(قوْمٍ تعاونوْا ما ذَلُّوا)

من يعرفون أنَّ الخليفة الراشدي عثمان بن عفان أرسل أول سفارة إسلامية إلى الصين في القرن السابع الميلادي، يجعلهم يتفاءلون بزيارة خادم الحرمين الشريفين أنَّ تقدِّم الغرف التجارية الصناعية قفزات استثمارية متجدِّدة ومستفيدة من زيارات الخير الملكية، وأنْ توفر الجهات الرسمية أنماطا خدمية متحرِّرة بعيدة عن حرفية البيروقراطية تسهيلاً للإنجاز وتحقيقاً للازدهار.

طفت على الفكر مخاوف آنية عابرة، لمشاعر متضاربة بين الفرح واليأس، لمجرَّد لحظات قصيرة, يمكن نسيان مسبباتها، لولا قوتها جدَّدت في النفس شكوك احتمال انتصار الطبع وفوزه على التطبُّع، واحتمال انهزام حكمة وفلسفة حتمية الاستفادة الكاملة التفضيلية من ركوب موجة منطق الأهم على المهم، والتمسُّك الدائم والبعيد عن "نطنطة الحبال وطرق طرزان"، والتفاني الملتزم والمتقيِّد السليم نحو الهدف الاقتصادي المنشود المتفق عليه. أثار المشاعر المنفتحة خبر اقتصادي مقتضب في جريدة الرياض إصدار 16/1/2006 "أنه تم التنسيق لعقد لقاء اقتصادي مع الجانب الصيني على هامش زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للصين". مضيفاً أنَّ رئيس مجلس الأعمال السعودي الصيني، "أوضح أنَّ الصفقات والتعاون التجاري بين المملكة والصين مستمرة، وهناك اتفاقات عقدت مؤخراً خلال معرض المنتجات الصينية الذي أقيم بالرياض حول حصول بعض رجالات الأعمال السعوديين على وكالات لمنتجات صينية، وتركيز المستثمرين السعوديين على تعزيز الصادرات السعودية غير النفطية إلى الصين..". الرسالة المستفادة من تصريح حركة الغرف التجارية الصناعية قصر أولوية اهتمامهم على الأعمال التجارية، وتعطي الانطباع للقارئ لأوليات العمل أنهم في واد والسياسة الاقتصادية السعودية في واد آخر، لتفصل بينهما مسافة زمنية تتمثل في عشرات السنين التي مضت والمتميزة بالازدهار التجاري الاستهلاكي, مغفلين الأهمية الاقتصادية لعشرات السنين المنتظرة مستقبلاً، وغير مدركين أضرار العمل في الوقت الضائع المتمثل في التباين لأولويات منظور أصحاب الأموال لأعمالهم وتعاطيهم مع الاقتصاد الوطني من طبع برجوازي تجاري لمفهوم "كل فطير وطير"، وتطبُّع التوجه الرسمي التنموي لتوجيه المدخرات نحو استثمارات طويلة الأمد لتعطي عوائد مجزية لتوظيفات أموال أصحاب الأعمال، وتتمثَّل توجهاتها على طريق البناء والتشييد وتحقيق نماء يوفر فرص عمل متزايدة ويقلل من البطالة ويزيد من العمالة الوطنية، ونظرة منفتحة لمنطق أنَّ الوفرة القائمة واحتمال زيادتها، وانعكاساتها على المستويات المعيشية المتحسنة، توجد احتياجاً وطلباً على العمالة المحلية والوافدة، ويترتَّب عليها مراجعة احتياجات الاقتصاد الوطني لمهارات متجدِّدة وخبرات حديثة.
استعراض الفرص المتاحة لأصحاب الأعمال والرسميين على هامش الزيارات الملكية والمهمة تساعد على وضوح الرؤية والتركيز لفهم مجريات الاحتياجات من استقراء قلب المشكلة الاقتصادية السعودية، ضمن فلسفة وتوجه وبرنامج واضح بعيد عن تكرار إثارة إيجابيات وسلبيات النهج الاقتصادي المعروفة من الدخل الريعي والازدهار الاقتصادي الاستهلاكي و"عرقلة" الظروف والملابسات والاجتهادات الفردية وطموحات أصحاب الأعمال حرية الاستثمار المرن في مجالات الخير المتوافرة سواء البترول ومشتقاته أو البتروكيماويات والتعدين والسياحة، والطيران المدني والنقل .. الخ، واضح من قراءة أفكار أصحاب الأموال في الصحف المحلية وحديث المجالس، أنَّ الاستثمار في هذه النشاطات ربما تكون نتائجه أكثر ازدهاراً عندما ينطلق بتوجهات صحيحة واضحة من الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية مسايرة لأفكار الانفتاح الاقتصادي وحرية التعامل الذي تلتزم به المملكة تجاه المستثمرين الوطنيين والوافدين وفقاً للاتفاقيات الموقعة بما في ذلك (وتو).
من يعرفون أنَّ الخليفة الراشدي عثمان بن عفان أرسل أول سفارة إسلامية إلى الصين في القرن السابع الميلادي، يجعلهم يتفاءلون بزيارة خادم الحرمين الشريفين أنَّ تقدِّم الغرف التجارية الصناعية قفزات استثمارية متجدِّدة ومستفيدة من زيارات الخير الملكية، وأنْ توفر الجهات الرسمية أنماطا خدمية متحرِّرة بعيدة عن حرفية البيروقراطية تسهيلاً للإنجاز وتحقيقاً للازدهار. ويذكر وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك في الأردن، "أنَّ امتداد الإسلام نحو الصين، وحركة التجارة بين الصين والوطن العربي لم ترافقهما علاقات صراعية من ناحية، إلاَّ أنهما لم يخلقا تلاحماً ثقافياً من ناحية أخرى وبقيت اللغة الصينية والثقافة الكونفوشية مجهولتين لدى العرب، ولم يكن هناك الحضور الفاعل للثقافة العربية في الانثرمولوجيا الثقافية الصينية". العلاقات العربية الصينية خلال النصف الأخير من القرن العشرين وحتى بداية القرن الواحد والعشرين تلونت بالتغيرات السياسية في داخل الصين وهموم حكومات كثير من الدول العربية المهتمة بالتغيرات الأيدلوجية في كياناتها والدور الإسرائيلي والثورات العربية في معظم دولها من المحيط للخليج وتضاربها مع المصالح الغربية، واعترافات البلدان العربية بالصين تأخَّرت وعطلها لسنوات طويلة تصويت مجلس الجامعة العربية في منتصف عام 1950 الاعتراف بحكومة جزيرة تايوان على أنها الممثل الشرعي للشعب الصيني، إضافة إلى ذلك الشعب العربي في غالبيته لنصف قرن مضى ابتعد فكره عن الصين وانبهر بالغرب لولعه وتأثر بمنتجاته الاستهلاكية والترفيهية والثقافية. في المقابل يقول مفكر عربي "تدل الانطباعات العامة للشارع الصيني ولا سيما في أوساط الريف الصيني والذي يمثل 70 في المائة، على اختلاط بين صورة العربي وصورة المسلم في الذهن الصيني، وبالتالي فإنَّ صورة العربي في الذهن الصيني هي صورة مكررة للإندونيسي والماليزي أو غيرهما". زيارة خادم الحرمين الشريفين للدول الأربع الآسيوية عامة والصين والهند خاصة تفتح مجالات استطلاعية مقارنة لتجارب تنموية خافية علينا، وتمثل مدارس تنموية تطبيقية مقارنة نحن في حاجة لتدارسها، وإصلاحاً لتوجه اقتصادي يقلل الاتكال الاستهلاكي ويبيِّن فوائد الإنماء الخارج عن البترول ومشتقاته.
يقول الكاتبان ديفيد هيل وليريك هيوزهيل في مقالة عنوانها "انطلاقة الصين"، "إنَّ بزوغ الصين كقوة اقتصادية سيصبح من أهم التحديات التي سيواجهها قادة العالم في حقبات الزمن القادمة، وأنَّ تقدمها يترتب عليه إعداد تحاليل دقيقة، لفهم استراتيجياتها الناجحة في تحقيق الحرية الاقتصادية والتقنيات العالية وقدرتها لتصبح قوة إقليمية لا يستهان بها ومخاطرها والفوارق الداخلية بين الريف والحاضرة وتزايد البطالة وتحديات فوارق أعمار المواطنين وزيادة أعداد كبارهم. مهم دراسة تأثير المعجزة الاقتصادية الصينية على الداخل والخارج الذي زعزع طمأنينة دول الجوار وشركائها التجاريين لخوفهم من الأضرار الناجمة على نشاطاتهم التجارية نتيجة إضعاف قوة الصين النسبية المزاحمة المقارنة واهتزاز الأرضية الاقتصادية المقامة عليها خاصة في مجال التقنيات العالية وضياع أسواقها عليهم، وخشية الولايات المتحدة الأمريكية من الأضرار المنتظرة والبروزات المتوقعة من احتواء العملاق الأصفر للشركات الأمريكية والغربية وتوفير "عرين" خصب ومزاحم لنشاطاتهم وقاعدة لانطلاق صادراتهم وأقيامها المزاحمة تزيد من زيادة العجز التجاري الأمريكي للصين (والذي أداء وفائها يزيد من قيمة السندات الحكومية الأمريكية المتصاعد استثمار الصين فيها لما لا يقل عن 40 في المائة من إجماليها). ويستطرد القول "الصين مدركة كثيرا من مخاوف دول الجوار والولايات المتحدة، وساعية في احتوائها أضرار المتغيرات في قيام منطقة إقليمية حرة إلى توثيق أواصر حرية التعاون الاقتصادي وقيام سوق موحدة بينهم . البوادر الصينية الحميدة لا تطفي لهيب مخاوف المنطقة من التفوق الإنتاجي والازدهار الاقتصادي الصيني المتفوق على اقتصاديات دول الجوار والمرشح للفوز عالمياً على الغرب والرأسمالية الأمريكية (من تبديدها مقومات العولمة الإنتاجية في بناء إمبراطورية السيطرة عالمياً على أشلاء دمار قوميات وديانات وشعوب لا تتوافق مع صراعات أيدلوجيات داخلية متصارعة تفرزها مشاعر الغطرسة وتخيلات رقي اجتماعي). ويوضِّح الكاتبان "لا يغيب عن البال أنَّ عجلة التجارة والتعاون الاقتصادي مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية ودول الجوار مستمرة ومتنامية".
الرأي الرسمي الصيني القائم في تعاملاته مع الدول العربية منذ بداية هذا القرن استراتيجي صرف لرؤية ذاتية لا نتيجة لما كانت عليه سابقاً لا نتيجة لردات الفعل على سياسات دول المنطقة أو دول الغرب، ولكن من منظور أنها مصدر للطاقة وسوق تجارية لمنتجاتها بعمق استراتيجي تنافسي واسع. الغرف التجارية الصناعية السعودية ما زالت تحركاتها التفاوضية مع الجهات الأجنبية تتقارب مع الأفكار التي يصفنا بها في مقالاته وكتبه فريدريك فريدمان. مصلحة اقتصادنا ألا تكون آفاق الغرف مقصورة على الأساليب التجارية المتقوقعة والأفكار البرجوازية البالية, بل داعمة لأهم احتياجات الاقتصاد التنموية المؤدية لزيادة المدخرات وإنعاش الاقتصاد عن طريق الاستثمار بأموال وخبرات محلية ومستوردة من الخارج في المجالات والنشاطات التنموية المضافة لقطاعات البترول والمتفق عليها وتستهدف توفير فرص توظيف واسعة وتقارب بين الطبقات المعيشية وزيادة المهارات والتقنيات.
الصين ما زالت في بداية طريق البناء التنموي الاقتصادي، والنجاحات التي حققتها تتمثل في زيادة صادراتها لمنتجات من مناطق حرة أقامتها، مصانع لمنتجات شركات دولية أمريكية وأوروبية تتولى تجميع مستوردات آسيوية وتعيد تصديرها كاملة، وتنفذ نفس الفلسفة التصنيعية في الاتجاه المعاكس من الصين إلى دول المنطقة أو مكتملة التصنيع والتصدير، إضافة إلى منتجات الصناعات الصينية الوطنية المتدنية السعر والجودة. الصين تهتم بتصدير منتجاتها وأخذ احتياجاتها من الطاقة مثلها مثل الدول الغربية. وعلينا أنْ نفطن لذلك وتكون لنا خطة اقتصادية حصيلة نشاطاتها للاقتصاد أكثر من كلفتها، وأنْ نعي قول محلل اقتصادي عربي أنْ "لا تعوِّلوا على الصين كثيراً في المدى القصير، ولا بد من خطة أكثر اعتناء بالصين على المدى البعيد".
يتضح من قراءة تاريخ نصف قرن مضى للصين في المنطقة أنه يدور ويلف في محاولة الصين اختراق المنطقة العربية المهيمنة عليها اقتصاديات الإمبريالية الغربية وردود الفعل لإضعاف تواجدها عند قيام الأزمات، ورغباتها أخيرا مساندة مناطق مصادر المنافع والطاقة لمواجهة الأطماع الغربية وتقوية وتوثيق التعاون في مصالح الاستثمار خاصة في مجال الطاقة والبتروكيماويات، يتوافر ضمن حريات تجارية واتفاقيات حرية التجارة وخاصة (وتو)، وتطابق الالتزام وقدراً من التعاون في تفهم العقليات والدخول في اتفاقيات استثمارية طويلة الأمد في التدريب والصناعة والزراعة ... إلخ.
الصين تمر بتغيرات اقتصادية اجتماعية كبيرة ضمن معارضات داخلية قائمة في بلادها من جهات وأشخاص يرون مخاطر ومتاعب لهم من التغيرات الاقتصادية الحديثة وانعكاس أفكارها من منظور سلبي على الأنماط الاجتماعية والفكر السياسي التقليدي. مهم ألا يغيب على البال أنَّ النظام القائم في الصين متوافر له من السيطرة والقدرة ليهيمن على أي مواقف مخالفة لتوجهاته مما يساعد على سرعة الإنجاز الاقتصادي والبناء التنموي وتحسين الأحوال الاجتماعية لواقع حاله. مقارنة بوتيرة التطلعات التنموية في الهند والذي يعتبر أكبر ديموقراطية في العالم وتتمتع فيه المؤسسات المدنية مثل رابطات العمال وحقوق الإنسان... إلخ حقوق حماية ومسؤوليات الأوضاع القائمة قد تسب نشاطاتها, تقليل سرعة الإقدام في التغير الهيكلي للاقتصاد والإصلاح للأوضاع الاجتماعية. كما أنَّ التأثر السلبي بالعوامل الطبقية والموروثات العقائدية في الهند أكثر منه في الصين الذي تكوينه توجهاته عبارة عن مزيج لفلسفة الثورة الثقافية في الصين وهيمنة قبضة "ماوس توتنج"، مما يوفر لهم ليبرالية منضبطة مكتوبة بحروف صينية. كما أنَّ العلاقات الأسرية الصينية وتفكيرهم للأعمال والادخار والاستثمار هي أقرب لما نحن عليه، مما يساعد مرونة التفاهم والتوافق والاتفاق.
توطيد العلاقات الاقتصادية مع الصين في الظروف الحالية مهم الانتفاع منه وتوثيق عرى مصالح التعاون التنموي في الوقت الحاضر منطقي، والعامل السيكولوجي الحديث في السياسة الصينية منفتح، وتتمتَّع الصين بمشاعر الدولة العظمى وإمكانيات الدولة النامية. مصدر الخوف كل الخوف من التعامل معها مستقبلاً يظل من منظور صعوبات التوفيق بين المفهومين، مع اكتمال النماء وتنال الصين مكاسب اقتصادية متزايدة، وتؤمن استقلالية مصادر احتياجاتها من الطاقة، وتتغير لتتحول وتتحلى بأخلاقيات الدولة العظمى الغربية المتفوقة عالمياً في المبتكرات العالمية وعلوم الفضاء، ومتقاسمة خيرات الدول النامية مع الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من تصارعها معها. اختيار تقوية المكانة المحلية للتنامي مع المطامع الشرقية والغربية، تكمن في التعاون على تقوية النشاطات الاقتصادية التي تعود بالنفع للاقتصاد السعودي في طريقه لازدهار اقتصاده، واستمراريتها للصين مهم في الأحوال المتغيرة ويحقق الضمانة المتوازنة لاستمرارية المصلحة للطرفين ويسهل وسائل وطرق توثيق التعاون والمصداقية التي تقوي أواصر المصالح المتبادلة ونتائجها.
الصراعات التي سادت شرق آسيا وخاصة الحرب العالمية الثانية كفيلة بأنْ تبعد دولها عن اقتتال داخلي، وتواصل تدافعهم للتنمية لازدهار الاقتصاد وتحسين الأحوال الاجتماعية, خلافاً لما عليه المنطقة العربية من تخلف ثقافي وفقر وتنمية متردية وانشغال في خلافات سياسية. الصين تهتم كثيراً بتقوية أواصر التعامل الطويل الأمد والاستثمار في مشاريع متكاملة للاقتصاد الداخلي والخارجي للطرفين على مفاهيم وأسس تجارية علمية.
زيارة خادم الحرمين الشريفين تفتح الأبواب الواسعة ليتعرف الشعب الصيني على واقعنا على حقيقته، وأننا نتعامل مع الصينين على أنهم شعب له تاريخ طويل وتعاملات مزاحمة ومتزاحمة مع اقتصاديات الغرب، وأنَّ قوة التفاوض والتعامل ليست محصورة عن طريق غرف تجارية صناعية بدون معرفية كافية لتقديم معلومات وتصورات واضحة. مهم أنَّ أصحاب الأموال المهتمين بعملهم مع أقرانهم في الصين ضمن مصلحة بلادهم أن يتوجهوا لهم مباشرة أو أنْ يأخذوا أماكنهم في مجالس الغرف التجارية عن علم وجدارة وخبرة بعد التفاهم مع الجهة الحكومية المسؤولة عن الطرق والوسائل التي تطمئن بها القلوب أنَّ من يصلون إلى مراكز الغرف التجارية الصناعية لديهم العزم والوقت والالتزام للعمل من أجل الوطن ومجتمع الأعمال. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي