الاقتصاد والسياسة يتنازعان مسار أسعار النفط

الاقتصاد والسياسة يتنازعان مسار أسعار النفط

يتوقع أن تشهد الأسواق هذا الأسبوع استمرار التنازع بين العوامل الاقتصادية والسياسية لتحديد مسار سعر برميل النفط، وذلك مواصلة للتقلبات التي ميزت الأسبوع الماضي، خاصة مع تزايد الإحساس بأن التراجع الذي شهدته أسعار النفط الخام والمشتقات كان زيادة عن اللازم، وأن الاختبار الحقيقي قد يأتي مع نهاية هذا الشهر في بداية عطلة نهاية الأسبوع الطويلة. كما سيعطي هذا الأسبوع مؤشرات على إمكان حدوث انقسام في الموقفين الأمريكي والأوروبي بشأن الملف الإيراني النووي أو بقائه موحدا.
وأدى الإحساس بالخوف من انبعاث التضخم مرة أخرى وسط العديد من المؤشرات الاقتصادية في هذا الصدد وتزايد المخزونات النفطية إلى تراجع في سعر الخام قرب نهاية الأسبوع الماضي إلى أقل من 70 دولارا للبرميل من خام ويست تكساس الحلو الخفيف، وإلى معدل بلغه آخر مرة في العاشر من الشهر الماضي، لكن ذلك لم يكن كافيا لإبعاد العامل السياسي والخوف من حدوث انقطاع في الإمدادات الذي ظل يشكل الارضية للاستمرار في ارتفاع الأسعار. واعتبر الخميس الماضي نقطة فاصلة في هذا الاتجاه حيث تراجعت أسعار العقود الآجلة بنحو 34 سنتا ليباع البرميل بـ 68.35 دولارا وذلك بعد خسارته دولارا كاملا قبل ذلك. أما في لندن فإن خام برنت تراجع 19 سنتا ليباع بنحو 68.85 دولارا للبرميل. كما سجلت مبيعات البنزين تراجعا مقاربا. وسجل سعر الغاز الطبيعي أدنى معدل له في غضون 15 شهرا إذ بيع بأقل من ستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وأوضحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في بياناتها الأربعاء الماضي أن مخزونات البنزين زادت بمقدار 1.3 مليون برميل إلى 206.4 مليونا، الأمر الذي عزز من الطمأنينة لدى المتعاملين. كذلك فإن إنتاج البنزين زاد إلى 9.2 مليون برميل، وهو أعلى مستوى منذ عشرة أشهر، كما ارتفع حجم الواردات منه إلى 1.45 مليونا، وهو ثالث أعلى متوسط أسبوعي على الإطلاق. أما فيما يخص الغاز الطبيعي فشهد حقن 91 مليار قدم مكعب في المخازن تحت الأرض، الأمر الذي رفع كمية المخزون إلى أكثر من ترليوني قدم مكعب، وهو أعلى معدل تشهده هذه الفترة من العام.
من ناحية أخرى سجلت مخزونات النفط الخام تراجعا بنحو 100 ألف برميل إلى 346.9 مليون برميل رغم ارتفاع الواردات بمقدار 376 ألف برميل يوميا إلى 10.4 مليونا. كما سجلت المقطرات والمشتقات الوسيطة تراجعا بنحو 100 ألف برميل الى 114.6 مليون برميل.
على أن العامل الجديد الذي لعب دورا في تحديد مسار الأسعار الأسبوع الماضي في البداية إنما يعود إلى الأرقام الحكومية التي أشارت إلى أن الأسعار المرتفعة للمواد الخام تسهم في رفع تكلفة المعيشة. فقد زاد المؤشر الرئيس لأسعار المستهلكين بنسبة 0.3 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي، وهو ما يزيد على التوقعات السائدة بهذا الخصوص، الأمر الذي ساعد على تجدد المخاوف من عودة التضخم وبالتالي دفع مجلس الاحتياط إلى رفع أسعار الفائدة، وهي خطوة ستكون لها انعكاساتها العديدة من تباطؤ في النمو الاقتصادي يصحبه تراجع في الطلب على النفط.
لكن يوم الجمعة الماضي شهد إعادة تقييم وضع السوق التي ربما تكون بالغت قليلا في التركيز على توافر الإمدادات، وهي فرصة اقتنصها بعض المتعاملين للتخلص من بعض العقود.
لكن يظل العامل الجيوسياسي ماثلا يسهم في التركيز عليه الأحداث التي تجري في أمريكا اللاتينية من فنزويلا إلى بوليفيا إلى الأكوادور بشأن المزيد من السيطرة على الصناعة النفطية في تلك المناطق وحدوث نزاعات قضائية تسهم على المدى القصير في استمرار حالة عدم الاستقرار التي تلم بالسوق وربما إلى أضعاف القدرة على توفير الإمدادات على المدى البعيد.
وفي هذا الصدد فإن استجابة الرئيس النيجيري أوليسيجون أوباسانجو لقرار النواب عدم تعديل الدستور للسماح له بالترشيح فترة رئاسية ثالثة، يعتبر تطورا مريحا، لكن لا تزال الانتخابات قائمة في موعدها العام المقبل، وهو نشاط يصحبه عنف يلقي بظلاله على أسعار النفط خاصة مع ارتفاع سقف الجماعات المتمردة في منطقة دلتا النيجر التي تطالب بقسمة في السلطة والثروة.
وهناك أيضا استمرار المواجهة بين إيران والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة بخصوص الملف النووي الإيراني. وتبدو الأزمة المرشحة للتواصل، عنصر قلق خاصة في ضوء المقترحات الأوروبية التي قدمت أخيرا إلى طهران و لا تبدو الولايات المتحدة سعيدة بها، ولو أنها لم تقدم ردا نهائيا حولها، فالدول الأوروبية تريد تقدم جرزة في تعاملها مع إيران من خلال اقتراح إطار عام للأمن في منطقة الشرق الأوسط يكون لإيران دور واضح فيه إلى جانب حزمة من الإغراءات. هذا إلى جانب الطلب الأوروبي أن تنظر واشنطن في رغبتها إعفاء الشركات الأوروبية من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات التي تتعاون مع إيران، كما أن موضوع اللجوء إلى فرض عقوبات يظل هاجسا تشارك فيه روسيا والصين وهما ليستا متحمستين لهذا الجانب. وسلمت المقترحات إلى واشنطن الخميس الماضي، ويتوقع أن يشهد هذا الأسبوع تداولا حولها بين المندوبين في مسعى للوصول إلى تفاهم مشترك. ويعني هذا في واقع الأمر تخفيف حدة المواجهة وبروز حالة من الإنقسام بين واشنطن والعواصم الأوروبية، وهو ما يحتاج إلى المزيد من الوقت لرتقه ومن ثم بلورة موقف موحد. لكن يتخوف المتشددون أن تستثمره إيران في الوصول إلى نقطة اللاعودة وعدم القدرة على وقف برنامجها النووي. وكل هذا يعني بالنسبة للسوق أمرا واحدا: استمرار عنصر توتر يظل مؤثرا على الأسعار بصورة أو أخرى.

** تقرير أسبوعي تعده "الاقتصادية" تزامنا مع استئناف تعاملات أسواق النفط اليوم

الأكثر قراءة