بحوث السرطان تقف على عتبة تحديات جديدة

بحوث السرطان تقف على عتبة تحديات جديدة

لم يسبق لأي من الأمراض أن كان موضوعا لبحوث بمثل هذه الكثافة من قبل شركات الصناعات الدوائية مثل مرض السرطان. ولهذا فإن عدد الأدوية التي تستخدم في علاج السرطان والتي توجد في مراحل متقدمة من التطوير و تقف بالتالي على عتبة الترخيص لها يزيد عن عدد مثيلاتها في جميع المجالات الطبية. . وتتوقع مؤسسة ( آي إم إس – هيلث ) لبحوث التسويق، ذات المكانة الرفيعة في الأوساط الطبية، أن ما لا يقل عن أحد عشر دواء جديدا للسرطان ستطرح في الأسواق خلال السنة الحالية.
إن تمويل بحوث شركات صناعة الأدوية يجري توفيرها من سوق ينمو باستمرار، ففي عام 2010 يتوقع، وفقا لوجهة نظر بنك ميريل لينش للاستثمار أن يكون في العالم 1,5 مليون مريض جديد من مرضى السرطان ، علما أن التقديرات التي نشرت في العام الماضي كانت تتحدث عن 1,3 مليون مريض فقط.
أما سبب هذا التطور فهو تزايد احتمالات الإصابة بمرض السرطان نتيجة لارتفاع نسبة كبار السن بين السكان في البلدان الصناعية. ولهذا فإن سوق أدوية السرطان سيبلغ بحلول عام 2010 ما قيمته 50 إلى 60 مليار دولار. وهذا يعني الضعف خلال فترة قصيرة حيث إن قيمة سوق هذه الأدوية سيبلغ 25 مليار دولار فقط في السنة الحالية ، ويقدر بنك ميريل لينش أن نصف الزيادة سيكون مصدره أدوية تقوم شركات التكنولوجيا الحيوية حاليا بتطويرها وليس الأدوية التقليدية التي يقدمها فرع الصناعات الصيدلانية.
على هذه الخلفية يعتبر مؤتمر أتلانتا السنوي للجمعية الأمريكية للأورام على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لصناعة الأدوية. ولا يتوقع الأطباء والمحللون من الشركات الألمانية خلال هذا المؤتمر بيانات تشكل فتحا جديدا بقدر ما يتوقعون دراسات تكميلية ونتائج بحوث تتعلق بأدوية، بعضها موجود في الأسواق منذ فترة وجيزة ، ولكن يتوقع أن تنتشر مستقبلا على نطاق أوسع مما هي عليه الآن. وهذا ينطبق مثلا على دواء ( نيكسافار ) الذي تنتجه شركة باير المشهورة في مدينة ليفركوزن، ومن الجدير ذكره أن هذا الدواء قد سمح باستخدامه حاليا في كل من الولايات المتحدة وسويسرا في معالجة سرطان الكلى، وهو على وشك إجازته في النصف الثاني من عام 2006 في الاتحاد الأوروبي، حيث يجري حاليا تجربته في علاج أنواع أخرى عديدة من أمراض السرطان.
ففي مطلع أيار ( مايو ) الماضي بدأت شركة باير وشريكتها في عمليات تطوير الأدوية ( أونيكس ) في قبول مرضى للمرحلة الثالثة من مراحل الدراسة، وهي آخر التجارب السريرية التي تسبق تقديم طلب الإجازة لاستخدام الدواء في علاج سرطان الجلد والكبد . وكذلك تمر تجارب استخدام الدواء في علاج سرطان الرئة في آخر مراحلها، إضافة إلى البيانات المتعلقة بفعالية الدواء في إنقاذ حياة المرضى المصابين بسرطان الكلى تعرض شركة باير في أتلانتا سلسلة من النتائج الأخرى مستمدة من المرحلتين الأولى والثانية من مراحل الدراسة على هذا الدواء وهو أحد عقارين تعلق عليهما شركة باير آمالا كبيرة ، ويعتقد بعض الخبراء أن ثمة فرصة لأن تبلغ المبيعات السنوية من هذا الدواء ما قيمته أكثر من مليار دولار.
وأعلنت شركة ( جي بي سي بيوتيك ) المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية ومقرها مدينة ميونيخ، عن توفر معطيات جديدة لديها بشأن دواء (ساترابلاتين) المستخدم في علاج سرطان البروستاتا. ومن المفروض أن تمثل هذه المعطيات النتائج النهائية للمرحلة الثالثة من مراحل الدراسة، والتي ستكون متاحة في فصل الخريف المقبل لكي يجري استخدامها في طلب إجازة هذا الدواء. وتمثل إجازة هذه الأدوية انطلاقة بالنسبة لقطاع صناعات التكنولوجيا الحيوية الألمانية التي لا تزال تراوح في بداياتها. ومن المتوقع أن تتضاعف مبيعات شركة (جي بي سي بيوتيك) المدرجة أسهمها على مؤشر تيك – داكس بفضل دواء ساترابلاتين لتبلغ 20 مليون يورو خلال العام الجاري ، وذلك وفقا لما صرح به بيرنت زايتسينجر، رئيس مجلس الإدارة أمام الهيئة العامة لشركته قبل بضعة أيام . وستسهم في تحقيق ذلك شريكة (جي بي سي بيوتيك) العاملة في مجال التسويق المعروفة باسم شركة (فارميون) التي ستقوم بمهمة توزيع دواء ساترابلاتين في أوروبا كما ستقوم في الربع الأول من عام 2007 بتقديم طلب إجازة الدواء للسوق الأوروبية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فتريد شركة (جي بي سي بيوتيك) أن تتقدم بالطلب نفسه لسلطة الدواء هناك قبل نهاية عام 2006. وستقوم الشركة بنفسها بتسويق دواء ساترابلاتين في الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر سوق للأدوية في العالم.
وتتوقع شركة (جي بي سي بيوتيك) أن يصل الحد الأقصى للمبيعات السنوية من هذا الدواء ما لا يقل عن 500 مليون دولار. ويقول زايتسينجر إن دواء ساترابلاتين سيستخدم في علاج أنواع أخرى من السرطان، حيث ابتدأت الشركة في إجراء بحوث سريرية حول استخدام الدواء في علاج سرطان الثدي وسرطان الرئة.
وستحظى البيانات المتعلقة بالأجسام المضادة أيضا باهتمام المشاركين في مؤتمر أتلانتا، حيث من المعروف أن شركة روش السويسرية تقوم منذ مدة طويلة بتوزيع هذا المنتج تحت اسم (أفاستين) الذي يستخدم في علاج سرطان الأمعاء والثدي. أما شركة ميرك من مدينة دارمشتات، التي خسرت السباق ضد شركة باير فتقوم بتوزيع منتجها (إيربوتوكس) كدواء منافس، ووفقا لما يتوقعه محللون فإن شركة ميرك ستقوم مع شريكها الأمريكي (امكلون) بعرض بيانات مستخلصة من المرحلة الثالثة من مراحل دراسة حول سرطان الأمعاء في مؤتمر أتلانتا.
وفي حالة عدم إمكانية مقارنة الدراسات بشكل مباشر مع تجارب أفاستاتين، فإن بيانات الشركات المنافسة، كما يتوقع بنك ليمان برذرز الأمريكي، ستجري عملية تقييم لها، وحسب توقعات الخبراء فإن ثمة مجالا وافرا لحدوث مفاجآت إيجابية بالنسبة لشركة ميرك.
إن الجهود الجبارة المبذولة في مجال البحث لمكافحة مرض السرطان تستدعي أيضا دخول شركات أخرى إلى ميدان المنافسة، ولهذا فإن العارفين بشؤون قطاع الأدوية على قناعة تامة بأن الأرباح التي تجنيها إحدى الشركات من طرح دواء جديد في الأسواق سوف تتراجع بشكل واضح في السنوات المقبلة، حيث يقول بنك ميريل لينش في هذا السياق: "نحن ننطلق في ذلك من فرضية أن قيمة أي دواء جديد يطرح في الأسواق خلال السنوات الخمس المقبلة مقارنة بالظروف الراهنة ستنخفض في المتوسط بنسبة 40 في المائة. يضاف إلى ذلك أن العدد الأكبر من الأدوية المتاحة سيتراجع حجم مبيعاتها مما يستوجب مزيدا من نفقات التسويق، كما أن عقبات الحصول على ترخيص ستزداد في الوقت الذي ستزداد في أيضا تكاليف البحوث.
وفي هذه الأثناء يتكاثر عدد منتجي الأدوية المقلدين للأدوية الأصلية في سوق الأدوية المنتجة بالتكنولوجيا الحيوية وهم يحاولون الآن الحصول على تراخيص رسمية لأدويتهم، ومن المتوقع لهؤلاء المنتجين أن يبدأوا في طرح منتجاتهم من نسخ عن دواء (أيبو) في الأسواق الأوروبية ابتداء من العام المقبل. وأيبو هو عبارة عن هرمون حيوي يحفز النخاع على زيادة إنتاجه من كريات الدم الحمراء كما يستخدم في علاج السرطان.

الأكثر قراءة