البنوك الإسلامية سبقت غيرها في ريادة وتوطيد فكرة صناديق الاستثمار
تعد صناديق الاستثمار من أهم صيغ تعبئة المدخرات في الوقت الحاضر، ولا ريب أن ما نقرأه في كل يوم عن انتقال الرساميل الضخمة لغرض الاستثمار بين أسواق العالم ما هو إلا شاهد بأهمية هذه الصناديق.
إن صناديق الاستثمار مهمة للمسلمين اليوم فهي يمكن أن تكون أداة ووسيلة لتحقيق التكافل الاقتصادي بين المسلمين، وذلك بتسهيل نقل المدخرات من دول الفائض إلى دول العجز وأن تكون توطئة لأسلمه البنوك وجزءاً من برنامج لتوطيد دعائم العمل المصرفي التقليدي في أي بلد من بلاد المسلمين. وفي المملكة العربية السعودية تسوق البنوك نحو 200 صندوق استثماري برصيد نحو 140 مليار ريال أكبرها جميعاً وأكثرها ربحاً هو الصناديق الإسلامية.
وسوف نبدأ أولاً بالتعريف بالصناديق وأنواعها كما هي في العمل المصرفي التقليدي ثم ننتقل إلى الصناديق الإسلامية.
1) ما هي صناديق الاستثمار؟
صناديق الاستثمار هي محافظ تجتمع فيها المدخرات الصغيرة لتكون حجماً من الأموال يمكن أن يستفيد من ميزات التنويع، الذي يؤدي إلى تقليل مخاطر الاستثمار. وتؤسس هذه الصناديق على صفة شركة استثمار Investment Company تشرف عليها جهات حكومية متخصصة لغرض الرقابة والتوجيه. وتقوم هذه الصناديق بجمع الاشتراكات عن طريق إصدار وحدات استثمارية متساوية القيمة عند الإصدار شبيهة بالأسهم.
2) أهمية الصناديق الاستثمارية في النظام الاقتصادي الإسلامي:
قليلون هم الذين يدركون أن البنوك الإسلامية كان لها قصب السبق وفضل الريادة في توطيد فكرة صناديق الاستثمار. ذلك أن نموذج المصرف الإسلامي معتمد على الفكرة الأساسية نفسها التي تمثل تطوراً في الوساطة المالية. فعقد المضاربة الذي اعتمد عليه عمل البنوك الإسلامية، لا يجعل المصرف مقترضاً من أرباب الأموال، كما لا يولد علاقة مديونية بين المصرف ومصادر أمواله، بل يجعل المصرف في مكان مدير الأموال ويتولد دخل المصرف بصفة أساسية من قدرته على إدارة هذه الأموال وتوجيهها نحو أفضل أنواع الاستخدامات من حيث الربح والمخاطرة. ولكنه لا يتولد من تحمل المصرف المخاطرة الائتمانية نيابة عن أصحاب الأموال. فإذا خسرت الاستثمارات خسر أصحاب الحسابات الاستثمارية بخلاف البنوك التقليدية التي تضمن هذه الأموال لأصحابها.
من الجلي إذاً أن المنطق نفسه الذي كان أساس ظهور الصناديق الاستثمارية وانتشارها ونموها، هو المنطق نفسه الذي اعتمد عليه عمل نموذج المصرف الإسلامي الذي يعتمد في جانب الخصوم على عقد المضاربة.
وبينما أن البنوك التجارية لم تتعرف على أنواع الاستثمارات التي تكون خارج نطاق الميزانية إلا بإداراتها الصناديق الاستثمارية، فإن نموذج المصرف الإسلامي اعتمد استثماراته أموال الآخرين خارج نطاق ميزانيته، لأنها غير مضمونة على المصرف.
3) الصناديق الإسلامية:
إن ظاهرة صناديق الاستثمار الإسلامية حديثة لا تعود إلا إلى عدد قليل من السنوات. ويقصد بصندوق الاستثمار الإسلامي ذلك الذي يلتزم المدير فيه بضوابط شرعية تتعلق بالأصول والخصوم والعمليات فيه، خاصة ما يتعلق بتحريم الفائدة المصرفية. وتظهر هذه الضوابط في نشرة الإصدار التي تمثل الإيجاب الذي بناء عليه يشترك المستثمر في ذلك الصندوق، وفي الأحكام والشروط التي يوقع عليها الطرفان عند الاكتتاب. ولا يقتصر تسويق الصناديق الإسلامية وإدارتها على البنوك الإسلامية بل يمكن القول إن أكثر الصناديق الإسلامية إنما يسوقها ويديرها البنوك التقليدية. وتمثل هذه الصناديق إحدى أهم الوسائل لدخول هذه البنوك في سوق الخدمات المصرفية الإسلامية دون الحاجة إلى تغير هيكلها الإداري أو نظام عملها وترخيصها.
وسوف نعرض أدناه لأهم أنواع الصناديق الإسلامية
أ) صناديق الأسهم الإسلامية:
لقد ظهرت صناديق الاستثمار الإسلامية بالأسهم استجابة لرغبات ذوي الالتزام من المسلمين الذين يحرصون على المباح من الدخل. يمكن القول إن الشركات المساهمة نوعان، تلك التي يكون نشاطها غير مباح مثل البنوك الربوية أو الشركات التي تعمل في بيع الخمور.. إلخ، فهذه لا يجوز المساهمة فيها ألبتة، وهذا ما نصت عليه قرارات المجامع الفقهية وفتاوى أفراد العلماء. إلا أن السواد الأعظم من الشركات هو ذلك الذي يكون أصل نشاطه مباحا إلا أنه يمارس في مجال عمله بعض النشاطات أو الأعمال التي لا تجوز مثل أن يقترض بالفائدة أو يودع الأموال لدى البنوك الربوية اختلف نظر الفقهاء المعاصرين في هذا النوع من الشركات فمن قائل لا يجوز الاستثمار فيها إذ لا يختلف حكمها في نظرهم من الأولى، ومن قائل لا بأس من الاستثمار فيها وتقدير الدخل الحرام لإخراجه مما يتحقق للمستثمر من ريع.
لقد أسست صناديق الأسهم الإسلامية على الرأي الثاني، أن يقوم عمل الصندوق عندئذٍ على مبدأين أساسيين، الأول: هو اختيار الشركات التي يكون أساس نشاطها مباحا فلا يستثمر في البنوك أو الشركات المنتجة للمواد المحرمة، والثاني: أن يحسب المدير ما دخل على الشركات التي تكون أسهمها في الصندوق من إيرادات محرمة مثل الفوائد المصرفية ثم يقوم باستبعادها من الدخل الذي يحصل عليه المستثمر في الصندوق، والثالث: أن يتقيد بشروطه صحة البيع فلا يشتري أسهم شركة تكون أصولها من الديون أو النقود (لعدم جواز بيع الدين لغير من هو عليه بالحسم) ولضرورة التقييد بشروط الصرف في حالة النقود. ولما كانت الشركات لا تخلو من نقود وديون في موجوداتها، أعمل الفقهاء المعاصرون قاعدة للكثير حكم الكل فإذا كانت الديون قليلة كان الحكم للغالب الكثير لا للقليل وحد القلة الثلث ولذلك إذا كات هذه الديون أقل من الثلث كان الحكم للغالب وليس للقليل. والرابع: ألا يمارس المدير في الصندوق عمليات غير جائزة مثل البيع القصير للأسهم أو الخيارات المالية أو الأسهم الممتازة.
ب) صناديق السلع:
ومن الصناديق الإسلامية ما كان نشاطه الأساس شراء السلع بالنقد ثم بيعها بالأجل، ونظراً إلى خصوصية عمل الصندوق، وضرورة أن تكون المخاطرة فيه قابلة للقياس بدقة، وأن يكون بيد المدير ما يمكنه من توجيه الأموال في الصندوق بطريقة تحقق أكبر قدر ممكن من السيولة، اتجهت هذه الصناديق بصفة أساسية إلى أسواق السلع الدولية وليس تمويل العمليات المحلية إذ يقوم المصرف مباشرة بمثل ذلك. ومن جهة أخرى، فإن تطور أسواق السلع الدولية ووجود جهات متخصصة يمكن الاعتماد عليها في تنفيذ عمليات الصندوق بأجر، تتوافر عليها الخبرات والقوة المالية أضحت تلك الأسواق مكاناً مناسباً لعمل صناديق السلع. وتحتاج إلى تمويل مخزونها. والسلع المقصودة هي السلع الأساسية التي لها أسواق بورصة منظمة مثل الألمنيوم والنحاس والنفط.
ولصناديق الاستثمار في السلع الإسلامية ضوابط، منها: أنها تقتصر على السلع المباحة وتلك التي يجوز شراؤها بالنقد وبيعها بالأجل، فيستثنى من السلع الذهب والفضة. ويمكن أن تعمل صناديق السلع بصيغة البيع الآجل، أو المرابحة، أو السلم وكل تلك صيغ قابلة للتطبيق في أسواق السلع الدولية.
ب) (1) صناديق المرابحة:
تقوم صناديق المرابحة على التمويل بالأجل بطريق المرابحة، خاصة في أسواق السلع الدولية. فيقوم الصندوق بشراء كمية من سلعة الحديد مثلاً بالنقد، ثم بيعها إلى طرف ثالث (غير من اشتراها منه) بالأجل. ويكون الأجل قصيراً في الغالب يراوح بين شهر وستة أشهر. ويستفيد من عمليات التمويل الشركات المتعاملة في أسواق السلع لتمويل المخزون، ومصافي النفط لتمويل حصولها على الخام وشركات المواد الأولية كالسكر ونحوه. وجلي أن أصول هذه الصناديق هي ديون تتعلق بذمة العملاء الذين اشتروا هذه السلع ويتحدد مقدار المخاطرة بالتصنيف الائتماني للمدين. ولذلك يمكن لمدير الصندوق التحكم بمقدار المخاطرة بحيث تكون عند المستوى الذي يرغبه المستثمرون.
وتثير هذه الصناديق إشكالاً شرعياً، إذ إن بيع الدين لا يجوز في الشريعة إلا إلى من هو عليه وبشروط تخرجه من الربا والغرر. ولذلك فإن توفير السيولة في وحدات الصندوق للمستثمرين يؤول إلى بيع الدين الممنوع.
ب) (2) صناديق السلم:
السلم بيع يؤجل فيه قبض المبيع ويعجل فيه قبض الثمن. وهو من البيوع الجائزة ومن شروطه أن يكون في سلعة قابلة لأن تكون موصوفة في الذمة، فلا يجوز في معين ولا فيما لا يقدر على تسليمه في الأجل، وأن يدفع الثمن كاملا في مجلس العقد، وتحديد أجل ومكان التسليم.
ويمكن توليد الربح من بيوع السلم في الصناديق الاستثمارية عن طريق الدخول في عقد سلم محله بضاعة موصوفة في الذمة كالقمح أو الشعير أو الزيوت.. إلخ. تسلم إلى الصندوق بعد 90 يوماً مثلاً. ولكن الصندوق لا يرغب حتماً في تسلم السلعة كما لا يجوز له بيع بضاعة السلم قبل القبض لأنها دين والدين لا يجوز بيعه لغير المدين بشروطه. ولذلك فإن الصندوق يدخل في عقد سلم موازٍ أي أنه بيع سلعة مماثلة بالشروط نفسها وتاريخ التسليم مع اختلاف المدة. أي أن السلم الأول مدته 90 يوماً والثاني 30 يوماً ويحقق الربح من فرق السعر نتيجة تغيرات الأسواق، ومن الزيادة من أجل الأجل.
ج) صناديق التأجير
عقد التأجير من العقود التي تقدم إمكانات تمويلية ممتازة، يمكن أن تكون بديلاً للقروض وتغطي حاجة المتمولين دون الاضطرار إلى المعاملات الربوية.
وعقد الإجارة هو عقد محله منافع أصل قادر على توليد هذه المنافع كالسكنى بالنسبة إلى المنزل أو النقل بالنسبة إلى السيارة.. إلخ. فهو من هذا الباب عقد بيع للمنافع ولذلك يشترط فيه ما يشترط في عقد البيع من أركان لصحته.
وعقود التأجير في الولايات المتحدة تعد نشاطاً مالياً عظيماً الباعث عليه عندهم الفوائد الضريبية التي تتحقق عندما تقوم الشركة بالاستئجار بدلاً من الشراء أو الاقتراض، والمنافع المالية والائتمانية الأخرى.
ويعتمد عمل صناديق التأجير على امتلاك الصندوق الأصول المؤجرة مثل المعدات والسيارات والطائرات وأحيانا العقار، وتولد الدخل من الإيرادات الإيجارية.