السياسة النقدية الأمريكية تضر بسوقي المال والعقارات

السياسة النقدية الأمريكية تضر بسوقي المال والعقارات

يجمع الخبراء في العديد من البنوك الاستثمارية على أن الاختراقات الأخيرة في أسواق الأسهم وبالنسبة للعديد من المواد الخام يجب أن تفهم على أنها إشارات تحذير وإنذار. ويقول بعض الخبراء إن العديد من المستثمرين قد استنكفوا عن أي التزام لأن المناقشات المختلفة حول السياسة النقدية للبنك المركزي الأمريكي أدت إلى حالة من عدم الثقة، بينما يرى آخرون عن قناعة بأن الأسباب الحقيقية لحالة الاضطراب الأخيرة كامنة في ضعف الدولار الأمريكي.
وبالطبع فإن التضخم أيضا يشكل موضوعا للنقاش، ولكن بمعنى مختلف تماما حيث يرد ذكره في الأجهزة الإعلامية مشفوعا بصعود سوق الذهب. فمثلا تعرب مؤسستا ميريل لينش وجولدمان زاكس عن قناعتهما بأن الغلاء العام ، الذي أشعلته سوق المواد الخام قبل كل شيء ، ليس له تأثير يذكر في المجريات الفعلية في الأسواق. ولكن يواخيم فيلس ، من مؤسسة مورجان ستانلي ، له وجهة نظر أخرى ، من منظور الأجل الطويل ، فهو يتوقع ارتفاعا في تكلفة القروض في النصف الثاني من العام مما يعني بالتالي تراجعا في العائدات. وإن كان يتوقع أيضا أن ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية ومعدلات التضخم ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة . فالعولمة قد زادت من ندرة الرساميل بالمقارنة مع الوفرة الهائلة في الأيدي العاملة الرخيصة . ويرى كثير من الاقتصاديين أن هذا الاتجاه سيستمر في المستقبل أيضا ، ومع ذلك فمازال هناك مجال للشك في أن تكون الأسواق قادرة على التعامل في حينه مع هذه الاحتمالات في الأجل الطويل. حيث سبق لديفيد روزنبرج ، الاقتصادي الأول في مجموعة ميريل لينش لأميركا الشمالية، أن أكد قبل فترة قصيرة من الزمن أنه ليس في عداد المتشائمين رغم الانخفاض المستمر في عوائد سندات الدولة الأميركية .
إن الدور الكبير الذي تلعبه السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي في النقاشات المحتدمة حول الأسواق تفسره الأنباء غير السارة الصادرة أخيرا عن الاقتصاد الأميركي. فقد جاءت الأرقام ، خصوصا عن النشاط العقاري وبشكل محدد عن قطاع الإنشاءات لتثير نوعا من أنواع الفزع. ومما لا شك فيه أن هذه الأرقام تدعم مواقف أولئك المقتنعين بأن عهد رفع أسعار الفائدة من جانب البنك الاتحادي الأميركي قد أشرف على نهايته. ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، إذ إن مشاعر القلق القديمة حول احتمال انهيار الأسواق العقارية ، بكل ما يحمله ذلك من آثار تصل إلى حد الكارثة على الاقتصاد ككل ، تعود للحياة من جديد. فالمتشائمون يفترضون بأن تفاقم الصعوبات في السوق العقارية سيجبر البنك الاتحادي في أية لحظة على تخفيض أسعار الفائدة الأساسية بشكل كبير. أما فيليب إيشرود، من مؤسسة درزدنر كلاينفورت فاسرشتاين فيعلق على السياسة النقدية للبنك المركزي الأمريكي بقوله إن رئيس البنك بيرنانكيه يسعى إلى الخروج على تقاليد البنك بالإسراع باتخاذ إجراءات نقدية جذرية، وبدلا من ذلك يريد بيرنانكيه أن ينتظر الآثار المتأخرة لارتفاع أسعار الفائدة وهذا ما يجعل الأسواق في حالة توتر خوفا مما يمكن أن ينتج عن ذلك من أخطار تضخمية .
إن ثمة إجماع على أن البنك المركزي الأمريكي، انطلاقا من تقاليده المرعية ، لن يعير أي اهتمام لمكانة الدولار في حالة تسارع انهيار الانتعاش الاقتصادي وبالتالي سيتعمد إلى تخفيض سعر الفائدة الأساسي . إن التخفيض المستمر في قيمة الدولار يجري إرجاعه كلية إلى حالة اختلال التوازن (العجز في الموازنة الداخلية والخارجية) بمعرفة وبموافقة إرادية من قبل الدول الصناعية السبع . ولكن هناك أصواتا تعزو ضعف الدولار لتخلخل ثقة أسواق الصرف الأجنبي بالاقتصاد الأمريكي ، وتتوقع هذه الأصوات انخفاض أسعار الفائدة بصورة ملحوظة في المستقبل القريب دعما لحالة الانتعاش الاقتصادي.
موضع النقاش في أسواق الأسهم ليس فقط حول سوق الصرف وإنما أيضا وبشكل خاص أسعار الفائدة في أسواق رأس المال ، بالقياس مع قروض الدولة لعشر سنوات. فقد أصدرت مجموعة جولدمان زاكس أخيرا دراسة تم فيها تفحص المراحل التي كانت فيها العائدات المرتفعة تبدأ في التأثير تأثيرا سلبيا في أرباح الأوراق المالية ، وخلص البنك الاستثماري في دراسته إلى الاستنتاج أن هذه النقطة يمكن بلوغها عندما تتجاوز العوائد على الأوراق المالية الأمريكية نسبة 5.5 في المائة . وعلى أية حال فإن العوائد المرتفعة قد عكست قلقا من احتمالات حدوث تضخم أكثر من تخفيضها لمستوى التوقعات بالنسبة للنمو الاقتصادي القوي.

الأكثر قراءة