روسيا تبدأ التعامل بالروبل عملة قابلة للتحويل كليا
دشنت روسيا اعتبارا من أمس، ثورة مالية، إذ سيصبح الروبل بقرار من الحكومة، عملة قابلة للتحويل كليا، وبالتالي ألغيت القيود كافة في مجال التنظيم النقدي. وسيصبح بوسع المستثمرين من الدول الخارجية أن يفتحوا لأنفسهم حسابات مصرفية بالروبل، بحث تتلاشى القيود التي تخص الاستثمارات بعائدات مثبتة بالروبل.
وكان من المقرر في البداية ألا يحدث هذا قبل حلول مطلع كانون الثاني (يناير) المقبل، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية أخيرا تعجيل هذه العملية. وسيسمح هذا الإجراء للمواطنين الروس باستثمار مواردهم بحرية في الشركات الأجنبية أيضا. وترى وزارة المالية الروسية أن جعل الروبل عملة قابلة للتحويل كليا دليل على نوعية تطور الشؤون المالية، وإحدى السمات الأساسية للتطور الاقتصادي، إذ سيصبح بوسع روسيا منذ الآن أن تعلن عن بلوغها مرحلة النضج الاقتصادي.
وذكر ألكسندر جوكوف نائب رئيس الحكومة الروسية أن العمل بدأ في بيع النفط والذهب وشرائهما بالروبل في البورصة الروسية. ولا ينتظر البنك المركزي الروسي حدوث أية هزات نظرا لإلغاء القيود المفروضة على العمليات النقدية اعتبارا من أمس. وبيّن ألكسي أولوكايف النائب الأول لرئيس البنك المركزي الروسي أنه لن تكون هناك أية تبدلات حادة، بينما أشارت مصادر غربية إلى أن تحول الروبل إلى عملة قابلة للتحويل سيتيح الفرصة لموسكو لكي تتحول بعد مرور عامين أو ثلاثة من السياسة النقدية القائمة على إدارة سعر صرف العملات إلى سياسة تقوم على أساس إدارة سعر الفائدة كما هو الحال في غالبية الدول المتطورة في العالم. وكان ذلك مستحيلا في السابق، لأن غياب الثقة بالروبل جعل الدولار الأداة الرئيسية في الأسواق المالية الروسية.
ويشير محللون إلى أن تحويل الروبل إلى عملة قابلة للتحويل كليا ينطوي على أهمية رمزية أيضا، إذ إنه يأتي قبل أسبوعين من عقد قمة الدول الثماني الكبار في مدينة سانت بطرسبورج، وبعد عدة أيام من توصل روسيا إلى اتفاقية حول التسديد العاجل لديونها البالغة 22 مليار دولار مع نادي باريس للدائنين. ومن المعروف أن رجال الأعمال والمصارف الروس لقوا في غضون السنوات القليلة الماضية المزيد من حرية المناورة ابتداء من خفض، ثم إلغاء البيع الإلزامي للعملات الأجنبية المتحصلة من التصدير. ثم جرى تبسيط عملية افتتاح الحسابات في البنوك الأجنبية وازدادت سرعة التحويلات والمدفوعات المصرفية الأجنبية.
ومنذ أمس بدأ إلغاء آخر القيود على العمليات المالية، حيث اقترن تحويل موارد المواطنين أو الشركات الروسية إلى حسابات في الخارج حتى الآن بوجوب إيداع مبلغ احتياطي يقدر بـ 25 في المائة على حساب خاص في البنك المركزي. وعلى النحو ذاته كان على المواطن الأجنبي أن يقوم بإيداع كفالة إذا أراد أن يحول مبلغا من المال إلى روسيا لشراء سندات مالية. وكان المقصود من وراء ذلك تأمين جانب الأسواق المالية من خطر الرساميل المضاربة القادرة على زعزعتها، أما الآن فستلغى جميع هذه القيود.
وأكدت وزارة المالية التي أعدت التعديلات على قانون الرقابة النقدية أن من شأن هذه الإجراءات الجديدة أن تضمن حرية الحسابات بين المقيمين وغير المقيمين في مجال العلاقات الاقتصادية الخارجية. وسيصبح ذلك خطوة مهمة في إطار عملية انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.
وفي الحقيقة، فإن الحديث لا يدور بعد سوى عن بروتوكول حول النوايا وأنه من السابق لأوان ألا يصطحب المواطن الروسي غير الروبلات أثناء السفر إلى الخارج. وفي هذا الصدد بالذات صرحت فيكتوريا فورونينا خبيرة فريق الكشوفات الاقتصادية أن جعل الروبل عملة قابلة للتحويل لن يؤدي في القريب العاجل إلى أية تطورات جذرية نظرا لأن هذه القضية بحاجة إلى قاعدة وليس إلى قرار مسجل على الورق، موضحة أنه لابد قبل كل شيء من تطوير الأسواق المالية الوطنية في روسيا وتعزيز المنظومة المصرفية من أجل رفع متانة العملة الوطنية. وما يعد عاملا لا يقل أهمية على هذا الصعيد هو مكافحة التضخم، إذ من الصعب أن يتخيل الإنسان كيف سيمكن للروبل أن يتحول إلى عملة عالمية في ظل المستويات الراهنة للتضخم. كما سيتعين على موسكو في كل الأحوال أن تحصل على اعتراف صندوق النقد الدولي بالروبل كعملة احتياطية له.
من جانبه، ذكر أوليج سولنتسوف خبير مركز الدراسات الاقتصادية العامة والتنبؤات قصيرة الأمد أن المواطنين الروس الذين يعتزمون السفر إلى خارج روسيا لن يتمكنوا بعد من الاكتفاء بالروبل وحده. وقال إن جعل العملة قابلة للتحويل كليا هدف معقد وصعب إلى حد كبير سعت إليه الدول الكبرى الأخرى على مدى عشرات السنين، كاشفا أنه بوسع روسيا أن تبيع نفطها وخاماتها الأخرى في البورصة بالروبل، ولكن ذلك لن يساعد على الاعتراف السريع بهذه العملة.
يذكر أن 20 دولة في العالم، في الوقت الراهن، تملك عملات قابلة للتحويل كليا على صعيد العمليات غير المقيدة، وهي الدول الأوروبية التي تدخل ضمن منطقة اليورو. كما يعد الجنيه الاسترليني والكورون الدنماركي، الأيسلندي النرويجي، والسويدي عملات قابلة للتحويل كليا، إضافة إلى عملات كل من الولايات المتحدة، كندا، اليابان، أستراليا، ونيوزيلندا. أما العملات الحرة التي تتعامل معها الأسواق العالمية في كل مكان فهي اليورو، الدولار الأمريكي، الاسترليني، والين.