"روبين هود" وفرسانه يلقون بظلالهم من جديد على سوق الأسهم
"روبين هود" وفرسانه يلقون بظلالهم من جديد على سوق الأسهم
روبين هود فارس من العصور الوسطي نسجت الأساطير عن بطولته وشجاعته وقدرته على كسب ود الفقراء، وقد نسجت عنه هذه البطولات، التي أدخلته التاريخ.
في سوق الأسهم السعودية أيضا لدينا فقط من يدعي أنه روبين هود بمواصفات خاصة فرضت علينا، وهو مطلب لجميع القنوات الإعلامية، وصديق لمهندسي الصوت بسبب صوته الجهوري الذي يساعد في تسهيل مهام عملهم، وهو كذلك محبوب لدى المصورين بسبب تعبيرات وجهه الحادة التي تساعد على جعل الصورة أكثر قدرة على الجذب والتعبير. ومن الناحية الفيزيائية لديه القدرة على رفع درجة الحرارة في البرامج التلفزيونية، وهو الذي أبدع لنا كتاب "التنظير لمن يفقد القدرة على التحليل"، وهو صاحب نظرية "إن عدم توافق السوق مع تحليلاتها يعود لقصور وجمود أدوات السوق نفسها".
كان أول من توقع ازدهار السوق، وظل إلى آخر لحظة يصرخ حتى اختفاء صوته مع ارتفاع أصوات جمهور المتعلقين بالأسهم نتيجة الانهيار. وكان أول من توقع الانهيار واستطاع الخروج من السوق قبل ذلك بخمس ثوان فقط أو هو ادعى ذلك دلالة على براعته. لديه إيمان بنظرية المؤامرة لتعليل جميع إخفاقاته المتوالية. صالح لكل زمان ومكان لأنه يخاطب الوجدان والقلب في الإنسان، لذلك يصل حديثه بسرعة وسلاسة دون وسيط أو تعقيد. أما مخاطبة العقل والمنطق فهما يحتاجان إلى جهد منه، ومن المتلقي، وهو بالتأكيد لا يريد ذلك، فهو نصير الأيتام والأرمل، لذلك لا يريد أن يسبب لهم المزيد من العناء بالتفكير والتدبر والفهم.
جماهيريته لا يختلف عليها اثنان، فهو مطلب ومنقذ وناطق غير رسمي بأسماء الجمهور والشركات والإعلام والهيئات. فشلت جميع محاولات إقصائه أو احتوائه أو حتى فهمه أو نسيانه، فهو مطلب للمكينة الإعلامية التي تتغذى من المطالبة الجماهيرية التي قد لا تعرف أحيانا أن بعض أنواع الزيوت قد يكون مضرا بالصحة العامة، فضلا عن المكينة نفسها. وبالرغم من ضعف حجته لأنه في الأساس لا حجة له، إنما مجرد كلمات رنانة تدغدغ الوجدان والعواطف، بالرغم من ذلك حقق النجاح وصعد بقوة صعود المؤشر دون أي ارتدادات أو مقاومة عندما كان المؤشر يفعل ذلك، لماذا لا فهو سيد التحليل الفني، الأساسي، والتنظير المالي والاقتصادي، وهو خبير خطير لكل عصر وجيل.
سخّر نفسه في رحلة البحث عن الدعاء الحسن وإرضاء الذات للدفاع عن صغار المتداولين في كل منبر إعلامي، دون أي تحليل. دون أي تحديد. دون أي حلول. دون أي طريق، فقط مجرّد كلمات جوفاء ليس لها معنى من أجل الاستهلاك وطريق للوصول إلى القلوب المجروحة المنتظرة لأي أمل من أين كان.
إذا ارتفعت السوق فهو موجود. وإن انهارت الآمال سيكون في أول قائمة الصفوف المحاربة للوصول إلى القلوب الجريحة. لا يتذكر ماذا قال لأنه سريع النسيان، وإن عاند السوق كلماته وانهار فالعيب في السوق الذي لم يكن على مستوى الطموح والأحلام. وبالرغم من أن الزمن لا يلعب أبدا لمصلحته حيث سريعا ما ستشرق شمس الحقيقة حتى إن تأخرت أحيانا، ولكن الذكاء بالنسبة له هو استغلال ذلك الزمن بقدر الإمكان في رحلة التسويق الكبرى للهدف الأكبر، فليس بالشهرة وحدها تتحقق الأحلام، لا منطق. لا حوار. لا حلول. لا نقد بناء. فقط رسالة واحدة "أنا معكم. أنا منكم. أنا الأقرب لكم. وأنا فداء لكم".
ورغم أنه انهار مع المؤشر في رحلة الهبوط والنسيان، وأصبح قليل الظهور وعلى استحياء أحيانا، وبالرغم من أن سطوع شمس الحقيقة كانت أهم فوائد الانهيار، إلا أنه مع كل نقطة في رحلة الصعود الجديدة تعود الحيوية إلى كتيبة فرسانه بأساليب أخرى وطرق أخرى وبوجوه كثيرة وبكلمات جديدة مختلفة تظل بضاعة صالحة للبيع والتسويق طالما ظل المؤشر يرتفع. لا يهم أن تكون كلمات جوفاء جديدة، المهم أن يظل المؤشر يرتفع ويتطابق مع كلماته وليس العكس، تلك هي الفكرة وأساس النظرية في رحلة الوصول إلى قلوب أربعة ملايين متداول.
المشكلة هنا أن القضية ستستمر لأن الكلمات الرنانة تنتشر أسرع من أي منطق أو حقيقة أو تحليل، وسيد الفرسان لا يحتاج سوى قليل من كثير إن خانه في يوم نهار من زمان. إنه يستمد قوته من هذا القليل. إذا ستستمر الخديعة، وسيستمر هو سيّد الفرسان.
لكن هل الحل يكون بخوض حروب جديدة ضد كتيبة الفرسان العتيدة؟ لم يكن الحل أبدا في إقصاء أو تصنيف أو احتواء، لأن المشكلة ليست لديه، بل لمن يستمع إليه، وليس هذا ذنب لهم، فهم لم يجدوا الآراء الأخرى الصادقة العادلة الناقدة بقوة وعنف، ولكن بمنطق وفكر وعقلانية، لم يكن هذا البديل أبدا متوافرا بالقدر الكافي، لم يسمح له وحتى عندما أصبح متوافرا إلى حد ما لم تتح له الفرصة للكلام لأن سيد الفرسان أصبح هو المسيطر والمطلب وهو من يفرض ويقرر. لم يكن لدى جمهور المتداولين فرصة للاستماع إلى أفكار مختلفة وآراء متعددة تساعد على معرفة الفرق بين من يقدم لهم المعلومة الصحيحة التي يجتهد بها؟ ومن يحاول (تخديرهم) بكلمات تنفع لكل اتجاه ولكل زمان ومكان في رحلة التسويق الكبرى.
لا ينقص المتداول البسيط الذكاء بقدر ما ينقصه تعدد الآراء والمعلومة لكي تتيح له أن يرفض أو يقبل، فهو الوحيد الذي يملك ذلك الحق الذي سلب منه بحجة حمايته. ستكون الحقيقة من ينتصر في الأخير إن أتيحت له تلك الفرصة فقط.
فهل ساعدنا على وجود هذه الآراء المتعددة في قنواتنا الإعلامية الاقتصادية لكي نقلل من تأثير "كتيبة الفرسان" في زمن الطفرة.
ليست مشكلتنا عملية الانهيار، بل تتلخص في فريق لا يريد أن يستمع، وآخر يريد أن يستمع لما يحب فقط، وثالث لا يترك فرصة الكلام لأحد.
هل يمكن أن نخدع ثانية في رحلة الصعود التالية للمؤشر؟ ومن كتيبة الفرسان نفسها من عصور الظلام؟ عفوا سيد الفرسان سأسكت ليس خوفا منك، ولكن خوفا من جماهيريتك، فهي تسكت كل لسان، ولم يجبرني على الكلام إلا صوت خيول كتيبة فرسانك التي بدأت تطل علي من الشاشات الفضية في طريق رحلة صعود المؤشر الجديدة.
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/files/2.jpg" width="648" height="486"></p>