بعض فرص وتحديات الاقتصاد السعودي.. كيف يجب أن نتعامل معها؟

نحن أمام فرص كبيرة وهائلة بكل ما تحمله الكلمتان من معنى، وأراد الله لنا أن نكون أمام تحد من نوع جديد وهو كيفية استغلال الثروة بما يعود على الأمة بالخير والنفع والديمومة، فنحن نعيش حالة جديدة كليا لأن أجزاءها متعددة ومتشعبة، فليس الجانب المادي هو المتغير الوحيد في العقد الأول من الألفية الثالثة، وذلك بخلاف الطفرات السابقة ورغم تأثيراتها الاجتماعية، ولكن جميع الأجزاء في حالة حِراك واضح وإذا لم تُستغل وتُوظف إيجابا فقد لا سمح الله تكون حسرة ووبالا.
وفي هذه الأجواء المتلاطمة محليا ودوليا ومع هذا الحراك على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الدينية محلياً، هناك بكل تأكيد تحديات واضحة أمام الجميع من القيادات العليا وإلى رب الأسرة في توفير احتياجاتها وفي تعليم أبنائه وبناته وكيف يوجههم التوجيه السليم. السؤال إذاً: كيف يمكن توظيف الأجواء الإيجابية وتحييد أو إدارة النواحي السلبية للتقليل من أضرارها حتى نصل إلى بر الأمان ونحقق الأهداف التي يمكن اختصارها محليا بالتنمية المستدامة، ودوليا بالمحافظة على مكتسبات الوطن ودوره الإقليمي والدولي الفاعل والمؤثر وليس المتفاعل فقط؟
إن الجانب الأول الرئيس في هذه الفرص هو الإيرادات المالية الضخمة التي أنعم الله بها علينا ووهبناها من غير حول لنا ولا قوة، وهو القاطرة التي يمكن أن تقود إلى تحقيق الأهداف ولكن نحن نحتاج إلى وضوح الأهداف على مستوى الوطن بشكل أكثر تفصيلا وعلى مستوى جميع المشتركين في هذا الوطن، مؤسسات وأفرادا. الإيرادات المادية بلا شك تساعد على تسهيل الإنجاز ولكنها ليست شرطا وقد شاهدنا العديد من الدول تحقق المعجزات بلا دخل مادي يذكر لهذه الدول وماليزيا وإسبانيا خير وأقرب مثال. وعليه يجب توجيه هذه الإيرادات إلى الأهداف الاستراتيجية والعمل بشكل صادق على تقليل التوجه الاستهلاكي المحموم، مرة أخرى الاستهلاك هو عجلة الاقتصاد ولكني أعني الاستهلاك المنضبط، حيث إن معدلات الاستهلاك أصبحت كبيرة حتى بالمعايير الرأسمالية، وأكبر دليل معدل النفايات للفرد في المملكة مقارنة بالدول الأخرى، حيث تجاوز الضعف تقريباً. كما يجب وبشكل سريع العمل على توفير قنوات مختلفة المستوى والمدد والمخاطر للادخار والاستثمار. وهي ضرورة لا يختلف عليها اثنان، ويجب أن نعي أن هناك تضاربا بين الادخار والاستثمار من جانب وبين الاستهلاك، ونحن شعب إما أو، بمعنى إما استهلاك حتى النخاع أو إدخار وتقتير حتى الجوع. وهنا على صانع السياسة الاقتصادية أن يحاول من خلال السياسات المالية والنقدية الموازنة بين طرفي المعادلة بشكل دقيق حتى لا يؤثر في دوران عجلة الاقتصاد ومعدلات النمو المطلوبة.
الجانب الثاني في هذه الفرص الذي إذا لم يستغل الاستغلال الأمثل قد يتحول إلى تهديد بدلا من اعتباره فرصة يتمناها العديد من دول العالم، وهو العنصر البشري، وحسب إحصائيات وزارة الاقتصاد والتخطيط أن نحو 92.5 في المائة من عدد السكان أعمارهم بين 14 سنة و24 سنة. ويا له من تحد إيجابي إذا ما تم توظيفه بالشكل المناسب لخدمة أهداف الوطن وحماية لمستقبل المواطن. ولكن هل لدينا الخطط وما مدى القدرة على تطبيقها؟ وما فشل خطط بعض الجهات الحكومية للتعامل مع تلك الشريحة وسعودة الوظائف إلا دليل على أننا لم نعط هذا التحدي حقه الحقيقي من الأهمية والاهتمام، وفي ظني أننا ليس لدينا الكثير من الخيارات للتعامل مع هذا التحدي، فنحن نتحدث عن نسبة 92.5 في المائة من أعداد سكان المملكة يحتاجون إلى فرص عمل حقيقة من الآن وإلى الأعوام العشرة المقبلة. وخوفي أن نلجأ مع تعنت رجال الأعمال وتحالف سلطة المال مع سلطة الدين لمنع تشغيل النساء ووضع شروط تعجيزية إلى البطالة المقنعة، وهي الكارثة بعينها. كما أن علينا إعداد تلك الشريحة إعداداً جيداً، وكلنا يشاهد ويرى ويسمع الشكوى من مخرجات التعليم في جميع مراحله بما فيها التعليم العالي. وخوفي الأخير وبسبب ضغوط الأعداد الهائلة من الشباب أن نعيد الأخطاء السابقة ونركز على الكم وننسي الكيف!
الجانب الثالث في الحراك الكبير هو الثقافة الاجتماعية وضرورة تطويرها على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، وهي حجر من أحجار الزاوية المهمة في تطور الوطن إلى المستويات التي نستطيع معها تحقيق الأهداف الوطنية العليا وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وهي مربوطة بالجانب الثاني وهو العنصر البشري كفرصة وتهديد في الوقت ذاته وتعتمد على كيفية تعاملنا معها، ولكن لا يمكن مع التغيرات العولمية التي نشاهدها ويتفاعل معها الجميع خصوصا أن أكثر من 92.5 في المائة من الشعب من شريحة الشباب، أن يكون المواطن سلبي التفاعل مع ما يجري من حراك ديني اقتصادي اجتماعي سياسي، يجب المشاركة والتفاعل وهو ـ أي الموطن - من يحسم الجدل في كثير من الأمور التي لا نزال نعيش حالة تردد حولها، وأوضح مثال تأنيث محلات المستلزمات النسائية، الجهات الحكومية وبقرار وزاري واضح في اتجاه ورجال الأعمال مع مَن تحالف معهم من سلطات دينية في اتجاه آخر، والسؤال: أين المجتمع فيما يُطرح؟ وأين كلمته في تقرير مصيره؟ وهل أخُذ رأيه؟
الجانب الرابع وهو أيضا لا يقل أهمية عما سبقه وهو الجانب الاقتصادي الكلي. بمعني ما هو شكل وصورة الاقتصاد السعودي؟ وكيف يمكن تعريفة؟ هل هو اقتصاد ريعي؟ أم اقتصاد خدمي؟ أم صناعي؟ أم زراعي؟ أم خليط؟ ومن يملك الصورة الكاملة للاقتصاد السعودي؟ هل هو مجلس الاقتصاد الأعلى؟ أم الهيئة العامة للاستثمار التي تقود مشاريع ضخمة لا أحد يعلم عنها إلا عندما تعلن وبأرقام فلكية!؟ كما أن موضوع الاقتصاد نفسه لم يحسم حيث لا تزال وزارة المالية لديها وكالة الوزارة للشؤون الاقتصادية، فيما هناك وزارة كاملة كان يفترض أنها مسؤولة عن الاقتصاد والتخطيط لهذا الاقتصاد، ومن الحب ما قتل، فالجميع يريد هذا الاقتصاد له وحدة على ما يبدو. وهي قضية على جانب كبير من الأهمية وضرورة حسمها بشكل كامل حتى يعرف المجتمع ما الذي يجري وإلى أين نحن متجهون. وفي كثير من المواقف الشخصية أخجل أني كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية، لأني أكتشف فجأة أني أجهل الكثير مما يجري حولي لأن لا أحد يعرف إلا فئة قليلة وضيقة من منطقة صنع القرار ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية مثال واضح رغم حسن نية صاحب الفكرة، وفي أحيان نعرف الكثير من الأخبار المحلية من خلال مصادر خارجية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبعض الجهات الخارجية لأنها تعرف أكثر منا عن اقتصادنا المحلي، وهي مفارقة غريبة عجيبة. وهذا رغم تأكيدات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على ضرورة أن يكون الجميع شفافا حول جميع القضايا. والمفارقة أن وزارة الداخلية التي هي مسؤولة عن الموضوع الأمني ورغم حساسيته، إلا أنها أكثر الجهات شفافية من جهات اقتصادية يفترض أنها وبالنظام مسؤولة عن إدارة الإحصاءات وضرورة نشرها بشكل دوري ومحدث.
أيضا يريد الآباء والأمهات توجيه أبنائهم وبناتهم لدراسة تخصصات معينة يستطيعون من خلالها العمل والإنتاج، فأي تخصصات سوف نحتاج إليها في المستقبل كوطن عندما يتخرج هؤلاء الأولاد والبنات. بالتأكيد إذا كان الاقتصاد زراعيا سوف نحتاج إلى مهندسين زراعيين وإذا كان الاقتصاد خدميا فنحن نحتاج إلى التخصصات ذات طبيعة إدارية وفنية ومالية وتسويقية، إذا كنا نريد اقتصادا صناعيا فنحن نحتاج إلى فنيين صناعيين ومهنيين في مختلف التخصصات الصناعية. أما موضوع عمل المرأة فأنا لا أحسد من لديه بنات في الطريق لدخول الجامعة هذه السنة أو في الأعوام المقبلة، فما هو التخصص الذي يناسب هؤلاء البنات في زمن لا نستطيع معرفة ما إذا كان سيسمح لهن بالعمل في مجالات معينة أم لا مع الصراع القائم بين توجهات الدولة وبين توجهات سلطتي المال والدين، حيث على المستوى الرسمي هناك توجيه بقرار حكومي من مجلس الوزراء، لكن على المستوى (ولا أعرف كيف أصنفه) هناك تراجع أمام لوبي "المال والدين" لمنعة. وحتى الآن فإن الجولة لهذا اللوبي، ولا نعرف ما يخفيه لنا المستقبل القريب من نتائج هذا الحراك العاصف. والذي آمل أن يتم حسمه من أعلى الهرم السياسي حيث إن تركه سيزيد من الصراع وتجربة الملك فيصل في إقرار وحسم موضوع تعليم المرأة في ذلك الوقت خير شاهد على ضرورة الحسم، وإلا يترك للمد والجزر بين مؤيد ومعارض.
وقضية تحديد هوية الاقتصاد قضية محورية وذات أبعاد كثيرة يجب أن تحسم، لا يمكن لنا أن نكون تحت رحمة الإيرادات النفطية، إذا كانت الأسعار جيدة صرفنا، وإذا كانت الأمور شحيحة ربطنا الأحزمة على بطوننا، فيما هنالك دول لا تصدر البترول بل تستورده ويشكل ذلك عبئا على ميزانها التجاري، إلا أنها تُسجل فوائض مالية أفضل منا. كما لا يمكن أن نكون تحت رحمة التوجهات الشخصية إما لرجال أعمال "ونفوذ المال" وإما لعلماء دين "ونفوذ سلطة الدين". وحرية الاقتصاديات لا تعني انفلات رجال الأعمال من أي مسؤولية وطنية، ويكفي الاستشهاد بالالتزامات الذاتية والرسمية التي نراها في الاقتصاديات الأخرى على رجال الأعمال والشركات في مختلف القطاعات بما في ذلك المسؤولية الاجتماعية والبيئة والضريبة.
الجانب الرابع وهو الخاص بالعنصر الإداري وتوافر الكفاءات الإدارية التي سوف تقود المملكة في عصر العولمة وتحدياتها سواء داخليا أو خارجيا. السؤال: هل لدينا الكفاءات الإدارية ذات الرؤية العولمية سواء للقطاع الخاص أو للقطاع العام؟ أعتقد أننا بحاجة إلى تركيز أكثر في هذا الجانب، وقد شهد الكثير من التحديات التي تواجه عددا من المستثمرين في إيجاد الكفاءات الإدارية التي يرغبون فيها أن تقود مشاريعهم الضخمة المختلفة. والمواصفات المطلوبة ليست بسيطة ومخرجات التعليم عليها علامات استفهام كبيرة! والخبرة لا تتولد في يوم وليلة! ومعرفة التعامل التجاري مع الطرف الآخر الذي أصبح يأتينا من ثقافات وحضارات مختلفة تحتاج إلى قدرة في التعامل، أيضا القضايا التي يمكن أن ترفع على الدولة أو على بعض الجهات في القطاع الخاص والعام بسبب العضوية المباشرة بمنظمة التجارة العالمية تحتاج إلى خبرات قانونية بالقانون الدولي ومعرفة خفايا التعامل مع الآخر ماليا وإدارياً وسياسياً. كما يتحتم علينا المشاركة الفاعلة في لجان المنظمة المختلفة وهو ما يجعل مكانة المملكة دوليا على المحك إذا ما كان هناك ذكاء في التعاطي مع الخلافات التجارية التي لا بد وأن تنشأ. هناك ثقافات تقوم على الثقة وكلمة الشرف وهناك ثقافات تقوم على التوثيق الدقيق لكل محادثات ومناقشات الترجمة قد لا تعكس تلك التفاصيل التي تحتاج إلى ثقافة عولمية متنوعة من قبل القيادات الإدارية سواء على مستوى القطاع الخاص أو على مستوى القطاع العام. فهل نحن مستعدون؟
هذا غيض من فيض وأدعو الله أن يحمي وطننا وأن يعلي شأنه وأن نكون خير أمة أخرجت للناس قولا وعملا.

محلل مالي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي