عزيز ضياء.. حمل الروح المهجرية واستلهم الطبيعة وغرق في بحر الرومانسية والشاعرية وأجاد فن التعليق السياسي

عزيز ضياء.. حمل الروح المهجرية واستلهم الطبيعة وغرق في بحر الرومانسية والشاعرية وأجاد فن التعليق السياسي

قبل سبعة عقود من زمننا هذا وقف يائسا من قيمة الأدب، ودعا لإحيائه، وزعم أن ما كتبه الأدباء في صدر النهضة التي انطلقت في البلاد لم يؤثر في الحياة العامة وتعدى ذلك ليحكم أن الأدب عندنا لا يقصد إلى غاية وليس فيه روح أو قوة وأن أصحابه لا بد أن يدفنوه!
هذا الرأي عن الأدب في البلاد قاله الأديب والكاتب السعودي عزيز ضياء عندما كتب في عام 1355هـ مقالة في "صوت الحجاز" بعنوان "غاية الأدب عندنا" وأثار في وقتها لغطا في الوسط الثقافي وكان ما طرحه بمثابة جرس إنذار لواقع الأدب في ظل دعوات ترى أن أسباب الحياة ليست كلها أدبا، كما ليست غايتها أقلاما تهدف أو تجيد، إنما الحياة شؤون مختلفة في الاقتصاد والتعليم والصناعة وغيرها من مناشط الحياة.
وبعد هذه السنوات نجد أن ما طرحه ضياء وغيره من الأدباء، بهدف إصلاح الحياة العامة كان له مفعول السحر، فكان لمشاركتهم واختلافاتهم أثر قوي في التعجيل بنتائج دعواتهم، ورؤية ثمرتها في الأجيال اللاحقة لهم.
يُعد عزيز ضياء من أبرز الكتاب الذاتيين المكثرين، فقد أفضى إلى قرائه ما يكنه قلبه وما يسكن في داخله وهي حالة وصفها المنفلوطي في كتابه النظرات بقوله ".. وكان أشعر الشعراء عندي وأكتب الكتاب سواء في ذلك المتقدم والمتأخر والنابه والخامل، أوصفهم لحالات نفسه أو أثر مشاهد الكون فيها، وأقدرهم على تمثيل ذلك وتصويره للناس تصويرا صحيحا كأنما هو يعرضه على أنظارهم عرضا أو يضعه في أديهم وضعاً..".
وقد بدأ عزيز ضياء حياته الأدبية كاتبا ذاتيا، مغرقا في رومانسيته وشاعريته، واقتفى أثر صحبه ولداته من أبناء عصره، في إقبالهم على الروح المهجرية واستلهام الطبيعة، واللجوء إلى سرحات النفس ومناجاة الروح والتلذذ بالوحدة والهروب من الواقع إلى الطبيعة والكون في سبيل البحث عن الخلاص الفردي والجماعي.
وإذا كان حب الوطن هو همّ أكثر الناشئة ممن وعوا على نهوض العرب في الأقطار الأخرى، واستفاقة الذهنية العربية، وطلبها التجديد، ونبذها قيما هشة متخلفة، نماها الاستعمار وأكدها المستوى المتردي للحكم التركي في أواخر عهده، فإن هذه العوامل قد دفعت الشبان آنذاك إلى الشعور بالملل من الركود السائد، وطلب التغيير، وإثارة الأسئلة المتلاحقة عبر نصوصهم نثرا وشعرا عن الإصلاح، وبناء الذات بناء جديدا مستمدا من نور الماضي وإشراق الحضارة الجديدة، وفتوة هذا التطلع لديهم إلى الجديد، وكان عزيز ضياء واحدا من هؤلاء اتصف بالشاعرية، وتطلب في سكون الطبيعة وعالمها الخاص ما يصرف عنه ضجره وسأمه من الإنسان البائس، والإنسان المتواكل، والإنسان الضعيف الخائر، كما عبر عن ذلك الناقد المعروف الدكتور محمد بن عبد الله العوين في دراسته للمقالة في الأدب السعودي الحديث الذي لفت إلى أن عزيز ضياء حين تجاوز سن الحداثة، ونشط في حياته العملية انصرف عن مثل هذه الأجواء الحزينة اليائسة من الواقع، إلى معايشة أنضج، ومحاورة مع شؤون الحياة أكثر وعيا ونضالا فقد اجتهد كثيرا في المعاملات النقدية والاجتماعية، ثم ولج بابا جديا في فن الكتابة الصحافية وهو ميدان التعليق الإذاعي والكتابة السياسية.
برز عزيز ضياء في كتابة المقالة الذاتية والنقدية الاجتماعية من خلال السنوات الأولى من عمر جريدة صوت الحجاز وظهر فيها توجه جديد في الكتابة النثرية يتسم بالسلاسة والسهولة والتكرار، والأخذ بأسباب جمال التدفق النثري ومحاولة استلاب القارئ، وإثارته بما يضيفه الكاتب إلى أسلوبه المنسجم في جمله وعباراته من أفانين الصنعة المقبولة، ومظاهر الشخصية القوية في كل ذلك.
ويضيف العوين إلى أنه في ذلك يسعى إلى أن يكون طه حسين جديدا، من حيث هو معجب بالأسلوب السهل الممتنع، والإيقاع الطويل المتوازن، وبالتكرار والإعادة، وبإحياء عبارات تراثية لها إيقاع موسيقي خاص، وبالسخرية المبطنة، والنقد العنيف، والرفض القوي لما يعتقد أنه غير صالح ومقبول، وحين تطغى صفات كهذه على شخصية المقالي فلا بد أن تكون آثاره بينة في أسلوبه، وفي مناحي تفكيره، وفي مجالي نفسه، فلا يملك إلا أن يتحدث عن ذاته، لأنه يعتز بها، ويراها حقيقة بالتعبير عما تكنه، وما تشعر به، ثم لا يملك أيضا روحه عن الانطلاق إلى حيث ترى أمانيها وأحلامها، في شاعرية اللفظ وخيالية المعنى، وطبيعة الإفضاء السهل في كل ذلك.
عدّ الدارسون عزيز ضياء، رائدا من رواد النثر السلس الممتع، على الرغم من قلة المتيسر من نثره هذا بين أيدي القارئين، والدارسين لضياعه في بطون الصحف، إلا أن عنايته بالأسلوب تكاد تطغى على صناعته للفكرة وعنايته باكتمالها ونضجها، فكأنه يرى ذاته في أسلوبه تجويدا وإيقاعا، وتناغم عبارات فهو يبلغ حقا الذروة في النثر السائغ السلس القوي الآسر، واعتنى ضياء بالفن الأدبي في مقالات النقد والحديث عن الذات، وبرزت في مقالاته المتعة الفنية واعتبر من كتاب المقالة السياسية – الاجتماعية أيضا من الناقدين المجيدين أيضا.
ولد عبد العزيز ضياء الدين بن زاهد وهذا اسمه الكامل في المدينة المنورة عام 1332هـ وتلقى تعليمه الأولى في أحد كتاتيب المدينة المنورة، ثم في المدرسة الراقية الهاشمية، ثم التحق بمدرسة الصحة في مكة المكرمة، وتقلب في وظائف عدة، وكتب في صحف كثيرة المقالة الأدبية، والتعليق السياسي، ولعل أبرز آثاره قصص من سومرت موم (ترجمة)، وقصص من طاغور مترجمة، وجسور إلى القمة، وحمزة شحاتة قمة لم تكتشف.

الأكثر قراءة