القبور والجثث تحرم السعوديات من الطب الشرعي

القبور والجثث تحرم السعوديات من الطب الشرعي

تعاني مهنة الطب الشرعي النسائية غيابا تاما للمتخصصات السعوديات في هذا المجال، إذ إنه لا يوجد سوى سعودية واحدة على مستوى المملكة تعمل في تخصص الطب الشرعي. وأرجع مهتمون أسباب هذا الإحجام من قبلهن إلى قلة الحوافز المادية المقدمة للعاملين في تلك المراكز قياسا بحجم المسؤولية الملقاة على كاهلهن.
إذا يعمل الأطباء الشرعيون في أجواء تتصف بنوع من القسوة منها مشاهدة الجثث المشوهة، وظروف تنقل فريق العمل بطائرات مروحية أو سيارات مهيأة إلى مناطق الحدث، إلى جانب طبيعة المرأة وخصوصية السعوديات منهن.
"المرأة العاملة" طرحت تساؤلا عن سبب هذا الإحجام على الدكتور سعيد غرم الله الغامدي استشاري الطب الشرعي والمشرف العام على مركز الطب الشرعي والوفيات في الرياض فقال" إن كون طبيعة العمل تتصف بنوع من الصعوبة، جعل الطبيبات حديثات التخرج يمتنعن عن الالتحاق بمجال الطب الشرعي، حيث تُطالب الطبيبات الشرعيات بالعمل أسوة بزملائهن من الأطباء الشرعيين، من حيث المعاينات الخارجية لأن عمل الفريق الطبي التابع لمراكز الطب الشرعي يتطلب الانتقال السريع إلى مسرح الجريمة في أي مكان على مستوى المنطقة التي تعمل فيها حيث تصل بعض المسافات إلى نحو 700 كيلو متر، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالطائرات المروحية أو الاستعانة بالسيارات المخصصة للمناطق الوعرة الجبلية أو الصحراوية لأن هذا الفريق يعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة بموجب مناوبات منظمة".

ويؤكد الدكتور الغامدي حاجة قطاع الطب الشرعي في المملكة إلى مزيد من الخريجات المتخصصات في هذا المجال، لأسباب مهمة ومتنوعة، فالعمل في مجال الطب الشرعي لا يقتصر على الكشف على الجثث ومصابي الجرائم والحوادث، بل إن من مهام الأطباء في المراكز أيضا الكشف على حالات الاعتداء الجنسي وهتك الأعراض، مشددا على أن حاجة مراكز الطب الشرعي للفريق الطبي النسائي، تتضح بشكل أكبر في الحالات النسائية التي تتقدم إلى المركز للكشف عن اعتداء جنسي وقع عليهن.
وقال الغامدي إن المركز يستعين بسبب خصوصية المرأة المسلمة في العديد من القضايا المتعلقة بالشرف، بطبيبات النساء والولادة بصورة مباشرة وحسب التعاميم المنظمة لأعمال الطب الشرعي، إلا أنهم قد يستعينون بالأطباء الشرعيين الرجال للكشف على النساء في حالة تعذر الجزم بمفردات الإصابات المحتملة في مناطق حساسة من جسد المرأة، لعدم تمكن طبيبة النساء والولادة من إثبات بعض الأمور.
وأضاف "إلا أن ذلك يتطلب صدور أمر من القاضي أو الحاكم الإداري لتأخذ الصبغة القانونية".
وبين الدكتور سعيد أن المركز يضطر أحيانا كثيرة إلى الاستعانة بممرضات سعوديات، في حالات الكشف الطبي الشرعي على عورات النساء في القضايا المتعلقة بالشرف أو القضايا التي تطلب هيئة المحكمة الكبرى، الكشف الطبي الشرعي على غشاء البكارة في بعض القضايا الخاصة بالمشاكل الأسرية وقضايا الطلاق.
في المقابل تعتقد ليلى العمودي طالبة في كلية الطب أنه يمكن تحفيز الطبيبات للدخول في هذا المجال، من خلال استثناء العاملات سواء من فئة الطبيبات أو الممرضات اللواتي لديهن الرغبة المبدئية للدخول في مجال الطب الشرعي من التنقل إلى مسارح الجريمة، وتضيف" أن طبيعة المرأة عموما والسعودية بالتحديد لا تتلاءم مع تلك التنقلات، التي تتم في أوقات مختلفة من اليوم".
إلا أن المشرف العام على مركز الطب الشرعي والوفيات في الرياض يقول إن صعوبة التنقلات إلى مسارح الجريمة لم تكن السبب الوحيد الذي أبعد المرأة السعودية العاملة عن الدخول في هذا المجال، بل ساهمت الظروف البشعة التي تحيط بعمل الطب الشرعي والتي منها، الكشف الظاهري والتشريح واستخراج الجثث المشتبه فيها من القبور و صعوبة التعامل عن قرب مع الأشلاء الآدمية والجثث المتحللة والمتعفنة والأخرى المغمورة بالماء، في منع الطبيبات السعوديات من الإقبال على هذه المهنة.
من جهتها تؤكد أميمة خالد (طبيبة) أنه غير صحيح أن الطبيبة لا تستطيع التعامل مع الجثث والأموات، رغم صعوبة تلك المناظر الناتجة عن الجرائم والحوادث، إلا أنها ترى أن الصعوبة الحقيقية تتمثل في الذهاب إلى القبور وانتشال الجثث المشبوهة من داخلها حيث إن هذا الأمر من الأمور التي يستحيل تنفيذها من قبل الطبيبات السعوديات.
في حين ترى طبيبة ـ فضلت عدم ذكر اسمها ـ " أن التحاق الطبيبة في مجال الطب الشرعي يجعلها تبعد تماما عن مهنة الطب الإنسانية، وعللت ذلك بأن نسبة التعامل الكبرى مع الجثث والأموات، إلى جانب عدم إمكانية ممارسة مهنة الطب الإنسانية في أي تخصص آخر، بناء على قوانين وزارة الصحة ومنع العاملات في هذا المجال من إنشاء عيادات خاصة، يزيد من صعوبة وعزوف السعوديات عن الالتحاق كطبيبات في هذا المجال.
من جانبها اقترحت سمية خان إخصائية نساء وتوليد حلا لضمان خصوصية المرأة المسلمة، كي لا تضطر أن يكشف الطبيب الشرعي عليها في حال عدم إمكانية طبيبة النساء والتوليد من إثبات حقيقة معينة، من خلال تدريب طبيبتين أو ثلاث من المتخصصات في مجال النساء والولادة التابعات للمستشفيات الحكومية في كل منطقة يوجد فيها مركز طب شرعي.
ونوهت خان إلى أنه يمكن تحقيق ذلك عبر دورات طبية شرعية خاصة تقدمها تلك المراكز بالتنسيق مع الهيئات الطبية الأخرى، بحيث يستعان بهن في حال الضرورة دون أن يتأثر عملهن الأساسي في مجال تخصصها، وقالت خان " إن ذلك سيضمن خصوصية المرأة المسلمة التي تضطرها ظروف طارئة إلى اللجوء إلى مراكز الطب الشرعي، والتعامل مع الطبيب الرجل".
أما عن إمكانية تدريب وتأهيل الطبيبات والممرضات الممارسات لمهنة الطب والأخريات حديثات التخرج يشير الدكتور الغامدي إلى أن البرنامج السعودي للطب الشرعي الذي بدءأ العمل بموجبه من العام الدراسي 1426هـ / 1427هـ، يقوم بتأهيل الطبيبات حديثات التخرج والقيام بتدريبهن على قواعد الطب الشرعي، ليصلن إلى المستوى المناسب الذي يجعلهن قادرات على تولي القضايا الجنائية والاعتماد الكامل على أنفسهن في جميع خطوات إجراءات الطب الشرعي منذ إجراء الفحص لمسرح الجريمة وحتى تحرير التقارير الطبية الشرعية ومن ثم تحليل النتائج ليصل بعد ذلك إلى الجهات الأمنية والقضائية بالصورة التي تخدم العدالة.
ولكنه يوضح أن ذلك الأمر يقابل بامتناع تام من الطبيبات بدليل أنه لا يوجد سوى سعودية واحدة تعمل في مجال الطب الشرعي، مشيرا إلى أن من ضمن الأسباب التي تضاعف حجم امتناع السعوديات للتخصص في مجال الطب الشرعي هو قلة الحوافز المادية قياسا بحجم المسؤولية الملقاة على كاهل الطبية أو الطبيب الشرعيين هو عدم وجود الحوافز المادية المغرية مثلها مثل الطبيب كتلك الموجودة في التخصصات الأخرى وكذلك عدم تمكن الطبيب الشرعي من العمل بعيادة خاصة أو ممارسة الطب الإكلينيكي نظراً لطبيعة عمله التي لا تمكنه من ذلك نظاماً.
بينما وافقته الرأي ( لميس الكعكي) طالبة بكلية الطب حيث قالت لو أن الحوافز المادية للطبيب الشرعي تقيم بقدر المسؤولية الملقاة عليه وروعي وضع المرأة في هذا المجال بشكل جاد من المسؤولين لغيّر الكثير من طالبات الطب مسارهن.

الأكثر قراءة