العمل في الشركات العائلية .. بين صلاحيات الأفراد وواقعية الأنظمة

العمل في الشركات العائلية .. بين صلاحيات الأفراد وواقعية الأنظمة

جان أونر مساهم غير موظف في الشركة التي تمتلكها عائلته، وهو يحاول متابعة التطورات التي تحدث في العمل من خلال قراءة وقائع كل اجتماع لمجلس الإدارة، لكنه شعر بالصدمة عندما قرأ في وقائع آخر اجتماع أن الإدارة تفكر في تغيير توجهها الاستراتيجي واقتراض المزيد من الأموال بدل زيادة توزيع الأرباح السنوية للمرة الأولى خلال ثمانية أعوام. وعلى الفور قام بالاتصال مع رئيس مجلس الإدارة وسأله: " ما الذي يجري هنا؟" فأجابه الرئيس بأن الشركة تواجه تحدياً استراتيجياً يتطلب فترة من الزيادة في الاستثمار.
لكن جان شعر بعدم الارتياح من هذا التفسير فقد كانت هذه الشركة منذ وقت طويل ذات فائدة له ولعائلته. وهو يفتخر كثيراً بالشركة لكنه لا يعجبه مغزى هذه التغييرات كما أنه غير متأكد من جدواها لذا يريد جان أن يصبح مالكاً كفؤا ومناصرا متحمسا للعمل لكنه لا يعرف كيف يبدأ تقييم توصيات الإدارة للمجلس. كما أنه في حاجة لفهم الكيفية التي تتطور بها استراتيجية العمل والمزايا التي تحققها لجميع المساهمين فيها.
وينطبق حال جان على الكثير من أفراد العائلة، فإن جميع المساهمين في العائلة في حاجة إلى فهم أساسي للاستراتيجية وفي العادة، يكون امتلاك شركتهم العائلية هو أكبر استثمار لديهم وهم في حاجة إلى معرفة كيف ستؤثر القرارات الاستراتيجية على مخاطر وسيولة وعوائد استثمارهم. ويفتخر العديد من مالكي الشركات العائلية كثيرا بسمعة عائلتهم وبالشركات التي يتوارثونها من جيل إلى جيل ومع ذلك، ففي أوقات التغيير يعد فهم الاستراتيجية أمراً ضرورياً للمحافظة على هذا الاهتمام العاطفي في الشركة كما أن الإدارة أيضاً تعمل بشكل جيد ويمكنها أن تضع قرارات أكثر فاعلية عندما تشعر أن لديها موافقة معلنة من المالكين ولجميع هذه الأسباب فإن تعلم أساسيات الاستراتيجية يعد ضرورياً للمساهمين من أمثال جان.

فهم التخطيط للعمل
يجب على جان أن يبدأ بالتعرف على المبادئ الرئيسة للتخطيط الاستراتيجي حيث إن الأعمال تواجه تغييراً ثابتاً ومتواصلاً. وتتطور الأسواق، ودائماً ما يصارع المنافسون المبتكرون من أجل الحصول على حصة أكبر في السوق. ولكي تحافظ الشركة على مستواها التنافسي، عليها أن تتكيف وأن تعيد الاستثمار بصورة متواصلة حيث يعتبر معدل إعادة الاستثمار هو القرار الاستراتيجي الأكثر جوهرية الذي تضعه جميع الشركات.
وتكون مستويات إعادة الاستثمار موجهة من قبل القطاع الذي تعمل فيه الشركة وتركز نسبة كبيرة من عملية التخطيط الاستراتيجي على تقييم "فرص وتهديدات" القطاع والمنافسين. وتستخدم العديد من أدوات التخطيط لتحليل احتمال نمو السوق وحصة الشركة في السوق مقارنة بالمنافسين.
وتعمل هذه العناصر على تحديد مستوى الاستثمار الضروري للمحافظة على التنافسية في القطاع.
أما المحرك الثاني لمستويات إعادة الاستثمار هو الموقع التنافسي النسبي للشركة داخل السوق وتقوم عملية التخطيط الاستراتيجي بتقييم "عوامل القوة والضعف" في الشركة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وهي تنظر إلى توجهات الأسهم في السوق والموارد المالية والمؤسسية للشركة وغالباً ما يسعى التخطيط إلى توضيح "الكفاءات الجوهرية" في الشركة و"ميزتها التنافسية". وغالباً ما يسمى تقييم " عوامل القوة والضعف والفرص والتهديدات" بتحليل سوات SWAT, ويهدف هذا التحليل إلى توثيق الاحتمال الاستراتيجي للعمل.
وتقيم المرحلة الثانية من عملية التخطيط كيفية استهداف إعادة الاستثمار للمحافظة على أو زيادة "الميزة التنافسية" للشركة. وفي هذه المرحلة تتم مناقشة أولويات وتوجهات استراتيجية مختلفة كما تتم مراجعة عدد من الاستراتيجيات الأساسية في العمل. وفي الشركات العائلية يكون تأثير الاستراتيجيات المختلفة على ملكيتهم العائلية في حاجة أيضاً إلى تقييم. ويمكن لاستراتيجية العمل أن تنجح فقط إن كانت متسقة مع قيم العائلة ونظرتها للملكية بما فيها توقعاتها لعوائد الاستثمار وتوزيع الدخل. وبعد إتمام هذه التقييمات يتم تطوير عدة استراتيجيات ملائمة بتفصيل أكبر لوضع التوصيات. ومن هذه البدائل يتم اختيار استراتيجية نهائية ويتم وضع قرار حول إعادة الاستثمار.

أدوار في عملية التخطيط الاستراتيجي
في الأعمال تقوم الشركات عموما بتنفيذ عملية التخطيط الاستراتيجي، ويقوم مجلس الإدارة باستعراض العملية ومخرجاتها. ويتفق معظم خبراء الإدارة على أن " ملكية" الإدارة للاستراتيجية تعتبر عنصرا مهما في التخطيط الناجح. ومع ذلك فإن مجالس الإدارة تقوم بوظيفة حاسمة في فحص الفرضيات التي وضعتها الإدارة وتوفير تقييم مستقل ودقيق للاستراتيجيات التي تمت التوصية بها. وأيضا تعمل مجالس الإدارة على ضمان أن تعكس استراتيجيات الإدارة أفضل الفوائد للمساهمين، وأنها ستزيد من إنشاء القيمة إلى الحد الأعلى مع تقليل المخاطر إلى الحد الأدنى.
ونادراً ما كان للمساهمين مدخلات مباشرة في اختيار الاستراتيجية، ومع ذلك فإن وضع جميع القرارات الاستراتيجية هو عرض القيمة الذي تقدمه الشركة للمساهمين فيها. وفي حالة الشركات العائلية فإن عرض القيمة هذا يمكن تطويره إلى حد كبير وخصوصاً مع استعمال التخطيط الموازي الذي يربط التخطيط الاستراتيجي للعمل مع تخطيط استمرارية العائلة. وفي الشركات العائلية فإن مجلس الإدارة يلعب دوراً حاسماً لضمان التضافر الملائم لاستراتيجية العمل وتوقعات الملكية.

العامل الرئيس للترتيب

تمر جميع الأعمال عبر دورات حياة وهي في حاجة إلى إعادة استثمار، ومع تقدم عمر الشركات ونموها تتغير احتمالاتها الاستراتيجية بالإضافة إلى معدلات إعادة الاستثمار الضرورية. وفي الشركات العائلية تمر الملكية كذلك عبر دورات حياة مع تقدم عمر العائلة وتعاقب الأجيال ومع مرور الوقت يتزايد تشتت الملكية. وغالباً ما يتغير الهدف الاستثماري للمساهمين وتصبح الأعمال المتضافرة استراتيجيا وأهداف الملكية أكثر تحدياً وحسماً.
ويصبح المساهمون في العائلة مثل جان في حاجة إلى فهم كيفية تأثير دورات الحياة الطبيعية لشركاتهم أو صناعتها على مستويات إعادة الاستثمار المطلوبة مع مرور الزمن. ولدى جميع الشركات رأسمال محدود يمكنها استخدامه وتتنافس الشركات العامة من أجل رأس المال، ويمكن لتكلفة رأسمالها أن تتنوع إلى درجة كبيرة مع مرور الوقت. أما الصناعات فتنخفض وترتفع لصالح المستثمرين وتتحرك الأسواق تصاعدياً وتنازلياً وغالباً ما يكون لدى الشركات العائلية المملوكة بصورة خاصة لمالكين مثل جان تكاليف رأسمال أقل وأكثر استقراراً مما يمكن أن يعطيهم ميزة مهمة على الشركات الأخرى.
وتعتمد هذه الميزة للشركة العائلية على موازنة التعويض بين استثمار الأعمال الاستراتيجية والتوزيعات الحالية للمساهمين. وتتجه الشركات العائلية المملوكة بصورة خاصة إلى تنمية رأس المال داخلياً من خلال العوائد المحتفظ بها. ومع زيادة نسبة العوائد التي تدفع للمساهمين تنخفض نسبة نمو رأس المال الداخلي مما يؤدي إلى مستويات أكثر انخفاضاً من رأس المال لإعادة الاستثمار الاستراتيجي. وبسبب هذه العلاقة يمكن للشركات العائلية أن تعدل نسب نمو رأسمالها بشكل منطقي مع مرور الوقت لكي تتمشى مع حاجاتها الاستراتيجية.
وتوضح الصيغة البسيطة أن العلاقة المباشرة بين نسبة الأرباح المدفوعة للملكية ونسب النمو الثابتة التي يمكن أن تحققها الشركة. ويتفوق إنجاز الشركات العائلية على الشركات العامة لأن مجموعات الملكية التي تمتلكها بإحكام تكون أكثر رغبة في تعديل مستويات إعادة الاستثمار لديها لصالح فوائد شركاتهم الاستراتيجية على المدى البعيد. ويكون هذا صحيحاً بشكل خاص عندما يكون المالكون في العائلة منهمكين بنشاط في عملية التخطيط المتوازي.

بناء القيمة بعيدة المدى
المالكون للشركات العائلية من أمثال جان في حاجة إلى فهم العوامل الاستراتيجية التي توجه القيمة بعيدة المدى لشركاتهم وعليهم أن يتعلموا أساسيات صناعتهم ومعرفة حجمها العام وسمات الزبائن واتجاهات النمو. وعليهم أن يعرفوا عن حصة السوق في القطاع وموقع شركتهم فيما يتعلق بالمنافسين الرئيسين مع مرور الوقت. كما أن المالكين للشركات العائلية في حاجة لمعرفة " القصة الاستراتيجية لشركاتهم بما فيها احتمال النمو في سوقهم ومرحلة دورة الحياة لشركاتهم.

كما يجب على مالكي الشركات العائلية أن يتعلموا عن القدرات الداخلية لشركتهم وعليهم أن يفهموا الكفاءات الجوهرية والقيم الضمنية التي توجه النجاح التاريخي لشركتهم. وعليهم أن يعرفوا عن الهيكل التنظيمي العام للشركة وأسلوب الإدارة فيها والكيفية التي يتم من خلالها تحديد الأدوار والمسؤوليات. وعليهم أن يعرفوا الأهداف التنافسية الحالية للشركة واستراتيجية العمل لإنجاز هذه الأهداف في المستقبل.
إن معدلات إعادة الاستثمار ومستويات الربحية هما عاملان استراتيجيان مهمان يوجهان عملية إنشاء القيمة على المدى الطويل. وفي الشركات العائلية يعتمد الربح وإعادة الاستثمار على بعضهما البعض بشكل متبادل وغالباً ما يكون في إمكانهما النمو فقط بشكل مترادف. ويجب على مالكي الشركات العائلية ألا يتبعوا النمو فقط في صافي الدخل ولكن عليهم معرفة مدى فاعلية شركاتهم في توليد الربح. وتعتبر معايير العوائد على الاستثمار مهمة لتتبع القيمة الاقتصادية المضافة, وتقوم القيمة الاقتصادية المضافة بقياس أداء الربح مقابل التكلفة المحسوبة لرأس المال والتي تتضمن تكلفة الدين وحقوق الملكية. وتخبرك القيمة الاقتصادية المضافة عن مدى فاعلية توليد الشركة للأرباح وفيما إذا كان الاستثمار المتزايد مستمرا في توليد الربح بالفعالية نفسها مع مرور الوقت.

العامل الآخر الذي يوجه إنشاء القيمة على المدى الطويل هو الابتكار حيث إن الشركات التي تبقى كما هي تتخلف في النهاية. وبشكل يقبل الجدل لا يوجد هناك شيء له احتمال أكبر للتأثير على إنشاء القيمة على المدى الطويل أكثر من الابتكار الاستراتيجي الناجح. وعلى مالكي الشركات العائلية أن يكونوا واعين للمبادرات الاستراتيجية الرئيسة وسبب المباشرة بها.

خلاصة:

يمكن لفهم الاستراتيجية أن يكون عامل تحدّ بالنسبة لمالكي الشركات العائلية مثل جان. ومع تقدم العمر بالشركات والعائلات التي تملكها، فإن توليد تفكير استراتيجي مفيد يلزمه تخطيط دقيق وعملية مشتركة. ومالكو الشركات مثل جان في حاجة إلى فهم عملية التخطيط الاستراتيجي لشركتهم، وهم في حاجة إلى معرفة أدوار الإدارة ومجلس الإدارة والمالكين في توليد الاستراتيجية. إضافة إلى ذلك فهم في حاجة إلى فهم التوازن بين الأرباح وتوزيعات ملكية الأسهم ومستويات إعادة الاستثمار.
وأخيراً، فإن مالكي الشركات العائلية مثل جان في حاجة إلى فهم "القصة الاستراتيجية" لشركاتهم وما الذي سيحمله لهم المستقبل في طريق التحديات والفرص. وعندما يرغب المالكون مثل جان في معرفة ما الذي يلزم لإنشاء قيمة بعيدة المدى، فإنهم يميلون إلى دعم إعادة الاستثمار بمستويات ملائمة معطين لشركاتهم الميزة الاستراتيجية الرئيسة للشركة العائلية.

الأكثر قراءة