شراكة البنوك مع صندوق التنمية العقارية والمخرج من أزمة الإسكان
جاء الأمر السامي بإنشاء صندوق التنمية العقارية في 1394هـ، في وقت كنا في أشد الحاجة إلى توفير السكن للمواطنين. ولكن الصندوق عجز عن مواكبة الطلب الهائل على القروض، وأصبحت لائحة الانتظار طويلة وتصل إلى 15 سنة أحياناً. وإحساساَ من الدولة بضرورة دعم الصندوق فقد تم العام الماضي ضخ مبلغ 18 مليار ريال في ميزانيته. حيث إن الإسكان والإقراض والتمويل يعتبر الشغل الشاغل لمعظم دول العالم. وتقوم عادةً المنظمات الدولية بالإشراف على مشاكل الإسكان وتلبية الحاجة الكافية إلى إسكان الشعوب وخاصة الفقراء. وقد أسهم الصندوق في إتاحة السكن المريح للمواطنين إلا أنه سبب نوعا من الانتشار الأفقي للمدن وظهور أنماط عمرانية غير متناسقة بسبب عدم تهيئة البنية التحتية والعمرانية والمخططات قبل تقديم القروض. كما أنه لم يسهم بأية طريقة في إثراء البحث العلمي أو توفير قاعدة معلومات قوية تكون أساسا رائداً لحل مشاكل الإسكان التي لن تتم بدون توفير قاعدة صلبة من المعلومات والبحث العلمي لاحتياجات المجتمع الفعلية ومخزون الإسكان الحالي والاحتياج المستقبلي، ومدى تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المدى الطويل. والتوجه المستقبلي وما إذا كان المجتمع السعودي سيتحول إلى السكن في الشقق أم لا؟ وأن يتم التخطيط المسبق لتطوير الأحياء السكنية المتكاملة وتوصيل الخدمات إليها قبل إعطاء القروض أو المنح على أن تقتطع تكلفة التطوير من القرض. ولحل مشاكل الإسكان فإنه لا بد من وضع استراتيجية وطنية متكاملة للإسكان تنبع من نظام اقتصادي متكامل للدولة، ومرتبط بالدستور ليكفل لها الحماية القانونية، مع الالتزام بالعدالة والصرامة في تطبيق القوانين. مع الأخذ في الحسبان آليات وأساليب التمويل، ومساهمة القطاع الخاص. وهو القطاع الذي يعاني ويحجم عن الاستثمار في الإسكان بسبب عدة عوامل أهمها عدم القدرة على إخلاء العقار من المستأجر الذي يتأخر في السداد.
وخلال الأربعين سنة الماضية لم يحدث أي تطوير أو قفزة نوعية في خدمات الإقراض العقاري للصندوق. حيث لا يزال الروتين والبريوقراطية والنماذج البالية والقديمة منذ بدء عمل الصندوق كما هي بدون أي تطوير أو تحديث. أو حتى تغير للمواصفات المطلوبة من طالبي القروض. كما تشير التقارير إلى أن الطلبات المقدمة للقروض قد وصلت إلى 400 ألف طلب في نهاية 2005م. بينما معدل القروض التي يقدمها الصندوق سنوياَ بمعدل 6000 قرض. مما يعني أن الانتظار سيتعدى 60 سنة.
قد يكون الحل هو التخصيص وطرح الصندوق للبنوك وشركات التطوير والتمويل في القطاع الخاص لزيادة حجم التمويل ليتناسب مع الطلب الحالي وفق دراسة مبنية على أسس منظمة كانت تقوم الشركات بطرح فكرة الضواحي، وذلك بتطوير أحياء سكنية نموذجية ومخططة وحول مدينة الرياض. وأن يتم تفعيل دور القطاع الخاص في تمويل مشاريع الإسكان والبنية التحتية للأحياء السكنية والمساهمة في الأبحاث والتطوير لاحتياجاتنا السكنية وأسهل أوفر الطرق لتنفيذها. إن مساهمة البنوك ما زالت تحت التمحيص والمساءلة. فماذا قدمت البنوك للاقتصاد الوطني غير محاولة الاستفادة من الودائع والقروض أو التقسيط وبعمولات عالية لا يستفيد منها إلا البنوك. وتقوم باستثمارها في صناديق دولية وتستفيد أرباحا عالية ولا ترد إلى المستهلك كعائد إلا القليل.
وينتظر الجميع إقرار نظام الرهن العقاري والذي يعتبر الأداة المحركة لحل مشكلة الإسكان. حيث من المتوقع أن يصل حجم الطلب على المساكن في المملكة في نهاية عام 2020م يقارب أربعة ملايين وحدة سكنية، أي ما يعادل 250 ألف وحدة سكنية سنوياَ. وتشير التوقعات إلى أنه إذا استمرت الموارد الحالية للصندوق على وضعها الحالي، فإنه لن يتمكن من تلبية سوى 20 في المائة من مجمل الطلبات. وذلك بسبب الصعوبات التي يواجهها الصندوق في تحصيل مستحقاته، رغم زيادة مخصصاته من قبل الدولة، مما يتطلب معه التفكير جديا في طرق بديلة إما بتحويله إلى بنك عقاري، كما هو قائم في معظم دول العالم، أو تحويله إلى البنوك الحالية وشركات القطاع الخاص.
وتشير الإحصاءات إلى أن التمويل المطلوب لتنفيذ البنية التحتية نحو 950 ألف مليون ريال سعودي، وذلك لتمويل في حدود 2400 مليار ريال لمتطلبات الإسكان خلال العشرين سنة القادمة، ومن المتوقع أن ينمو قطاع الإسكان بنحو 5 في المائة سنوياً، وأن يصل عدد الوحدات السكنية المطلوبة حتى سنة 2025م نحو أربعة ملايين وحدة سكنية، وجدير بالذكر أن مجمل متطلبات تمويل الإسكان في المملكة لسنة واحدة قد يصل إلى نحو 100 ألف مليون ريال.
الحلول والتوصيات:
هناك ثلاثة محاور يجب التركيز عليها لمواجهة الطلب على الإسكان:
1 - الشرائح أو الفئات المستفيدة من الإسكان (شريحة متوسطة الدخل، ومحدودة الدخل، وتحت خط الفقر).
2 - نوعية الطلب المستقبلي (هل نتغير اجتماعياَ ونتحول إلى شقق أم فلل).
3 - الضواحي المتكاملة من بنية تحتية ومبان حول المدن والحوافز لتشجيع مشاريع الإسكان في القرى.
وهذه المحاور لا بد أن تدرس في ضوء الاستفادة من التجارب العالمية. حيث إن معظم الدول تقوم بتجهيز الأراضي بالبنية التحتية قبل البناء، كما تقوم بتأسيس الإطار القانوني للتمويل الميسر طويل المدى والرهن العقاري. والتركيز على التنمية الريفية. والتجارب التي تمت في ذلك كثيرة خاصة في أوروبا وأمريكا والمكسيك وتشيلي والإمارات.
ومن هذا المنطلق، فإنني أرى أن أهم التوصيات التي يجب تناولها لحل مشكلة الإسكان هي كالتالي:
1 - ضرورة مساهمة القطاع الخاص في التمويل العقاري عن طريق المصارف التجارية لتطوير البنية التحتية، وإقامة مشاريع سكنية متكاملة يتم طرحها بأقساط ميسرة طويلة الأجل. وتطبيق العقوبات القانونية على من لم يلتزم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. أو طرحها لشركات القطاع الخاص وفق دراسة مبنية على أسس منظمة كأن تقوم الشركات بتطوير ضواح وأحياء سكنية نموذجية.
2 - سرعة إقرار نظام الرهن العقاري، وتمكين البنوك من رهن العقار، وتوفير نظام التمويل والبيع بالتقسيط أو التمليك. وذلك للمساهمة في تمويل إقامة المشاريع السكنية وبيعها بأقساط مريحة. والتوسع في زيادة إنشاء شركات التمويل والتطوير العقاري، وذلك لزيادة حجم الطلب على خدمات تلك الشركات.
3 - تطوير نماذج ومتطلبات واشتراطات وبيروقراطية عمل صندوق التنمية العقارية وطريقة تحصيل القروض.
4 - مساهمة مؤسسات القطاع العام والخاص في منح قروض سكنية لموظفيه، كالمتبع في شركة أرامكو، و"سابك"، وذلك لتخفيف الطلب على الإسكان.
5 - إنشاء قواعد معلوماتية إسكانية متخصصة، حيث تعتبر المعلومة الصحيحة هي الأساس الذي تبنى عليه السياسات والخطط والبرامج، وتختص بالعقار والمساكن، ومن خلال عمل أبحاث ميدانية إحصائية واستحداث مؤشر لأسعار العقارات.
6 - عدم منح القطع السكنية إلا بعد التخطيط المتكامل وتوفير البنية التحتية.
7 - سن التشريعات والإطار القانوني الذي يحمي حقوق المستثمر، وخاصة في حالة عدم خروج المستأجر. حيث إن القطاع الخاص يعاني ذلك وهو سبب إحجامه عن المساهمة في حل مشكلة الإسكان.
8 - الاهتمام بالتصاميم الهندسية الجيدة والإشراف الهندسي المهني.
9 - تشجيع الاستثمار الأجنبي في مجال الإسكان، وذلك لن يتم دون ضمان الإطار القانوني والتشريعي الذي يحميه..
10 – القضاء على الازدواجية الحالية، وتوحيد المسؤولية في هيئة عليا للإسكان تقوم بالتنسيق مع الآخرين وتقوم بتوظيف كفاءات متخصصة لاعمالها.
11 - محاولة الاستفادة من الأراضي الحكومية للإسكان ومشاركة القطاع الخاص وذلك بإعادة تدوير واستغلال بعض الأراضي والممتلكات الخامدة لبعض الجهات الحكومية لتطوير مشاريع الإسكان.