العنصر البشري المحرّك الأول للنمو الاقتصادي وألمانيا لم تتعلم سوى القليل خلال 30 عاما

العنصر البشري المحرّك الأول للنمو الاقتصادي وألمانيا لم تتعلم سوى القليل خلال 30 عاما

هل الألمان حمقى لم يتعلموا سوى القليل منذ 30 عاماً؟
إن عواقب مثل هذا التصور تُعتبر مصيرية، وبخاصة أن الخبراء الاقتصاديين متفقون على هذا التحليل إلى حد كبير بسبب بطء معدلات نمو الاقتصاد الألماني أكثر مما هو في بعض الدول الأخرى، إضافة إلى انخفاض الانتعاش وتراجع الدولة بأكملها.
ويقول شتيفان بيرجهايم الخبير الاقتصادي من دائرة الأبحاث التابعة لـ "دويتشه بنك": "يُعتبر العنصر البشري العامل الإنتاجي الأهم في الاقتصاديات لأن التغيّر في الرأسمال البشري هو بلا شك محرّك دافع للنمو الاقتصادي". ووفق هذا المعيار تبدو ألمانيا متراجعة فلا يكاد يكون من شيء قد طاله التغيير طوال الأعوام الـ 30 الماضية. وعلى الدوام ينهي نحو 22 في المائة سنوياً من الشباب مرحلة الدراسة الثانوية، وهو أمر خطير استطاع الكثير من الدول الأخرى معالجته، على سبيل المثال، إسبانيا، وكوريا، والهند، أو الصين، وكلها دول تكتب منذ أعوام قصص النمو الاقتصادي الخاصة بها.
ولكن ما الشيء الذي يسير في اتجاه خاطئ؟ فهل تنفق الدولة في ألمانيا القليل من المال على قطاع التعليم؟ أيكسل بلونينكي خبير اقتصادي في مؤسسة الاقتصاد الألماني - كولن – IW، يقول: " إن أنظمتنا التعليمية في ألمانيا ممولة على نحوٍ ضعيف، ومن غير المثالي، أن يرصد المرء المزيد من المال في نظام غير كفء، لأنه لن يتحسّن. ولن تنتج عن ذلك العوامل الإيجابية على النمو الاقتصادي بأي حالة من الأحوال".
ولكن ألمانيا بحاجة لهذه العوامل بشدة. ويقول بيرجهايم: "لقد ارتفع الرأسمال البشري في ألمانيا حتى فترة الثمانينيات بقوة، وحتى ذلك الحين شهد النمو كساداً بصورة ملحوظة. وهذا ينعكس على تراجع معدلات النمو الاقتصادي المتدنية أيضاً". من جانبه يقول لودجير فوسمان الخبير الاقتصادي من ميونيخ: "لم نفكّر قط، فيما إذا كنّا سنعمل على تحقيق نتائج جيدة، ومحصلة ذات جودة عالية ومقارنة. ولم يتم تعويض أو مكافأة المدارس والمعلمين أبداً مقابل الإنتاج الجيّد لطلابهم، وهذه هي الحال باستمرار.أضف إلي هذا أن المبلغ المالي والذي تستثمره ألمانيا سنوياً في أنظمة التعليم، بما يعادل 111 مليار يورو، موزع بطريقة سيئة".
وبالفعل حتى منظمة التعليم تذكّر منذ فترة طويلة بالأيام الماضية من الاقتصاد المخطط، حيث يلحق الخبير الاقتصادي، فوسمان، هذا الأمر بالمعلمين. قائلاً: " تنقصنا المرونة في المرتبات حيث، على سبيل المثال، بالكاد يمكن الحديث عن المكافآت، فهي غير ممكنة، والمعلمون يتقاضون باستمرار أجوراً ثابتة، سواء عملوا على تخريج طلاب جيدين، أم لا".
وبيرتهولد فيجير خبير اقتصادي وخبير في التعليم في جامعة إرلانجن يذّكر كذلك بنقطة أخرى: "نظامنا التعليمي لم يؤقلم نفسه مع البنية السكانية المتغيّرة". ولا يقدّر هذا النظام التحوّل عن طريق الأعداد الكبيرة من الأطفال المهاجرين. ويقول فيجير: "إن هذا يعوق الحركة الاجتماعية، ونحن لا نعمل على استغلال المبدعين بفعل هذا، ونعمل على إلقاء الكثير من قدرات كامنة كبيرة في الظل". ومن وجهة نظر اقتصادية، فهذا ضرر بالكاد يلقى الانتباه.
ويعاني النظام التعليمي الألماني بشكل ملحوظ من تقليص الميزانية الاتحادية. ويقول الخبراء الاقتصاديون إن الدول التي تقود نظاما تعليميا مركزيا تحقق نتائج أفضل. ويقول الخبير الاقتصادي بيرهايم من "دويتشه بنك": "عندما نريد زيادة دفع خريجي المدارس الثانوية من 22 إلى 40 في المائة إلى سوق العمل، علينا إذاً أن نتحرك في إطار وجود هدف قومي مشترك". ويعلّق فوسمان من ميونيخ الكثير من الشكوك مقابل النظام الفيدرالي، بالنظر إلى تعادل الفرص. وإضافة إلى هذا، من المفترض أن يسيطر على كافة خطط إعادة الهيكلة المتعلّقة بالسياسة التعليمية إجماع ما بين الدول، ولكن البطء في التنفيذ يعرقل كل شيء.
واليوم يكاد الساسة في ألمانيا يدركون وللمرة الأولى أن الاستثمار في قطاع التعليم ذو فوائد ومكاسب جمة ويبدو خبراء الاقتصاد على ثقة بقولهم: "يمكن لألمانيا أن تسد ثغرات النمو المشروطة بالتعليم خلال عشرة أعوام". لكن هذا يستلزم الكثير من الوقت، حتى تكمن القدرة في جعل النظام التعليمي يقدّم إنتاجية أعلى وأكثر كفاءة.

الأكثر قراءة