نصف الآلة ونصف الإنسان

نصف الآلة ونصف الإنسان

نصف الآلة ونصف الإنسان

<p><a href="mailto:[email protected]">iqtisad@fantookh.com</a></p>
شخص يمشي في الشارع بذراعين آليتين، وآخر برجل آلية، وآخر يكتب بأصابع آلية، هذا ليس مشهدا من قصة خيالية، بل واقع يعيشه كثير من الناس ممن فقدوا أطرافهم أو ولدوا من دونها. لقد وصل علم الإنسان في مجال التكنولوجيا إلى درجة أصبح فيه الواقع يتنافس مع الخيال العلمي.
"الحاجة أم الاختراع"، ينطبق هذا المثل على غالبية الإنجازات العلمية التي وصل إليها الإنسان إن لم تكن جميعها. إن فقدان الإنسان أحد أطرافه تحت أي ظروف من أصعب ما يمكن أن يواجهه في حياته، لذا فكر العلماء طويلا في إيجاد بديل للطرف الذي يفقده الإنسان، ونتج من هذه الأفكار ما يدعى بعلم الـ "سيبرانية" Cybernetics.
لا يقتصر هذا العلم على صناعة الأطراف فقط. بل هو معني بأية آلة توضع لها وظائف تحتاج إلى تفكير منطقي اعتمادا على الأوامر التي تتلقاها هذه الآلة.
كانت نشأة هذا العلم في عام 1947م، حيث قام العالم نوربرت وينر بدراسات حول إمكانية صنع آلات تتمتع بتفكير منطقي ويمكن التحكم فيها.
وعبر السنين تبعت تلك الدراسات العديد من الدراسات الأخرى التي طورت الأفكار الأساسية، ولكن لم تنجح البحوث في وضع أسلوب يمكن من خلاله تطبيق التفكير المنطقي في الآلات والأجهزة.
أتى الحل لهذه المشكلة في الفترة ما بين الستينيات والثمانينيات، حيث تأسس علم ما يسمى بـ "الذكاء الاصطناعي". ركز هذا العلم على وضع برامج وخطوات يمكن من خلالها جعل الآلة تقوم بعملية التفكير بشكل منطقي، وكان تطبيق هذا العلم على "السيبرانية" نقطة الانطلاق لازدهار هذا العلم.
وبعد الكثير من الدراسات والأبحاث وصل هذا العلم إلى ما هو عليه الآن، حيث أصبحت الآلة بديلا عن الإنسان في الكثير من المهام، كاستكشاف الكواكب في الفضاء، وتحليل نتائج الإحصائيات، والمحاكاة، والأطراف المصطنعة، والكثير من المجالات الأخرى. وهناك توجه إلى تكوين كيانات جديدة نصف إنسان ونصف آلة.
ولكن لن يقف العلم عند هذا الحد، فإن للعلماء طموحات كبيرة وواسعة بما يتعلق في هذا المجال. يهدف العلماء إلى صنع رجال آليين لكي يستعاض بهم عن الإنسان في كثير من المجالات، كخدمات النظافة والصيانة والأمن وغيرها من الخدمات العامة. ولا يقف طموح العلماء عند هذا الحد، بل هم يفكرون في وضع أجهزة مساعدة حتى في الإنسان العادي، كوضع ذاكرة في الدماغ لضمان عدم نسيانه المعلومات الأساسية والمهمة.
قد يكون لهذا العلم تأثير كبير في الحروب أيضا، فبدلا من إرسال البشر للقتال وفقدان الكثير من الأرواح، يمكن إرسال جنود آليين إلى ميدان المعركة بدلا من البشر، ويكون بذلك قد تم إنقاذ الكثير من الأرواح التي قد تزهق في الحروب، بالطبع على حساب مجتمعات الطرف الآخر من المعركة.
إن تطور هذا العلم بالشكل الذي يتطلع إليه العلماء، فإن الحياة البشرية ستتغير كثيرا، حيث تصبح الآلة الخادم الأساس لجميع حاجيات الإنسان، وستوفر الطاقة البشرية المستهلكة في الخدمات العامة أو المزهقة في الحروب، ويمكن استغلال هذه الطاقة البشرية الهائلة في خدمة تطور الإنسان وازدهار المجتمع البشري بشتى مجالاته، وقد تكون على النقيض تماما حيث ستتسبب في تدمير الحضارة الإنسانية في هذا العصر. وإن كان هذا الأمر الأخير محتملا فإن الأمر المؤكد هو الخسارة الكبيرة التي ستتعرض لها المجتمعات المتخلفة عن ركب الأبحاث في هذه المجالات.

الأكثر قراءة