إلى صناع القرار العرب والأمريكيين

خلال السنوات الثلاث التي استغرقتها الأزمة العراقية الراهنة تبلورت الملامح العامة الرئيسية لها ولنتائجها سواء على الصعيد العراقي الداخلي أو العربي الإقليمي أو العالمي. وخلال تلك السنوات بدا واضحاً لكل ذي عين محايدة وعقل موضوعي إننا إزاء أزمة جديدة فريدة في عديد من جوانبها وآثارها، وفوق ذلك أنها مرشحة للاستمرار لفترة طويلة قادمة سواء هي نفسها أو آثارها ونتائجها.
وخلال تلك السنوات نفسها أفاض كتاب وصحافيون ومحللون وباحثون عرب في توضيح وتحليل جوانب الأزمة العراقية الخطيرة وتداعياتها ونتائجها الإقليمية والدولية واتخذوا مواقف منها وأطلق معظمهم توقعات وتحذيرات مستقبلية بما يمكن أن تثيره تلك الأزمة الكبرى من أزمات فرعية مختلفة في داخل العراق أو على الصعيد العربي الإقليمي أو على المستوى العالمي كله. وقد قام جزء كبير من تلك التحليلات والتوقعات ليس فقط على النظر للأزمة العراقية وحدها بل على نظر عميق بعيد من جانب معظم هؤلاء الكتاب والمحللين للسياسات الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً تجاه القضايا العربية والإسلامية. وقد أدى ذلك المزيج في طريقة النظر لما يجري في العراق وحوله إلى اتسام المواقف والتوقعات التي تبناها الكتاب والمحللون العرب بخليط من الطرح العقلاني والعاطفي تبلور في اتخاذ أغلبيتها الساحقة مواقف ناقدة ورافضة للسياسات الأمريكية المحافظة الجديدة سواء في العراق والعالمين العربي والإسلامي أو على الصعيد الدولي. وقد بدا واضحاً أن تلك المواقف قد انسجمت مع ما أكدته استطلاعات الرأي العام والدراسات التي أجرتها مؤسسات رسمية أمريكية حول اتجاهات الشعوب والنخب نحو الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة والتي أظهرت جميعها تراجعاً حاداً في شعبيتها وتصاعداً هائلاً في نقدها واتخاذ مواقف سلبية منها في مختلف أنحاء العالم بما فيها العالم العربي والإسلامي. إذاً لم تكن المواقف التي أبرزتها كتابات وتحليلات الكتاب العرب خلال الأزمة العراقية محض انفعال عاطفي طارئ، ولم تكن من ناحية ثانية تفردا عربيا تجاه تلك الأزمة والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، خارج عن عما يسود العالم من مواقف ومشاعر تجاههما.
تلك المواقف والاتجاهات التي تبناها الكتاب والمحللون العرب تجاه الأزمة العراقية والولايات المتحدة تبدو قائمة على الحقائق الموضوعية السابق الإشارة إليها وعلى السياقات الإقليمية والدولية التي لا تزال مرشحة للاستمرار، فليس من المنطقي توقع اختفائها أو تغيرها في الأمد القصير أو المتوسط خاصة في ظل تصاعد نفس مواقف النقد والغضب والنقمة على تلك الأطراف وهذه السياقات في العالم كله بما فيه العالمان العربي والإسلامي. وما دام الحال كذلك فإن هناك ضرورة للتعامل الجدي مع مواقف واتجاهات الكتاب والمحللين العرب باعتبارهم عينة جيدة التمثيل للنخبة العربية عموماً وللشعوب العربية بصورة أكثر عمومية. وإذا تعلق الأمر بالتعامل الجدي مع تلك النتائج وهذه المواقف، فإن الأمر ينصرف في الحقيقة إلى طرفين رئيسيين على كل منهما القيام بما هو ضروري عليه ويتفق مع مصالحه من هذا التعامل الجدي.
الطرف الأول يمثله صناع ومتخذو القرار السياسي في مختلف دول العالم العربي، الذين تقدم لهم تلك الكتابات مؤشرات واضحة لكل ذي عين لكيفية تفكير صناع الرأي العام من طائفة الكتاب والمحللين والصحافيين والباحثين، الذين بقدر ما يصنعون هذا الرأي بقدر ما يتأثرون بما يدور بداخل قطاعاته وشرائحه من أفكار ومواقف ومشاعر. وإذا كانت دراسات الرأي العام غير مستقرة, أو غير ممكنة بعد, في عالمنا العربي، فمن الممكن لصناع ومتخذي القرار العرب التأكد من مدى صدق ودقة تعبير تلك التوجهات التي أظهرها الكتاب العرب عن توجهات الرأي العام في بلادهم عبر الدراسات التي أجرتها المؤسسات الأمريكية السياسية والإعلامية لهذا الرأي العام والتي لم تختلف نتائجها كثيراً عما عبر عنه هؤلاء الكتاب. ولا شك أن وضع تلك النتائج في الاعتبار عند وضع السياسات وصنع القرارات المهمة والحيوية واتخاذها سوف يوفر قاعدة مساندة قوية لها سواء على الصعيد الشعبي أو على الصعيد النخبوي وبخاصة الإعلامي الذي يبدو أنه لا يبتعد عن الشعبي كثيراً. وفضلاً عما في تلك القاعدة من دعائم أمان سياسي واجتماعي داخلي وإضفاء للشرعية الشعبية والنخبوية على تلك السياسات والقرارات، فهي أيضاً توفر قدراً من المشاركة في صنعها واتخاذها حتى لو لم يتخذ ذلك مسارات مؤسسية وقانونية ثابتة. أيضاً فإن وضع تلك التوجهات في الاعتبار عند اتخاذ القرارات ووضع السياسيات يوفر لها حماية داخلية ضرورية أمام أي نوع من الضغوط الخارجية المتوقعة وبخاصة إذا كان بعضها متصادماً مع مصالح أو سياسات أطراف دولية ذات تأثير.
أما الطرف الثاني فيمثله صناع القرار وواضعو السياسات في الولايات المتحدة، حيث توضح لهم تلك المواقف والتوجهات مدى المخاطر التي يمكن أن يمثلها الإصرار على المضي في بعضها على المصالح المعنوية والمادية الأمريكية في عالمنا العربي والإسلامي. فلاشك أن هؤلاء المسؤولين الأمريكيين بحكم اعتمادهم في الوصول إلى مقاعد الحكم والسلطة على الرأي العام يدركون جيداً مدى أهمية توجهاته وتوجهات صانعيه من الكتاب والصحافيين والباحثين والمحللين وضرورة توافق ما يضعونه من سياسات ويتخذونه من قرارات مع تلك التوجهات. ولا شك أيضاً أن أي صانع سياسة أو متخذ قرار في الولايات المتحدة, إذا وضع جانباً تحيزاته, سوف يرى في توجهات ومواقف هؤلاء الكتاب مؤشرات خطرة على تدهور المكانة والسمعة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي. وليس المطلوب من المسؤولين عن صنع السياسات الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي في ظل ذلك سوى وضع مصالح بلادهم في المرتبة الأولى وبعد ذلك مصالح بلدان هذين العالمين لكي يصمموا تلك السياسات بما يتوافق مع تلك التوجهات الشعبية والنخبوية التي عبر عنها الكتاب العرب في معظم ما كتبوه ونشروه منذ اندلاع الأزمة العراقية وبما لا يخل بما يرون أنه المصالح الاستراتيجية الرئيسية لبلدهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي