكن إنكار أن اختلاف مواقع اللعب وبالتالي تعدد المهام المرتبطة بتلك المواقع يتطلبان بنية جسدية محددة. فمثلا وضع (فيليب لام) لاعب منتخب ألمانيا في مركز قلب الهجوم يكلفـه بذل مجهود يفوق طاقته رغم كل المواهب الكروية التي يملكها، فحتى يستطيع مدافع بايرن ميونيخ أن يخترق منطقة الدفاع في منطقة جزاء الخصم يحتاج إلى جسد أقوى وأطول ، فقوامه الرشيق يحدد عليه اللعب مدافعا جانبا حيث لا يبلغ طول اللاعب 70ر1 متر ووزنه لا يتجاوز 62 كيلوجراما ولهذا السبب يفتقر أفضل لاعب في المنتخب الألماني لحد الآن خلال هذه البطولة إلى القدرة على الاختراق، وذلك حتى يستطيع أن يتجاوز دفاع الخصم إلى قرب أو داخل منطقة الجزاء من الخطوط الجانبية للملعب، حيث يستوجب عليه في تلك المناورات أن يدفع جسده بين اللاعب الخصم والكرة ولا يسمح لخصمه أن يزيحه عن الكرة أو عن هدفه لكن أفضل ما يروق لـ"لام" هو أن يلعب في وسط الملعب حيث لا تحدد مساحة اللعب أي خطوط جانبية. وبفضل انطلاقة الجري السريعة وقدرته على المراوغة والتحكم بالكرة في آن واحد يستطيع ( لام ) أن يتجاوز الخصم بكل يسر عندما يلقي بالكرة أمامه بمسافة بعيدة. وعندما يهجم من الجناح الأيسر والكرة يقودها بقدمه اليمنى يشكل خطرا بصورة مباشرة على وسط منطقة الجزاء والمرمى في آن واحد، وبصورة غير مباشرة تكون رفعاته الجانبيـة من خط تماس منطقة الجزاء. هذا هو ما يجعل من "لام" لاعبا مهما ومتميزا كما أثبت بالفعل بتسجيله الهدف الأول في مباراة افتتاح البطولة أمام كوستاريكا. كما يعتبر(لام) من اللاعبين النادرين الذين يشكلون خطورة في منطقة الجناح الأيسر رغم استخدامهم القدم اليمنى
وبالنسبة لموقع قلب الدفاع في الفريق فإنه يفضل أن يكون اللاعب طويلا لا يقل عن 80ر1 متر ويتمتع بقوام رشيق و يجيد ألعاب الهواء رغم وجود توجه الآن للاستعانة بلاعبين أكثر طولا 90ر1 مترا مثل اللاعب بير ميرتيساكر و(كريستوف ميتسلدر) و (لوسيو ) و(خوان) والكثير من لاعبي قلب الدفاع. هذا القوام الكبير يحتاج إليه اللاعب لتسهيل احتكاكه بالخصم في التنافس على الكرة سواء في ألعاب الهواء أو على الأرض. والكثير من المدربين يفضلون أن يتمركز في قلب الدفاع زوج من اللاعبين أحدهما كبير الحجم والآخر أكبر حجما وخير مثال على ذلك هو زوج قلب الدفاع الإنجليزي المتكون من (جون تيري) و ( ريو فيرديناند) و المثال الآخر هو قلب الدفاع السويدي المكون من اللاعبين (ميلبيرغ) و (لوسيس). فأحد هذين اللاعبين يكلف بمواجهة لاعبي الخصم سريعي الحركة بينما يتولى الآخر مواجهة ذوي الأجسام الضخمة من المهاجمين، فلاعبون مثل الإنجليزي (كراوش) والتشيكي (كوللر) والصربي (زيجيتش) يجب أن يُحسب لهم كل حساب لكل خطوة يتقدمونها نحو المرمى في نفس الوقت يجب الأخذ في الاعتبار أسلوب مواجهة ملوك المراوغة مثل الأرجنتيني (سافيولا) والإيراني( مهديافيكيا).
أما في منطقة الوسط فتختلف المهام الاستراتيجية الموكلة للاعبين لدرجة تستدعي تواجد نماذج مختلفـة من اللاعبيـن. بصورة عامة تنحصر المهـام في خط الوسط فقط على تسديد الأهداف أو منع وقوعها، وهذا طبعا لا يستدعي بنيـة أو قواماً جسدياً من نوع خاص، فتغطيـة المساحات والفجوات يستطيع لاعب نحيف وطويل مثل ( مايكل بالاك ) أن يؤديه بخطواته الطويلة الواسعة بنفس الكفاءة التي يستطيع أن يقوم بها (تورستن فرينجس) بدبّ خطواته الثابتة كخطوات الخيل أو برشاقة الغزال كما لدى (زي روبرتـو). ولتوزيع وتشكيل كرة اللعب تأتي في المقام الأول الأجساد المتوسطة كما لدى (رونالدينيو) أو تلك الطويلة الممتدة كما لدى (كاكا).

موهبة واحدة تجلت في هذه الأثناء على اللاعبين أن يمتلكوها، وذلك إذا أرادوا البقاء كنجوم في عالم كرة القدم، سواء كان اللاعب كبيراً أو صغيراً، نحيفاً أو ضخماً - تلك الموهبة هي السرعـة، وبالأخص في الانطلاق. ارتفعت السرعة في الآونة الأخيرة في ملاعب كرة القدم لدرجة أن اللاعبين السريعين أصبحوا هم أصحاب الكلمة العليا في تحديد مسار المباراة بل و حسمها في كثير من الأحيان. أما اللاعبون من طراز "عازفي الكمان" الذين يكتفون بالوقوف منتظرين الفرصة المواتية مثل لاعب المجر (لاجوس ديتاري) فلم يعد لهم وجود على أرض الملعب خاليا وحتى النجوم العالميين من أمثال الفرنسي الموهوب (زين الدين زيدان) يفقدون قيمتهم الفعلية إذا تراجعت قدرتهم في السرعة والرشاقة ولكن تبقى لهم نافذة مشرعة فمن لا يستطيع الركض بسرعـة فعليه أن يفكر ويستبق مجريات اللعب بسرعة كبيرة. وحتى تلك الكفاءة والجودة لا توازن دائما النقصان في القدرة على العدو السريع. ومثل ( مايكل بالاك ) يستطيع أن يصمد مع تلك الصفوف وذلك من خلال عبقريته الرياضية. ولكن إذا ما تابع التطور تقدمه على هذا المنوال، فستكون اليد الطولى في بطولة كأس العالم 2022 للاعبين يشبهون راقصي الباليـه يتمتعون بسرعة انطلاق صاروخيـة كما نراهم حاليـا في أداء نجم البرازيل (رونالدينيو) و الفرنسي (تييري هنري) والكاميروني (صمويل أيتو).
النزعة الآن تتجه إلى أمريكا الجنوبيـة وإفريقيـا. منتخبات مثل ساحل العاج والأرجنتين والإكوادور تتمتع في بطولة العالم هذه - على الأقل - برشاقة ولياقة رياضية، كما الدول الأوروبية المتربعة على عرش كرة القدم في السابق، كالسويد وألمانيا. فالمنتخب الكاميروني أدهش العالم بكمال أجساد لاعبيه، عندما برزوا في مونديال 2002 ببزة رياضية بدون أكمام. وأما فيمـا يتعلق بمرونة اللعب ومهارة الكرة والنشاط الحيوي فقد فاقـوا في المتوسط الأوربيين وبدرجـات.
لكن ما ينقذ أوروبـا من الضياع بين الأرجل والأجساد هو التقدم في فن لعب كرة القدم من الناحيـة الاستراتيجية والتكتيكيـة والانضباط بنظام. إنهـا ليست من محض الصدف أن تتصدر المنتخبات التي استطاعت أن تربط بين قوة كرة القدم الأوروبية وغير الأوروبية في منتخب واحد عرش كرة القدم العالمية خلال الثلاثين عاما التي مضت - البرازيل والأرجنتين. فهنالك، في تلك الدول، تلعب غالبية تلك البنيات الجسديـة السحرية كرة القدم.

الأكثر قراءة