العاملات في المختبرات الطبية يطالبن ببدلات ووسائل متطورة للسلامة

العاملات في المختبرات الطبية يطالبن ببدلات ووسائل متطورة للسلامة

العاملات في المختبرات الطبية يطالبن ببدلات ووسائل متطورة للسلامة

تعتبر مزاولة المهن والأنشطة المرتبطة في المختبرات الطبية من المهن الخطرة وذات الطابع المؤذي لمزاوليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وتتعدد المخاطر التي تواجه العاملات في أعمال التحاليل الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة، بسبب ما تتطلبه مهنة التحاليل والعمل في المختبرات من تركيز دقيق وإلمام كبير بالإضافة إلى ضرورة توفر شروط السلامة في بيئة العمل.
ويأتي العاملون والعاملات في المختبرات الطبية حسب دراسة أجريت على ثمانية ملايين من العاملين في الرعاية الصحية بالمستشفيات والمرافق الصحية في أمريكا، ثاني المهن الطبية بعد عناصر التمريض خطورة بسبب التعامل مع الأمراض المعدية والمخيفة، وتشكل الإناث بحسب نسبة الأنات بحسب الدراسة 55 في المائة من إجمالي العاملين في المختبرات الطبية.
"المرأة العاملة" تجولت في عدد من المختبرات والمراكز الطبية الخاصة، والتقت عددا من الإخصائيات والعاملات في هذا المجال، لتكشف عن أسرار مهنة المخاطر كما يحلو لبعض الإخصائيات تسميتها، وأهم الحوادث التي تعرضن لها أثناء العمل والتعرف على مدى انتشار والالتزام بسبل السلامة في تلك المختبرات فإلى تفاصيل التحقيق:

إجماع على ضرورة تحسن الأمور

في البداية أجمعت العاملات السعوديات في المختبرات الطبية على ضرورة أن تقوم الجهات المعنية في وزارة الصحة والجامعات والمعاهد الطبية، والجهات المعنية الأخرى، بالتعريف بالسلامة المهنية وأخطار مزاولة مهنة التحاليل الطبية وتأثيراتها على صحة العاملات فيها.
ونادت العاملات بالحاجة إلى منح العاملات في هذا المجال مزيدا من الرعاية، إلى جانب دراسة البيئة المهنية المحيطة بمزاولي مهنة التحاليل الطبية، لوضع طرق وحلول سليمة للحد من المخاطر المهنية، وتعويضهم ماديا.
كما طالبت العاملات بإنشاء برامج تثقيف وتوعية وتأهيل وتدريب للعناصر الطبية العاملة في هذا المجال، وفرض التأمين الطبي على صحة مزاولي هذه المهن.

مصادر الخطر
تقول ريما الخالد إخصائية مختبر في مستشفى أهلي "مصادر ومخاطر مهنة التحاليل التي تواجهه إخصائيات المختبرات متعددة مثل وخز الإبر والمستلزمات الزجاجية والحادة في المختبرات الطبية أو تلوث اليدين بسوائل بيولوجية مثل البول أو الدم لأناس مصابين بأمراض معدية أو الإجهاد في العمل لساعات طويلة.
وحول الإصابات غير المباشرة تقول الخالد إنها تكمن في وجود أسباب تحدث الإصابات بعد فترة تمتد أحياناً إلى شهور أو سنوات، مثل حساسية اليدين والعينين، والجهاز التنفسي، أو إصابة أعضاء في الجسم بالتهابات فيروسية مثل الكبد، وكذلك هنالك جوانب نفسية ومهنية تخصصية وراء الإصابة بهذه المخاطر بعد فترة والتي تحدث بسبب قلة الخبرة وعدم التخصص وذلك لعدم المعرفة بهذه المخاطر أو دراستها في مناهج بعض اللاتي يزاولن المهنة.
وبينت الخالد أن العاملات في المختبرات أكثر قلقا وسرحانا أثناء تأدية عملهن بسبب الدقة والحرص التي تتطلبها أعمالهن، بالإضافة إلى التزاماتهن المنزلية ما يسبب لهن الأرق واضطرابات أثناء العمل، قد تتسبب بمشاكل صحية لهن، حيث إن السهو أو التفكير لمجرد ثانية من شأنه أن يتسبب في وقوع خطأ قد يكلف الإخصائية حياتها.

توفر وسائل السلامة
من جهتها تؤكد إسراء العصيمي إخصائية تحليل في مختبر أهلي ما قالته زميلتها العيسى، مضيفة مخاطر أخرى تتعرض لها العاملات في تلك المختبرات منها ما يتعلق بالتجهيزات الطبية في المختبر، والتي تفتقر في أحيان كثيرة لوجود أبسط مقومات السلامة المهنية، سواء في المختبر أو في مخازنها، ما يضاعف من احتمالية إصابة العاملات في مجال التحاليل الطيبة في أي وقت.

وأشارت العصيمي إلى أن هذه المخاطر يمكن تفاديها في حالة وجود إدارة طبية جيدة توفر سبل السلامة المهنية من تخزين للمواد الكيميائية الخطرة، والتخلص من المواد المنتهية الصلاحية أو غير الصالحة، بحيث تكون هذه الإدارة قادرة على تجهيز المختبرات وفق أسس السلامة مثل توفير الكابينات المخصصة لتحضير أطباق المزارع البكتيرية ومستلزمات التشغيل وغيرها.

خطرة على أجنة العاملات

وفي قسم المختبر المركزي لتحاليل الأدوية والأغذية في الرياض والذي يضم كوكبة من الخبيرات والمتخصصات السعوديات في المختبرات كشفت لنا (دلال السعدون) صيدلانية في المختبر المركزي أن العاملات والإخصائيات في المختبرات والمعامل يتعرضن لمواد خطيرة تؤدي إلى إجهاض الأجنة، ومنها مادة (البرومين)، لذلك لابد أن تبتعد الحامل التي تعمل في المعامل من تلك المادة تماما.
وقالت "بالرغم من ارتفاع حالات الإجهاض للعاملات في بيئة العمل داخل المختبرات إلا أننا لا نستطيع أن نجزم أن السبب الوحيد هو تعرضهن لتلك المادة المجهضة، لأن جهد العمل يتسبب كذلك في زيادة حالات الإجهاض".
ونوهت السعدون إلى أن تلك المادة ليست الخطر الوحيد الذي تتعرض لها العاملات في هذا المجال، لأن هناك العديد من المواد الكيميائية التي تتسبب في أضرار مباشرة للعاملات عن طريق ملامستها للجلد أو استنشاقها أو أن تكون مواد سريعة الاشتعال ومواد حارقة للجلد، كما أنه يوجد في المعامل العديد من الغازات التي تضر بالجسم في حال عدم الوقاية منها بسبل السلامة الجيدة، وهي غازات الهيليوم والنيتروجين والأكسجين، إضافة إلى غازات أخرى تختلف باختلاف نوع المعمل.

أنواع المخاطر

وأشارت إخصائية الصيدلة إلى أن قمة الخطر تكمن في أنواع العينات التي تذهب إلى المعامل، والتي تنقسم إلى قسمين وهما عينات معروفة التركيب وأخرى مجهولة التركيب، حيث تتضمن المعروفة منها الأدوية التي تعالج مرض السرطان، إذ تتمثل خطورة هذا النوع بأنها مواد متسرطنة تنقل هذا المرض إذا لامس الجسم من دون إجراء سبل الوقاية.
أما النوع الثاني الذي يندرج تحت مسمى العينات معروفة التركيب فتشمل الأعشاب بمختلف مسمياتها.

واستكملت السعدون حديثها عن المخاطر قائلة: تحليل بعض العينات يتطلب تحضير معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم، ويكون تحضيرها من عبوات مركزة وهذه مخاطرها كثيرة وخطيرة على صحة الإخصائيات.

مواقف خطيرة
وأشارت السعدون إلى أنه من ضمن المواقف التي تعرضت لها خلال فترة تعاملها مع تلك المواد الخطرة أنها قامت في إحدى المرات بالتعامل مع مادة مجهولة التركيب على أنها مادة لا يوجد بها مواد متسرطنة لكنها اكتشفت أنها عكس ذلك بمجرد عمل الاختبارات عليها.
وكشفت السعدون عن أن الجهات المختصة لم توافق على إعطاء الموظفين في المعامل البدلات الخاصة بالخطر والعدوى والضرر بالرغم من أنهم يتعرضون لكل تلك المخاطر.
أما بالنسبة لوسائل السلامة المتوفرة في المعامل تجاه تلك المواد الكيميائية الخطرة تقول السعدون:" لبس القفازات ونظارات الوقاية الخاصة بالمعامل لحماية العين وارتداء أقنعة مخصصة هي طرق للوقاية، كما أن هناك طرقا خاصة للتخلص من النفايات الطبية وفقا لنظام خاص يوجد في كل معمل من المعامل".

غازات وأحماض ضارة
وتصف لنا ريم الفضيلي صيدلانية الأخطار التي يمكن أن تواجهها أثناء عملها في المختبر بالعديد ولكن أهمها التعرض للأحماض والأكاسيد والغازات المستخدمة في تحليل الأغذية، مبينة أن طرق الحماية منها محدودة وتتمثل في ارتداء الملابس والقفازات الواقية.
وأوضحت أن هذه الطرق غير كافية وخاصة أن ساعات العمل الطويلة بالإضافة إلى افتقار المختبرات إلى مراوح الشفط وهي ضرورية لسحب الغازات الضارة والروائح التي تنبعث من المواد المتحللة، تفقد تلك الوسائل فائدتها، مؤكدة أن غالبية المختبرات لا تراعي وجود شروط السلامة وعلى رأسها مراوح الشفط.

حالات عمل جيدة
من جانبها توضح منال أبو داود إخصائية مختبر في مدينة الملك فهد الطبية وسائل السلامة العامة في عملها والتي تبدأ منذ اليوم الأول في العمل وتقول " نخضع لفحوصات متعددة قبل أن نباشر عملنا في المختبر ونعطى تطعيم الكبد الوبائي لحمايتنا من انتقاله إلينا أما خلال العمل فعلينا ارتداء ملابس واقية مخصصة وقفازات، وتختلف أشكال الوقاية بحسب نوع المختبر وطبيعة عمله.
وتضيف الإخصائية منال قائلة "أنا أعمل في مختبر خاص بتحاليل عينات الأنسجة وهذا يستوجب علينا ارتداء ملابس خاصة لهذا النوع في حين يتم إجراء التحاليل داخل كابينة مزودة بمراوح شفط حتى لا نتعرض للمواد الكيمائية، إضافة إلى أنه يوجد في كل مختبر مسؤول متخصص بالسلامة متمكن في التعامل مع الحوادث المخبرية في حال انسكاب أي مادة أو ملامستها أو حدوث خطر ما، في حين يتم متابعة المصابة من الإخصائيات أو غيرهم في قسم متخصص لهذه الحالات في المستشفى، وقد تطول مدة المتابعة لعدة شهور للتأكد من سلامة المصابة، كما حدث مع زميلتي التي تعرضت لجرح في يدها، وتم متابعتها من خلال القسم بالإضافة إلى أخذ التطعيمات الضرورية".
أما المخاطر التي تواجه منال أبو داود فهي تتلخص بالتعامل مع المواد الكيمائية والأبخرة وتحضيرها، حيث يتطلب عملها تحضير بعض المحاليل التي يحتاج إليها الأطباء في عملهم والتعامل مع مواد شديدة الخطورة لحفظ عينات أنسجة المرضى المصابين بأمراض مثل الأورام والكبد الوبائي، والأحماض عالية الخطورة.

القلق المشترك
أسر العاملات في المختبر أيضا يواجهون قلقا وتوترا بسبب هذه المخاطر، وعن هذا الجانب تروي لنا الدكتورة سميا الزايد متخصصة في المختبرات بعض المواقف التي حدثت معها فتقول أحيانا أقع في بعض الأخطاء عند قيامي بعملي، فذات مرة وخزت يدي الإبرة التي سحبت بها دما لمريضة يتوقع أنها مصابة بمرض الكبد الوبائي، ما اضطرني إلى إجراء تحاليل لمدة أسبوع كامل، عشت خلالها قلق الإصابة بالمرض، في حين اعتزلت أسرتي وأطفالي خوفا من إصابتهم أيضا، إلى أن أثبتت التحاليل سلامتي بحمد الله.
وتضيف الدكتورة سميا"هناك مواقف مخيفة أيضا عندما أتعامل مع مرضى السل والإيدز ما يضطرني إلى العيش بالقلق والخوف من انتقال العدوى وإجراء التحليل دائما للاطمئنان على سلامتي في الوقت نفسه، واحتاج في بعض الأحيان لإخضاع زوجي وأطفالي للتحاليل عندما تكون درجة الشك عالية لدي وتخوفي من انتقال أحد الأمراض المعدية التي أتعامل معها، وهو ما يؤثر بشكل كبير في حياتي من عدة جوانب، فضلا عن القلق والتوتر الذي يصيبني في حالة وخزي لإبرة أو لمسي لمادة ضارة، هناك القلق الذي يصيب أسرتي وزوجي ويوتر علاقتنا عندما نشعر بحدوث خطأ ما، وهو ما جعله ذات يطلب مني تغيير عملي والاتجاه إلى الأعمال الإدارية".

مظاهر الخطر
وفي دراسة أخرى أجريت حول المخاطر المهنية المباشرة لفريق العمل في المختبرات الطبية في الدول النامية، كشفت الدراسة أن أهم مظاهر الخطر التي يتعرض لها العاملون في المختبرات الطبية هي: وخز الإبر ومستلزمات المعامل الزجاجية بنسبة 45 في المائة، يأتي بعدها التلوث بالسوائل البيولوجية مثل الدم بنسبة 25 في المائة، بينما التأثر بالمواد الكيميائية والأصباغ المعملية كانت 10 في المائة، على الجلد والجهاز التنفسي، وبنسبة 5 في المائة إشعاعات التي مصدرها أجهزة معملية مثل قياس الهرمونات بالقياس المناعي الإشعاعي.
وبينت الدراسة أن هناك أسبابا أخرى تأتي بنسب أقل لا تذكر، وهناك اختلاف من حيث تقييم المخاطر المهنية كمخاطر مسببة لحساسية الجلد أو الجهاز التنفسي حيث كانت 10 في المائة.
ومقارنة بدراسة أجريت بأحد مستشفيات الولادة وأمراض النساء في نيجيريا والتي بينت أن الإجهاد المرتبط بعدد ساعات العمل والمناوبة الليلية يشكل 83 في المائة من المخاطر المهنية، بينما الإصابة بوخز الإبر بنسبة 75في المائة، ويليها التلوث بالسوائل البيولوجية للمرض بنسبة 73في المائة، بينما التهاب الكبد يأتي في آخر المخاطر المهنية بنسبة 9 في المائة، يسبق التعرض للضرب أو المضايقة من قبل المرضي أو ذويهم والذي كان بنسبة 24 في المائة.

الأكثر قراءة