سلاح متبادل ..النفط الإيراني بين منع التصدير وحظر الاستيراد

سلاح متبادل ..النفط الإيراني بين منع التصدير وحظر الاستيراد

نادرا ما أدت وسيلة فرض العقوبات الدولية على دولة ما في أن تجعلها تتراجع، ولكن في ذات الوقت ما كان السياسيون يلجأون لمثل هذه الوسيلة، إلا بعد استفاد الوسائل الأخرى. ولعل هذا ما ينطبق بالفعل على الحالة الإيرانية حيث يعتبر اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي هو الوسيلة الأخيرة لمنع إيران من المضي، قدما في تنفيذ برنامجها النووي وللحيلولة دون نشوب حرب مع إيران . ولكن هل من الممكن فعلا أن يواجه المجتمع الدولي احتمال فرض حظر نفطي على الواردات النفطية من إيران وهو بالمناسبة نفس السلاح الذي تهدد إيران باللجوء إليه وهو منع تصدير نفطها إلى الغرب؟
ويظهر للوهلة الأولى أمر حظر استيراد النفط من إيران الوسيلة الأكثر تأثيراً، حيث يسهم تصدير النفط بنحو 90 في المائة من خزينة إيران المالية، وتؤدي سياسة النفقات الباهظة من قبل الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى استقطاع نحو 2.6 مليار دولار من الاحتياط. ولكن سيصيب أمر حظر النفط الاقتصاد العالمي أيضاً. ويتشكّل رأي جماعي هنا، بأن سعر النفط سيرتفع للبرميل الواحد من 70 إلى أكثر من 100 دولار، إذا تم سحب كميات الإنتاج اليومية الإيرانية والتي تُقدّر بنحو 5 ملايين برميل من أصل 3.8 مليون برميل مباشرةً.

وبغض النظر من سيكون صاحب القرار إن كان مجلس الأمن الدولي سيفرض حظرا على الواردات النفطية الإيرانية أو أن طهران نفسها ستمتنع عن تصدير النفط ففي هذه الحالة ستسقط ثاني أكبر دولة مصدّرة للنفط من قائمة الأوبك، وبالكاد يمكن لأحد أن يتصوّر العواقب المحتملة عن مثل هذه الإجراءات على الاقتصاد العالمي. وبالإضافة إلى هذا فإنه من غير المستبعد إغلاق مضيق هرمز الذي يعتبره مرا بحريا لحركة ناقلات النفط العالمية.
ولم تحقق أوامر حظر استيراد النفط حتى اليوم أياً من أهدافها السياسية المقصودة. فعندما نادت بريطانيا في عام 1952 بأمر حظر استيراد النفط، عقب أن أصدر محمد مصدق أمر تأميم صناعة النفط الإيرانية عزز ذلك من تصميم إيران فقط. وحتى عندما أصدر العالم الإسلامي حظر تصدير النفط في عام 1967 و 1973 ضد الغرب، لم ينتج عن ذلك شيء يُذكر. وإذا كان على طهران وحدها هذه المرة أن تصدر أمر حظر تصدير النفط، حينها، وحدها إيران، لن تنتفع من ارتفاع الأسعار المتوقّع.
وإضافة إلى هذا، لا تُعد إيران منعزلة، كما تُروّج الصورة العامة غالباً. فمنذ سقوط صدام حسين، عززت طهران من قوتها السياسية في الشرق الأوسط. وتنوي إيران استثمار نحو 70 مليار دولار ضمن خطة الأعوام الخمسة الجارية في تعزيز وتحديث صناعتها النفطية. ومن المفترض أن تساهم دول الخارج بهذا بنحو 60 في المائة. وسينبثق جزء من هذا من الدول المتعطّشة للنفط، مثل الصين واليابان، حيث تسمح لهم إيران باستغلال الحقول الضخمة مثل حقلي ياداوران و أزاديجان. إضافة إلى هذا، تستورد مجموعات النفط الفرنسية، والإيطالية، وهولندا، وإسبانيا، نفطاً إيراني الأصل، ولم يوقفها حتى الآن أي تهديد أمريكي.
وتربط طهران شبكة اعتماد المشتقات النفطية ببعضها عن طريق قنوات توصيل الغاز بصورة وطيدة أكثر، حيث تزوّد إيران تركيا بالغاز، وتؤمّن بقاء أرمينيا. وتخلّت واشنطن عن مقاومتها ضد توصيل الكميات الكبيرة من الغاز الإيراني عن طريق باكستان إلى الهند، ومن المفترض الآن بناء قناة توصيل الغاز من إيران إلى الجانب العربي من الخليج نحو الشارقة. ولا ترى الإدارة هناك مصلحة لها في أمر حظر النفط، وبالتالي فهي تنمو بثبات. وما ينتمي إلى ذاك الموقف أيضاً، روسيا، والتي تريد تزويد إيران بتكنولوجيا الطاقة النووية، وهذا ما تقوم به بالفعل في مجال أنظمة الأسلحة.
ولكن من السهل إيذاء إيران من الناحية الأخرى، لأنها تملك عدداً قليلاً جداً من المصافي، وعليها استيراد أكثر من نحو 40 في المائة من استهلاكها من البنزين من الكويت، أو دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. ومن الممكن أن يكون توقّف تزويد البنزين لإيران بالغ الأثر عليها.كما يوجد نقطة أخرى قوية التأثير على المدى البعيد جداً: إيران تريد بناء مصافيها الخاصة مقابل 10 مليارات دولار، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث دون تكنولوجيا الغرب.
ومن الممكن أن يشير حظر الاستثمارات الأجنبية في القطاعات المهمة إلى أن يكون وسيلة مؤثّرة، حيث تعتمد أغلب الصناعات الموجودة في إيران على التكنولوجيا الأجنبية: لتتمكن من استغلال مصادر الغاز الموجودة لديها، فهي ثاني أكبر مخزون بعد روسيا، ولتتمكن من ترويج الغاز المميّع، ولتتمكن من تأمين التعزيز السريع للصناعة البترو- كيميائية دون مخاطر، ولتتمكن من بناء محطات توليد الطاقة، حيث تستهلك إيران نحو 10 في المائة من الطاقة سنوياً، ولتتمكن كذلك من الحفاظ على الإنتاج الأولي من المحركات والسيارات بالشكل السليم، عليها أن تتمسك بالمزوّد الأجنبي، والاعتماد عليه.
ومع ذلك يبقى تأثير هذه الوسيلة نفسها ضئيلاً، حيث يتدفق بناة المنشآت الآسيويون من الثغرات، حتى لو تنقصهم الإجادة، والكفاءة. وبالتأكيد سيتلاشى النمو الاقتصادي تدريجياً، إذا ارتفع حجم البطالة العمالية أكثر، وإذا تزايدت التوترات الاجتماعية. ومن المحتمل، أن يتقبّل حكّام إيران بهذا الخطر على الأمن الداخلي بهدف تفادي الخطر الخارجي.
لم تعمل القرارات القانونية الدولية في أي من القصص السالفة على أن ترضخ إحدى الدول على ركبها. وفي المستقبل، ستتلاشى هذه الحال أكثر و أكثر، طالما أن الاعتماد المتقاطع بين الدول في الاقتصاد العالمي يتزايد بصورة وطيدة أكثر. وتبقى القرارات القانونية ضد إيران منقوصة. و هي وإن كانت قادرة على كبح التطوّر الاقتصادي داخل الدولة، لكنها لن تعمل على إجبار حكام إيران على تغيير سياستهم المتبعة. لقد اتضح من جديد أن القرارات الدولية أسلحة متبلّدة لا نفع منها.

الأكثر قراءة