دعوة ألمانية لزيادة المخصصات المالية في مجال البحث والتطوير
هنا .. في اليابان .. يمكنك أن ترى المستقبل قبل خطوات من حدوثه علي أرض الواقع الفعلي في باقي أنحاء الدنيا.
ففي اليابان بدأت شركة شارب للأجهزة الإلكترونية بيع إنتاجها من شاشات التليفزيون المسطحة أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وفي اليابان قامت شركة سوني بتصنيع أول كاميرا رقمية في العالم في بداية الثمانينيات و في اليابان أيضا ابتكرت شركة هوندا أول إنسان آلي قادر علي التحدث و الحركة.
كل هذا حدث برغم ما عانته اليابان خلال تلك الفترة من كساد وانكماش اقتصادي . وبرغم الدين الحكومي الضخم حرصت اليابان التي تعد ثاني اكبر اقتصاد في العالم علي الحفاظ علي معدل إنفاق وصل إلي نحو 100 مليار يورو سنوياً في مجال البحث والتطوير. وهذه النسبة تعادل نحو 3 في المائة من إجمالي حجم الناتج المحلي وبالفعل عملت مخططات إعادة الهيكلة في اليابان، والتكثيف الإنتاجي للشركات على وضعها على طريق النمو المتواصل.
والآن تسعى ألمانيا إلى السير علي درب اليابان، فقد صرح مايكل جلوس وزير الاقتصاد الألماني خلال زيارته الأخيرة طوكيو أن ألمانيا عليها أن تصل إلى معدل اليابانيين حيث تنوي الحكومة الاتحادية زيادة حجم النفقات المخصصة في مجال البحث والتطوير من 2.4 إلى 3 في المائة من إجمالي حجم الناتج المحلي وهو ما يعني زيادة المخصصات المالية من 50 إلى 70 مليار يورو.
وبهدف صبّ المال في القنوات الصحيحة، من المتوقّع أن يتم تشكيل مجلس للاستشارات التحديثية في برلين خلال الأسابيع المقبلة، تحت إدارة هاينريش فون بيرير مدير المجلس الرقابي في شركة سيمينز. والمفترض أن يعمل المجلس الرقابي على وضع أفق جديد للنمو الاقتصادي، وتطوير استراتيجية التقنية الحديثة المُعدّة لألمانيا بالتحديد، وتحديد النقاط الأساسية ضمن استثمارات البحث. ويقول يورجين تومان، رئيس رابطة الاتحاد الألمانية للصناعة - BDI: "أنا أرى أن هذه الخطوة متأخّرة جداً". وتتميّز ألمانيا بفقرها بالنسبة للمواد الخام مثل اليابان. وأوضح تومان قائلاً: "العلوم والمعارف هي أهم المصادر بالنسبة لنا، والتي يلزمها الكثير من الرعاية والاهتمام". وهذا بالضبط ما قام به اليابانيون خلال الأعوام الأخيرة الماضية، حسب ما أوضحه يورجين هامبريخت، المدير الرئاسي لمجموعة باسف- BASF. ولهذا تمكّن الياباني من تخطّي الأزمة القاسية التي واجهها سابقاً، واحتل دوراً قياسياً رائداً في قطاعات النمو مثل تكنولوجيا النانو (تكنولوجيا المواد المتناهية في الصغر) والتكنولوجيا البيئية. ولهذا عرضت حكومة طوكيو عام 1995 الخطة الخماسية الأولى للبحث والتطوير (قُدّرت حتى فترة خمسة أعوام)، وغُذيّت بنحو 100 مليار يورو، ومن ثم ضاعفت المبلغ في عام 2001، حين وضعت خطتها الخماسية الثانية.
لقد واجهت طوكيو البيروقراطية بإدماج منظمة التكنولوجيا في وزارة التعليم، وأسست في المكتب الوزاري لرئيس الوزراء مجلساً استشارياً للعلوم والتكنولوجيا، ومنحت الشركات حوافز قيّمة للتمسّك بنفقاتها الباهظة في مجال البحث. واليوم بالكاد توجد مجموعة شركات يابانية واحدة، تبلغ ميزانيتها للتطوير أقل من 5 في المائة من حجم مبيعاتها سنوياً. وبينما تنبثق بالكاد نحو 70 في المائة من جميع النفقات المخصصة للبحث والتطوير في ألمانيا عن القطاع الخاص، حيث تبلغ هذه النسبة في اليابان ما يزيد على نحو 80 في المائة.
أما النتائج فها هي تظهر للعيان فقد طرحت مجموعة تويوتا على الأسواق سيارة صديقة للبيئة في تصميمها من المولدات الهجينة. وابتكرت مجموعة الإلكترونيات، NEC، قصبات مجهرية من ثاني أكسيد الكربون الصغيرة جداً، ضمن إحدى أكبر منتجاتها الأولى عن تكنولوجيا النانو. وتُعد شارب اليوم القوة المُسيطرة في اتجاه تطوير الخلايا الشمسية. ويقول مدير الرابطة الألمانية للصناعة، تومان: "وهنا لا يمكننا أن نقف فقط وقفة المتفرّج طويلاً". وكما دعا وزير الاقتصاد الألماني "جلوس" عقد رابطة مشتركة وطيدة بين الشركات الألمانية واليابانية، وخاصةّ فيما يتعلّق بصناعة الملاحة الجوية، حيث تكمن الكثير من القدرة. بينما الشركة المُصنّعة للطائرات، حسب أقوال مدير الشركة المُصنّعة للطائرات، أيربص- Airbus ، جوستاف هومبيرت، تتجاوز حصصها من السوق في أوروبا، وأمريكا الشمالية، نحو 50 في المائة، ولا تزيد حصتها عن 4 في المائة في اليابان.
ولا يزال يوجد الكثير غير ذلك، حيث تقدّمت مجموعة شوت أيه جي- Schott AG، في عام 2000 لشراء نصف حصص فرع التكنولوجيا المتقدّمة لمجموعة NEC. ويقول يورج راوباخ، رئيس مجموعة NEC- Schott Corp.: "حظينا عن طريق ضربة واحدة على بنية تحتية لفرع مجموعتنا، إليكترونيك باكيجنج- Electronic Packaging، في اليابان، وعلى طاقم عمل، وسعات إنتاجية وتطويرية". وعقدت الشركة الألمانية المُصنّعة للمعدات المنزلية، هينكيل- Henkel ، ما قبل 5 أعوام عملاً تعاونياً مشتركاً مع جامعة كينكي- Kinki ، الخاصة. وبينما تُتيح الجامعة اليابانية المكان والأرض في حرمها، بنى الألمان مركزاً للبحث، وأسسوا مجلساً للاستشارات العلمية، وأمّنوا التمويل النقدي لعمل عشرات الأكاديميين حتى عشرة أعوام. ومن هنا جاء ما يُسمى بـ "مختبرات هينكل كينداي". ويقول جيرهارد شلوسير، المدير الياباني لشركة دوسيلدورف: "والمحصّلة حتى الآن هي 50 منشور علمي، و30 براءة علمية خاصة بنا".