أنجولا ثاني أكبر منتج للنفط في القارة الإفريقية
ما إن وجهت شركة النفط الأنجولية الحكومية سون أنجول في بداية العام الحالي الدعوة لشركات النفط العالمية سارعت تلك الشركات للتدافع على حقول النفط العذراء أمام السواحل الأنجولية وأعادت تلك الحقول إلي ذاكرة الأمريكيين تنافسهم علي استخراج الذهب من نهر كولوندايك قبل نحو 150 عاما.
ولا يمكن لعاقل اليوم أن يتجاهل ضرورة تواجده في أنجولا، حيث تُقدّر مصادر الضغط في أعماق البحر ضمن أحجام كبيرة. واستثمرت مجموعات شركات النفط والغاز الطبيعي وحدها منذ عام 2003 في أنجولا نحو 20 مليار دولار.
لقدعانت أنجولا على مدار ثلاثة عقود من الفقر والتعاسة خلال فترة الحرب الأهلية الطاحنة بين الحكومة الاشتراكية وجبهة يونيتا المسلحة المعارضة والنتيجة المباشرة كانت التدمير شبه الكامل للدولة. وفي تلك الأثناء عجزت حكومات أنجولا عن تدبير الكثير من الأمور، وشهدت نقصاً في كل الأشياء، باستثناء الأسلحة. واستولت الحكومة على عوائد النفط، واستولى حزب يونيتا على مناجم الألماس. وخلال تلك الحرب الضروس طُمر نحو 5 إلى 9 ملايين منجم طبيعي أثناء المعارك ولا تزال كثير من الأجزاء الشاسعة في أنجولا غير قابلة للوصول لها. وفور اغتيال رئيس حزب يونيتا (جوناس سافيمبي) في ربيع عام 2002 من قبل أحد حراسه الشخصيين، انتهت الحرب.
واليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام على التوقيع على اتفاقية السلام بين الفريقين وتشكيل حكومة وحدة وطنية في البلاد أصبحت أنجولا واحدة من أسرع مناطق النمو الاقتصادية في العالم حيث بلغ حجم النمو الاقتصادي العام الماضي نحو 15 في المائة، ويُقدّر معدل النمو الاقتصادي لعام 2006 ما يزيد على 20 في المائة. وتُعد الصناعة النفطية القوة المحركة لهذه المعدلات المميزة. وتمتلك أنجولا مصادر للنفط في أعماق البحار تعتبر أكثر وفرة من تلك المصادر في الكويت على سبيل المثال . وبالفعل تنتج أنجولا ما يعادل نحو 1.2 مليون برميل من النفط يومياً، وهي بذلك ثاني أكبر منتجة للنفط في إفريقيا بعد نيجيريا. ومن المفترض أن يرتفع حجم الإنتاج حتى عام 2009 إلى نحو مليوني برميل. ووحدها استثمارات الصناعة النفطية من المفترض أن تخصص نحو 3.4 مليار دولار حتى نهاية هذا العام. وتعتبر أنجولا بالنسبة للصناعة النفطية إحدى أكثر الدول الخمس المحققة للأرباح الكبيرة في العالم. وهذا لا يتعلّق بعملية السلام في أنجولا فقط، ولكن يعود إلى نظرة الولايات المتحدة الأمريكية المستقبلية في الاعتماد على شركات إنتاج النفط الإفريقية على المدى البعيد أكثر بدلاً من النفط العربي. ويتوجّه نحو ما يزيد على نصف تزويد النفط الأنجولي إلى أمريكا. وإضافة إلى هذا، فإن التزامات الصين المتعطّشة للمواد الخام من أنجولا سوف تتوثّق أكثر مما هي عليه في السودان.
ولكن هناك وجه آخر لقصة النجاح هذه، حيث بالكاد ينال أحد من المواطنين الذين يعاملون بقسوة على كسرة من عوائد النفط. إن أنجولا مُفترَسة من قبل الفساد، الفساد الذي تبحث عنه بنفسها. وبناءً على تقديرات صندوق النقد الدولي، فقد اختفت في الفترة ما بين عام 1997، وعام 2002 فقط، نحو 4.2 مليار دولار دون أثر، وهذه تعادل نحو 10 في المائة من حجم الناتج القومي. وتُشير أحد التقديرات الأخرى، إلى أن ما اختفى من الأموال كان يزيد على سبعة مليارات دولار. ويمنح ارتفاع الأسعار في النفط الخام عام 2004 المزيد من عوائد الدخل من النفط المقدر بنحو 600 مليون دولار على الأقل. ولكن بالفعل لم تظهر أرقام المبالغ المالية في الميزانية الحكومية. ويتمتّع ستة من سبعة أثرياء في أنجولا بثروة لا تقل عن 100 مليون دولار لكل منهم، وهم مسؤولون حكوميون جميعاً. ويُقدّر الدخل السنوي من إنتاج النفط بنحو 4 إلى 5 مليارات دولار.
وعلى الرغم من قوة أنجولا الاقتصادية الكامنة الهائلة فإن مثل هذه الممارسات تؤدي إلى اختفاء كافة المساهمات. ولا أحد يريد أن يعبث مع عصابة صغيرة حول الرؤساء. وبالفعل يحاول صندوق النقد الدولي منذ فترة من الوقت إقناع الحكومة بمزيد من الشفافية، ودعمها برئاسة حكومية جيدة. وهناك مديونية أجنبية تبلغ نحو 9.5 مليار دولار، من الممكن أن يتم الإشارة نظرياً إلى انجولا من قبل صدقات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ولكن حقاً ما حاجة أنجولا لصندوق النقد الدولي، عندما تكون الصين موجودة؟ إذ عندما رفض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منح لواندا المزيد من القروض الجديدة قفزت الصين فجأة وأمّنت نحو 2.2 مليار دولار لأنجولا، حيث من المفترض استخدام المال إلى حدٍ بعيد في ترميم البنية التحتيّة المدمّرة بالكامل. ولكن على ما يبدو كان قرض الصين مقترناً ببعض الشروط، وهو السماح بتصدير 70 في المائة من إنتاج الشركات الصينية العاملة بقاعدة عمالية صينية الأصل. وسيتم سدّ القرض نقداً بحجم فائدة يعادل نحو 5.5 في المائة، وكذلك على شكل تزويد الصين بالنفط.
والحقيقة أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا يمتلكان أي قوة رافعة، التي يمكنهما ترسيخها في أنجولا، لأن الدولة في الوقت الراهن تفيض بالمال، وخلّدت بنفسها نظاماً، لم يزخر لا بالمنافسة ولا بالكفاءة. ولكن مشاكل أنجولا تفوق أمر إدراك حالة الفساد القائمة. فعندما يطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بمزيد من الشفافية، وهم يشيرون إلى نقص في المواد والبيانات، فإن هذا يتعلّق أكثر بوضع الشركة الأنجولية نفسها. وغالباً ما تكون الوزارات والإحصاءات اللازمة خارج الأمر، لأنها في الحقيقة لا تملك القاعدة الوظيفية الجيدة، التي يمكنها حمل أمر مثل هذه المهام. وقد تم استثمار الشباب في أنجولا خلال 30 عاماً تقريباً في الحرب، بدلاً من التعليم. ولهذا السبب فإن مخاوف الشركات الأجنبية الناشطة في أنجولا مفهومة، التي تخشى اليوم من "توطين اقتصاد أنجولا" المُعلن عنه. ولا يريد الأجانب أن يبقوا تحت مظلة المؤسسات الوطنية. ولكن المخاوف تبدو أكثر، حيث الاحتمالية من أن يتمكن أشخاص ببعض المؤهلات النجاح في الوصول إلى المراكز الإدارية من نظام الحصص حتى الإدارة، فجأة عن طريق علاقاتهم الخاصة ببعض الشخصيات المرموقة.
ولكن لا يمكن الحديث عن الأمور في هذه المسألة على نحو دقيق، ذلك لأن شركة النفط الحكومية سون أنجول لا تعرض أسهمها وأرباحها بصورة عامة، ولا حتى الحكومة مستعدة لإطلاع العامة على المعلومات. وعلى ما يبدو في الوقت الراهن فإن مجموعات شركات النفط نفسها، ترى عدم الاستقرار الاجتماعي بفعل هذا الوضع المتفاقم مخاطرة كبرى، وتحاول عن طريق المزيد من الشفافية في ميزان مدفوعاتها أن تضع الحكومة تحت الضغط. ولهذا السبب تصطدم مجموعة الشركات الأمريكية "إيكسيكون- Exxon" جرّاء هذا بمقاومة ضارية، حيث أرادت عرض مدفوعاتها اقتداءً بمجموعة شل - Shell في نيجيريا. وما يُشاع اليوم في أوساط مجموعة إيكسيكون، فإن المرء هنا ليس أكثر من زائر، وعليه أن يتصرف وفقاً لرغبات الدولة المستضيفة.
ولا بد أن يكون الأمريكيون قد تعقلوا بناءً على مثال مجموعة شركات النفط الفرنسية "توتال إلف فينا" Total Elf Fina، التي لم تنجح في تمديد امتيازها في حقل 3/80 في عمق البحار، الذي كانت تملكه المجموعة منذ عام 1982. وبدلاً من هذا، تحوّل الحقل إلى أيدي الشركة الصينية "سين أوبك- Sinopec". الجدير بالملاحظة هنا أنه يتم استخراج النفط من هناك عن عمق يعادل نحو 2500 متر حتى قاع البحر، ومن ثم 1000 متر خلال الصخور. وبناءً على التقديرات العامة فإن الصينيين ليس لديهم أية معرفة في كيفية القيام بمثل هذا الإنتاج المكلف
وفي الوقت ذاته، فإن أنجولا قادرة على النجاح وحدها بوجود مصادرها الخاصة. وفي الوقت الراهن، فإن التعلّق بالنفط ما يزال أمراً دراماتيكياً، حيث يتم تغطية نحو 85 في المائة من دخل الحكومة الإجمالي عن طريق الصناعة النفطية. ولفكّ نفسها على المدى البعيد من هذه العلاقة غير المستقلة عملت الحكومة على إعادة إحياء صناعة الألماس الفعّالة. وتمكنت مباشرةً العام الماضي من تصدير ما يعادل 900 مليون دولار من هذه الأحجار الثمينة. ويشهد الألماس الأنجولي طلباً خاصاً من قبل صناعة الحلي بوجه التحديد، ويحقق أسعاراً طائلة. وإضافة إلى هذا، يتم الخوض اليوم في الكثير من الجهود الحالية في إعادة توفير رأس المال لبعض الصناعات التي تعتمد علي المناجم مثل خام الحديد مثلاً، وفي القطاع الزراعي، حيث كانت أنجولا سابقاً إحدى أكبر الدول المنتجة للقهوة في العالم. وفيما كانت ستعمل على توجيه نفسها نحو تحسين شروط المعيشة للمواطنين في أنجولا على المدى البعيد يتعلّق الأمر بمدى استعداد الحكام لإعادة النظر في أوراق اللعب أكثر، ولتحقيق البنية الهيكلية الديمقراطية. ولا يخفى القول إن أنجولا لم تشهد إلا القليل من التغيير من هذه الناحية.