من أجل وضوح الرؤية
تحكم المجتمعات المعاصرة سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكل واحدة من هذه السلطات تعرف حدودها وفضاء حركتها ومجالاتها، أو ينبغي أن يكون لكل سلطة حدودها التي لا يجوز أن تتخطاها أو تتجاوزها بأي شكل من الأشكال وأن تكون كل واحدة من تلك السلطات مستقلة غير منفصلة، أي أن تمتلك الحق بمراقبة السلطات الأخرى، من أجل الحفاظ على التناغم في الأداء والتطبيق من أجل الصالح العام وحقوق الأفراد والجماعات.
إن مبدأ فصل السلطات الثلاث يعني عدم تجمع السلطات أو بعضها في سلطة واحدة، لأن ذلك قد يمنح إحدى السلطات حق التدخل في قرارات السلطة الأخرى، وتصبح العملية القانونية والأداء العام في حالة أقرب إلى فقدان المرجعية.
السلطة القضائية هي حامية العدالة والضامنة للحقوق، ولهذا فإن استقلالية هذه السلطة أهم مبدأ لترسيخ العدالة والمساواة وقيام دولة حقوق الإنسان، وكما أن السلطة التشريعية هي التي تقوم بسن القوانين وإصدار الأنظمة فإنها تقوم كذلك بمراقبة تطبيقها وكفاءة أصحاب العلاقة ونزاهتهم، وتأتي السلطة التنفيذية التي لا بد أن تكون مؤهلة وغير منحازة إلى أي اتجاه أو انتماء إنما تؤدي عملها طبقا للقوانين والأنظمة دون تجاوز لحدودها أو التعدي على حدود السلطات الأخرى، أي لا تقوم السلطة التنفيذية بممارسة دور السلطة القضائية أو التشريعية لأن ذلك يفقد استقلالية السلطات الأخرى ويلغي دورها في حماسة وضمان حقوق الإنسان وانتظام العمل والإنتاج.
إن التوازن والانسجام بين السلطات الثلاث يؤدي إلى الانسجام والتوازن بين أفراد المجتمع الذي بدوره يقود إلى الشعور بالأمان والمساواة والاحترام بين الجميع.
وكان قد أثارني وأحزنني ذاك الموقف العنيف الذي اتخذه رجال الهيئة في منفوحة تجاه أحد المواطنين وتعرضه للضرب والإهانة أمام الناس، لا لشيء سوى أنه مشتبه به واكتفى رجال الهيئة بالاعتذار.
والسؤال هنا يقول: هل يملك رجال الهيئة أو غيرهم الحق بالاعتداء على الإنسان مهما كانت التهمة الموجهة إليه؟ وحتى لو كان المشتبه به هو الشخص المطلوب هل يملك رجال الهيئة الحق القانوني والشرعي بتنفيذ القانون والشرع بأيديهم؟
ألا توجد هناك سلطة قضائية؟
ما هو دور السلطة التنفيذية.. وقبل ذلك ما هي السلطة التنفيذية؟
والسؤال الثاني يقول: كيف تتركز جميع السلطات في سلطة واحدة؟ وهل هذا يجوز؟
وللإجابة عن هذا الكم من الأسئلة ينبغي بداية التفكير بصورة واضحة وبشكل جاد في اتخاذ خطوات ملموسة من أجل تحديد صلاحيات كل سلطة من السلطات الثلاث وإعادة الانسجام بين تلك السلطات، حتى لا تضيع هيبة السلطات وتضيع حقوق الإنسان بين تجاذب الأدوار والمسؤوليات وعدم وضوح الرؤية.