ألمانيا: ازدهار تجارة الخشب كردة فعل على ارتفاع أسعار النفط

ألمانيا: ازدهار تجارة الخشب كردة فعل على ارتفاع أسعار النفط

تمـر غابـات ألمانيا حالـيا بأجواء كتلك التي عاشها المنقبون عن الذهب قديما حيث يروي خفراء الغابات المخضرمون عن أنـاس استغلوا ظلمة الأدغال وتسللوا ليقوموا بقطع الأشجار وملء سياراتهم بمختلف أنواع الخشب من خشب البـلوط والزان وخشب الصنوبـر، طبعا دون الحصول علي تصريح أو إذن بذلك. وبمعدل مرة واحدة في الأسبوع يتعرض خفراء الغابات مثل "هرمان كامب" من منطقة "إيمسلاند"، لمثل هؤلاء من لصوص الغابات. فسواء في إقليم "نيدر ساكسن - ساكسونيا السفلى" أو "هيسـن" أو "تورينجن"، فالسرقات واقعة في كل مكـان.
وسواء كان بصورة مشروعة أو غير مشروعة، فالإقبال على الخشب في هذه الأيام ازداد بدرجات لم يسبق لها مثيل، وذلك منذ الارتفاع المتواصل في أسعار البترول حيث تجاوز سعر البرميل 70 دولارا ويتوقع المتشائمون أن يزيد سعر البرميل يوما ما على 100 دولار، فكبرى شركات البترول تؤكد واقعة أن "عصر البترول الرخيص قد ولّى".
مقارنة الأرقام بين هذا وذاك، توضح أن الخشب قد جـاء كما ينبغي في وقته مع إعلان اتحاد تجّار الأخشاب في الخريف الماضي بأن من يستخدم الخشب في التدفئة، يستطيع أن يوفر سنويا نصف التكاليف التي يدفعها للمحروقات. اقتصاديا: بغض النظر عن درجة الكفاءة في إنتاج الطاقة من كلتا المادتين تتباعد الأسعار عن بعضها البعض بصورة شاسعة، وحسابيا : يكلف الكيلووات الواحد الناتج من احتراق النفط في الساعة الواحدة 6.9 سنت، بينما تكلف قدرة احتراق الخشب الناتجة خلال ساعة 2.5 سنت فقـط.
المعارضون لاستخدام الخشب لا تعوزهم أية حجـة، ففي أيديهم براهين تقول إنه عند احتراق مادة الوقود المأخوذة من "الغابات المحلية" ينتج عنه ثاني أكسيد الكربون مع ما يستتبعه هذا من تلوث و أضرار بيئية. وهذا كلام منطقي، إذ تأخذ الشجرة أثناء فترة نموها كميات من ثاني أكسيد الكربون تعادل ما تطلقه أثناء عملية احتراقها. لكن ما لا يمكن تجاهله أيضا أن الخشب يضمن لألمانيا قدرة الاكتفاء الذاتي: فتبعا لآخر نتائج جرد الغابات ألمانية يمتـد بين الغابات السوداء (Schwarzwald) و منطقة "روجـن Ruegen" على مساحة 11.1 مليون هكتار ما يقارب من 3.38 مليار متر مكعب من الأشجار. وهذا المخزون ليس آخذاً بالنقصـان في الوقت الحالي ، كلا، بل في التزايد.
الدراسة التي أجرتها جامعة مونستر الألمانية أظهرت أن الأخشاب طـاقة كامنة تنمو مع الزمن لتصبح عامـلا اقتصاديا مهما. فتبعا للدراسة يعمل في القطاعات التي تتعلق بقطاع الخشب والغابات ما يقارب 1.3 مليون شخص، حيث تمتد قائمة المنتفعين من هذه القطاعات ابتداء من قطاع اقتصاد الغابات مروراً بصناعة الخشب الحرفية حتى قطاع صناعة الورق. كما يبلغ حجم تعامل هذه القطاعات أجمع ما يزيد على 180 مليار يورو.
لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فقطاع مصنّعي الورق والألواح الخشبية المضغوطة لا تسرهم هذه النزعة للاتجاه نحو الأخشاب لطالما أنهم لم يتعودوا على الأسعـار الجديـدة!. كلمات رئيسة الجمعية التعاونية للاتحادات الألمانية لأصحاب الغابات "أوتي سيلنجر" بأن الخشب كان لقرون عـدة سوقَ شراءٍ اعتيادية، تحمل في طياتها دافعا حماسيا لمليوني عائلة الممتلكة غاباتً في ألمانيا. وهذا ما حدث فعلا، فمنذ الخريف الماضي أخذت أسعار الخشب في التصاعد بصورة غير منقطعة، ومنذ هذه اللحظة يسجّل تجار الخشب نسبة أرباح عالية تصل إلى نحو 30 في المائة. الكثير منهم أدرك أخيرا بعد الإقبال الشديد مدى قيمة سوق الأخشاب الاقتصادية وأنهم يستطيعون أن يطالبوا بأية أسعار يريدون. هذا الإقبال تحقق فعلا حيث يقول "أكسل بتروشكي" مسؤول مبيعات الخشب لدى شركة إدارة الغابات الخاصة في إقليم "هيسـن" "الناس تتخاطف الخشب من بين أيديـنا".
وتشمل تجارة الأخشاب في ازدهارها قطاعات أخرى أيضا بصورة غير مباشرة، مثل مصنعي أفران التدفئة والمناشير الكهربائية. فقد صرح تجار هذه القطاعات عن توفر نمو غير طبيعي في حجم المبيعات في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال ما تحقق لشركة كاغو من منطقة "فرانكن" في جنوب ألمانيا، فقد سجلت الشركة في الربع الرابع من عام 2005 زيادة في مبيعات أفران التدفئة بنسبة 50 في المائة لهذا الخشب، الذي أفاد قطاعات أخرى غير تجاره.

الأكثر قراءة