نفط غرب إفريقيا يثير شهية الشركات العالمية في ظل عدم استقرار الشرق الأوسط

نفط غرب إفريقيا يثير شهية الشركات العالمية في ظل عدم استقرار الشرق الأوسط

مع تنامي المشكلات التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط مما يثير الكثير من المخاوف بشأن استقرار تدفق إمدادات النفط من هذه المنطقة بدأت الدول الغربية تتجه نحو غرب إفريقيا ووسطها باعتبارها المصدر البديل للنفط بعد أن أسفرت عمليات التنقيب والاستكشاف عن ظهور كميات هائلة من
النفط في هذه المناطق.
وأصبحت المنطقة الممتدة من خليج غينيا إلى السودان ساحة تنافس ضار بين شركات الطاقة العالمية التي تبحث عن خام نفط عالي الجودة وسهل التكرير، وهو ما يتميز به الخام في هذه المنطقة من العالم. ورغم أن المناخ السياسي في غرب إفريقيا ووسطها يبدو أشد ودية واستقرارا مقارنة بالشرق الأوسط فإنه لا يمكن التنبؤ بتطورات الأحداث في قارة إفريقيا بشكل عام في ظل تعدد بؤر التوتر السياسي والعرقي فيها وانتشار الجريمة والفساد في العديد من الدول المنتجة للنفط.
ورغم أن استمرار عمليات التنقيب عن النفط في قارة إفريقيا يمكن أن يؤدي إلى طفرة في التدفقات النقدية على القارة السمراء بصورة لم تحدث من قبل في تاريخها، فإن المراقبين يخشون من أن تكون هذه الثروة "نقمة" وليست نعمة بالنسبة للشعوب الإفريقية لأنها قد تدعم أنظمة الحكم الديكتاتورية الفاسدة مع استمرار فقر الشعوب.
وأصبح نصيب إفريقيا من إجمالي إنتاج النفط العالمي 11 في المائة، في حين تتوقع الدراسات وصول هذا الرقم إلى 30 في المائة بحلول 2010. كما تمتلك القارة السمراء نحو 10 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي. وتسهم كل من نيجيريا وليبيا ومصر والجزائر بنحو 80 في المائة من إنتاج القارة من النفط حاليا الذي يقدر بنحو عشرة ملايين برميل يوميا. وبدأ خلال السنوات القليلة الماضية انضمام دول إفريقية أخرى إلى قائمة منتجي هذه السلعة الإستراتيجية مثل الجابون، الكونغو، الكاميرون، غينيا الاستوائية، تشاد، والسودان. وأصبحت موريتانيا أحدث أعضاء النادي النفطي في القارة الإفريقية عندما بدأت أخيرا تصدير كميات تجارية من النفط الذي تستخرجه شركة أسترالية بطاقة وصلت إلى 75 ألف برميل يوميا. وهناك احتمالات قوية بشأن وجود احتياطيات كبيرة من النفط في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تطالب بإقامة دولة مستقلة في هذه المنطقة تحت اسم الجمهورية الصحراوية. وبسبب هذا الصراع الحالي فإنه من الصعب استغلال الثروة النفطية في هذه المنطقة من القارة الإفريقية التي تتسم بمزايا إضافية أهمها قربها من سوق الاستهلاك الرئيسية للنفط في أوروبا.
واستثمرت بالفعل الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات في قطاع الطاقة في غرب إفريقيا بعد أن ازدادت أهمية القارة بالنسبة لاستراتيجية الطاقة الأمريكية، حيث أصبحت الولايات المتحدة تستورد نحو 15 في المائة من وارداتها النفطية من إفريقيا. وأصبح قطاع الطاقة نقطة الجذب الرئيسية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا، حيث يتجه أكثر من نصف هذه الاستثمارات إلى القطاع مع ظهور لاعبين جدد في سوق الطاقة العالمية مثل الصين والهند لمنافسة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة التي انفردت على مدى سنوات عديدة بالاستثمار في قطاع الطاقة في إفريقيا. ورغم أن ظهور النفط في أي دولة في العالم يعد خيرا بشكل تلقائي فإن هناك أصواتا عديدة تعرب عن قلقها من الأضرار التي يمكن أن تلحق بشعوب هذه القارة الأكثر فقرا في العالم بعد ظهور الذهب الأسود في أراضيها. وترى هذه الأصوات أن ظهور النفط وازدياد الأهمية الاستراتيجية لدول القارة سيدفع الدول الكبرى إلى التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان وفساد أنظمة الحكم في العديد من الدول الإفريقية مقابل ضمان استمرار تدفق النفط إليها. ويشكل البعد الأمني الهاجس الأشد حضورا عند الحديث عن تطور قطاع النفط الإفريقي خاصة في ظل وجود العديد من الصراعات العرقية والأهلية في الدول المنتجة من تشاد إلى
السودان ومن نيجيريا إلى الكونغو. إضافة إلى المخاوف من تسلل العناصر الإرهابية إلى بعض المناطق في القارة التي لا تخضع لسيطرة محكمة من جانب الحكومات المركزية. ويرى بعض نشطاء حقوق الإنسان أن شركات النفط الغربية تتحالف مع أنظمة فاسدة أو ميليشيات غير قانونية في بعض دول القارة من أجل ضمان تدفق النفط، وهو الأمر الذي يهدد مصالح
الغالبية العظمى من شعوب القارة الإفريقية. وبعيدا عن حقائق الوضع الداخلي للدول الإفريقية فإن القارة ستشهد صراعا حاميا بين الشركات والدول الغربية من جهة والدول المنضمة بقوة إلى سوق مستهلكي النفط وبخاصة الصين والهند من ناحية أخرى.
وشهدت بالفعل الفترة الماضية تحركات قوية من جانب الشركات الصينية والهندية من أجل الحصول على حقوق امتياز التنقيب عن النفط في العديد من مناطق القارة الإفريقية. وكانت الخطوة الأحدث في هذا الاتجاه من جانب الصين التي اشترت حصة كبيرة في ثلاث مناطق لإنتاج النفط في أنجولا أمس الأول من خلال شركة سينوبيك المملوكة للدولة الصينية.
وتتيح هذه الصفقة للصين الحصول على نحو 100 ألف برميل يوميا من هذه المناطق بدءا من العام المقبل. وفي كل الأحوال فإن كل الاحتمالات قائمة فيما يتعلق بالآثار التي يمكن أن يتركها تفجر ثروة النفط في إفريقيا سواء بالنسبة لشعوب القارة أو بالنسبة لأسواق النفط العالمية.

الأكثر قراءة