سوق الأسهم يقضي على إنتاجية الفرد
أغرت أرباح المضاربة التي تتم بشكل يومي في سوق الأسهم بدخول شرائح مختلفة من أفراد المجتمع في هذا السوق دون تخطيط أو دراية أو علم أو معرفة بما يمكن أن يؤول إليه هذا الوضع الخطير جدا. وأصبح سوق الأسهم الحديث الأهم لمختلف فئات المجتمع بدءا من رجال الأعمال ومروراً بالموظفين والموظفات وانتهاء بالطلاب والطالبات، بل حتى السائقين والخادمات.
هذا الإقبال العجيب والغريب أصبح له تأثير واضح على مختلف نشاطات الحياة الأخرى بصفة عامة وعلى أداء وإنتاجية الموظف بصفة خاصة، فقد أصبح جلّ اهتمام كثير من الموظفين والموظفات في القطاع الحكومي والخاص هو متابعة سوق الأسهم ووضع الشركات ومراقبة العوامل المؤثرة في هذا السوق سواءً كانت حقائق أم شائعات وتوسع هذا الأمر تدريجيا ليؤثر في أداء الفرد وإنتاجيته، فهو طوال اليوم يحمل همَ محفظة أسهمه ماذا حصل فيها هل ستزيد الأرباح أم ستقل؟ هل سيتأثر رأس المال أم سيبقى كما هو؟ ومن تتوافر لديهم أجهزة اتصال أو اشتراك في بعض خدمات المعلومات، فهم باستمرار أمام شاشات هذه الأجهزة حتى لو كان المرء في اجتماع أو لقاء، فتجده ينظر باستمرار إلى هاتفه فإن سأله أحد ما يشغلك فيقول "منتظر مكالمة مهمة أو رسالة ضرورية" فيصبح شارد الذهن مشغول البال بل إن وضع أسهمه يظهر على ملامح وجهه، وهذا الوضع لا يساعد بأي حال من الأحوال على مواصلة العمل أو الإنجاز ويؤثر بشكل كبير في مصالح المجتمع وتطوره.
إن المنشغلين بمتابعة الأسهم من الموظفين والموظفات يعملون تدريجياً على القضاء على مستقبلهم الوظيفي، فالعمل بالنسبة لهم أصبح أمراً ثانوياً لأن راتبهم الشهري لم يعد ذا أهمية لأن الأسهم بالنسبة لهم هي الأساس، وبالتالي فإن الاهتمام بإنجاز أعمالهم المكلفين بها وتطويرها والتفكير المتواصل حول سبل إيجاد الحلول للمعوقات أو الصعوبات التي تعترضها بات أمراً ثانوياً لأن طاقتهم قد تم تسخيرها في مجال متابعة الأسهم، بل حتى التدريب وتطوير القدرات والمهارات لم يعد موجها لمجال العمل، بل لمجالات القراءة والتحليل والتدقيق لأوضاع الشركات المساهمة، وكيفية قراءة السوق.
إن في هذا الوضع خطرا كبيرا على إنتاجية الفرد التي هي أساس الاقتصاد وهو رأس المال الحقيقي، وبالتالي هناك خطر كبير على اقتصادنا حيث إن من شغل نفسه بالأسهم وهو موظف فلن يركز في عمله بأي حال من الأحوال، بل سيقتطع جزءا من وقت العمل لمتابعة أسهمه وسيستغل الإمكانات المتاحة له في العمل كشبكة الإنترنت أو الصحف أو المجلات أو غيرها من العلاقات والوسائل الأخرى لمتابعة أرباحه في سوق الأسهم وكل ذلك سيضر بالعمل الذي يقوم به وبالنتائج المرجوة منه مما سينعكس على النشاط بشكل عام.
لا بد لجميع مَن يعمل في سوق الأسهم أن يتقي الله في عمله الرئيسي، وأن يخلص في أن يجعل كل دقيقة يقضيها وكل مكالمة يقوم بها لعمله الأساسي الذي دفع له كامل الأجر عن ذلك، وإن أراد الدخول في سوق الأسهم كمضارب فله أن يوكل في هذا الجانب أحد المختصين والمتفرغين للعمل في هذا المجال، فهو لن يتمكن من الجمع بين العملين وبكل تأكيد سيؤثر أحدهما في الآخر سلباً.
إن آثار سوق الأسهم واضحة المعالم وتأثيرها أصبح ظاهراً في كل شؤون حياتنا من وسائل إعلام كالقنوات الفضائية والأخبار الصحافية وحتى السيولة المالية تم تحويلها من المجالات الإنتاجية لتصب في سوق الأسهم المحلية أو الدولية والتي أضحت الشغل الشاغل لمعظم الناس.
إننا في حاجة إلى وقفة صادقة أمام هذا الوضع الجديد فقد شغلنا سوق الأسهم عن مصالحنا الرئيسة وعن شؤوننا العائلية وعن أداء كثير من واجباتنا وأولوياتنا حتى قضى على إنتاجيتنا، فهل من وقفة تأمل وتدبر وعودة وتصحيح للوضع قبل أن يقضى علينا.
إنها كلمة نادى بها الكثير وكررها العديد من المهتمين موجهة للمسؤولين عن شؤون سوق الأسهم من وزراء وغيرهم في هذا الوطن الغالي، بضرورة دراسة وضع السوق وتوسيع قاعدته والحد من المضاربات التي أنهكت كاهل السوق وأصبح العائد الحقيقي لأفضل شركات الأسهم منخفضا جداً لا يتجاوز 2 أو 3 في المائة ووجهت الثروات بدلاً من الاستثمارات الحقيقية في صناعة أو تجارة إلى هذا السوق الذي ينذر بكارثة إن لم نبادر بحلها والحد من مخاطرها فستقضي على الأخضر واليابس.