دعوة للتكاتف من أجل السلامة ويكفي قيادة العشوائية
الأمن إحدى الركائز الأساسية لتقدم الشعوب ورقيها، فضلاً عن استقرارها ورفاهيتها، ففي ظله يتشكل المناخ المواتي لتفعيل كافة النواحي التنموية التي تأخذ بالإنسان على مدارج الرفعة والازدهار، وتحميه من عوامل التخلف والانحدار، والأمن الذي يحقق هذه الأمور يتعدى حدود القدرات العسكرية، والإمكانيات الاقتصادية إلى آفاق أعم وأشمل. حيث تتضافر المرتكزات الاجتماعية والعوامل الثقافية مع تلك القدرات والإمكانيات لتشكل منظومة متكاملة الجوانب بمقدورها تحقيق الأمن بمفهومه الشامل الذي يجعل الإنسان محوراً لاهتماماته، بقدر ما يعول عليه الأمل في تحقيقه.
فمن الطبيعي أن يشكل الإنسان الثروة الحقيقية في تقدم الأمم ورقي الشعوب لذلك فإنه يعد منطلق التنمية والهدف الأساسي منها، والعنصر الرئيس في كافة عمليات التطوير والتحديث. ذلك أن المجتمعات – دائماً – بحاجة إلى جهد أبنائها وإسهاماتهم الإيجابية في دفع عجلة التنمية والسير بها قدماَ لتشمل كافة مجالات الحياة، وهذا الجهد الذي تأمله المجتمعات من أبنائها يتم التعبير عنه في بذل الطاقات والقدرات في العمل المنتج في كافة الميادين الأمر الذي يدفع في نهاية المطاف إلى التطور والقوة.
وتطور المجتمعات وقوتها لا يتحققان لمجرد امتلاك المركبات الحديثة أو حيازة أفخم موديلاتها وأقواها وأجملها، وإنما يتحققان باعتبار هذه الوسائل أداة نقل وليست أداة قتل، بحيث يتم التعامل معها بالعقل والحكمة تحقيقاً للسلامة المرورية التي أصبحت تعاني من سلوكيات سيئة زادت من حجم المخالفات المرورية وبالتالي زيادة حجم الحوادث الناجمة عنها.
من هذا المنطلق تهتم حكومة خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – ممثلة في وزارة الداخلية (الأمن العام - الإدارة العامة للمرور) بقضية السلامة المرورية، خاصة وأن حوادث السير بالمملكة قد اتخذت في السنوات الأخيرة منحى خطيراً، فقد ذهب ضحيتها الآلاف من الفئات العمرية المنتجة المؤثرة في الاقتصاد الوطني، كما خلفت هذه الحوادث خسائر مادية جسيمة مع فقدان ملحوظ في تنمية العمل الوطني بسبب الاختفاء المبكر من الحياة لآلاف من المواطنين وهم في سن العطاء، وتعطيل قوى عاملة أخرى انتهت حياتها الإنتاجية بالإعاقة الجسدية، أو بعاهات مستديمة، ومن ثم أصبحت هذه القضية بحاجة إلى تكاتف مختلف الجهود للحد منها حتى يسلم المجتمع من آثارها السلبية المؤثرة على الاقتصاد الوطني ومن ثم أمن الوطن بشكل عام.
ويدرك العمل المروري أن لكل فئة عمرية خصائصها المميزة. فمن أهم سمات الشباب وخصائص الفترة الشبابية الاندفاع ومحدودية الخبرة الاجتماعية والتعجل والحماس وحب الظهور وحب الاستعراض والمباهاة فضلاً عن التهور وعدم الإحساس بالخطر والثقة المفرطة وحب المغامرة وعدم التقدير السليم للمواقف. وتلك من أهم أسباب المخالفات المرورية والحوادث على الطرق. لذلك فإن الإدارة العامة للمرور تعمل جاهدة بمختلف الوسائل على تغيير اتجاهات هذه الفئة العمرية المميزة نحو مخاطر القيادة بسلوك متهور في الشوارع وفي الحياة عموماً، فتعمل على تبصيرهم بعواقب التسرع والاندفاع في القيادة وتأثيرها على الحوادث التي يهلك بها الناس ويضيع فيها المال، ولا تدخر الإدارة جهداً في العمل على رفع المسئولية الشخصية والاجتماعية لدى الشباب من خلال التوجيه بحسن معاملتهم على الطريق وفي مختلف المواقف والظروف التي يلتقي فيها رجل المرور بأحدهم.
ولما كان العمل في هذا المضمار بحاجة على تكاتف كافة الجهود لتفعيل كافة عناصر السلامة المرورية فإن الإدارة تتوجه إلى الأسرة وإلى المدرسة وإلى المجتمع بقطاعاته المختلفة أن تؤدي دورها التوعوي في هذا المجال مع الأخذ في الاعتبار حاجة الشباب إلى الشعور بالأهمية في الحياة ودورهم فيها هذا بالإضافة إلى مساندة رجال المرور في تعريف الشباب بقواعد المرور وشروط الأمن والسلامة، والأنظمة التي تحكم السير.
ونظراً لأن بعض الشباب لديهم ضعف في الوعي العام والوعي المروري تحديداً لفضل انخفاض المستوى التعليمي والثقافي لديهم، فإن من الواجب أن يتم التركيز على دور الإعلام في هذا المجال، بحيث يقوم بوسائله المختلفة بالتعرض لقضية السلامة وإعطائها ما يليق بها من عناية وأهمية.
إن أكبر ما يصادف رجل المرور من مشكلات تعترض مسار السلامة المرورية هو ذلك القطاع من الشباب الذي يعتبر السيارة وسيلة للتنفيس، فيقومون بقيادة سياراتهم بطريقة عشوائية لافتة للنظر، ويطوفون بها الشوارع والطرقات بسرعة كبيرة كما لو كانوا في مضمار سباق، وتنعدم عند هؤلاء روح المسئولية أثناء القيادة بحيث تتزايد لديهم الثقة وتزيد الجرأة عندما تكون السيارة حديثة وجديدة وقوية، فيتحدون كل إشارة أو سيارة أو حافلة تحاول اجتيازهم أو اعتراض طريقهم بل إن كثيراً منهم يلجأون إلى الاستعراض أمام مرأى ومسمع الآخرين، وهذه السلوكيات تؤثر سلباً في انسياب الحركة المرورية ومن ثم الحوادث المرورية.
لذلك وغيره من الأسباب المؤثرة على الحركة المرورية داخل المدن وعلى الطرق بحاجة إلى وقفة حازمة من الجميع بحيث تتضافر الجهود وتتعاون على التصدي لظاهرة القيادة العشوائية فيكفي حوادث..ويكفي قتلى.