البشر : مشروع للحد من الهدر الاقتصادي والبشري في السعودية
يطلق الأمن العام ممثلا في الإدارة العامة للمرور اليوم، حملة "يكفي" التي تستهدف الحد من مخالفات السرعة وقطع الإشارة على وجه الخصوص، بالنظر لكونهما من أكثر المخالفات تأثيرا وخطورة، وبعد تزايد معدلاتهما في المدن والطرق الخارجية.
ورغم أن تقييم مثل هذه المشاريع يفترض أن يأخذ وقتا وتفحصا للنتائج النهائية والإحصائيات، فإن نجاح "يكفي" يبدو بائنا للسائر في المدن السعودية خلال الأيام الماضية، التي شهدت وقف أعداد كبيرة من المتهورين في غرف توقيف إدارات المرور، وكان لها صدى إعلاميا واجتماعيا كبيرا، حيث بدأ السائقون يلحظون تغيرا في نوعية القيادة وهو المسعى الذي تهدف إليه الحملة. والواضح أن الحملة تحمل فكرا جديدا يكسر روتين الحملات السابقة، التي تختلف أسماؤها، حيث ركزت الحملة الحالية على أكبر مخالفتين عاش المجتمع بأكمله نتائجهما وتمثلتا في تزايد الوفيات والإصابات.
"الاقتصادية" تحاور اليوم، اللواء فهد بن سعود البشر مدير عام المرور، حول فكرة الحملة، وأهدافها، ودور رجال المرور، والمجتمع فيها. إلى التفاصيل:
تنطلق الحملة المرورية التي تنطلق فعالياتها اليوم بكلمة "يكفي"، وركزت على قطع الإشارة وتجاوز السرعة، وهو جانب توعوي، فماذا عن الجانب الميداني التطبيقي لهما؟
اللواء البشر: أولا أود أن أشير إلى أن نتائج الجانب الضبطي الميداني التي تم البدء فيها من خلال مرور الرياض قبل نهاية العام الهجري الماضي التي كان للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض الفضل الكبير بعد الله عز وجل في تنفيذها في تحقيق نتائج مشجعة، فمن خلال تكليف استشاري لدى الهيئة لرصد مواقع الحوادث والمناطق الخطرة من قبل السائقين خاصة قطع الإشارة والسرعة، تم رصد المعلومات التي امتدت لنحو ثلاثة أعوام في الكمبيوتر، ومن ثم إعطائها لمرور الرياض بموجب إحداثيات باستخدام الأقمار الصناعية لتحديد هذه المواقع التي يكثر فيها ما يسمى النقاط السوداء، وهي المناطق الخطرة التي تكثر فيها الحوادث، مضيفا أنه تم الشروع في التطبيق بتوجيه من أمير منطقة الرياض، لافتا النظر إلى أنه فور البدء في التطبيق تقلصت الحوادث الخطرة في النقاط السوداء، وبالفعل يوما بعد يوم انخفض معدل الحوادث والمخالفات في هذه النقاط بالذات.
لكن ما الإجراءات التي تم تطبيقها لخفض الحوادث والمخالفات؟
اللواء البشر: تطبيق متابعة مخالفي السرعة وقطع الإشارة ميدانيا، حيث اتضح لنا من خلال الإحصائيات، انخفاض مخالفات السرعة وقطع الإشارة بشكل ملحوظ، حتى وصل إلى أرقام مشجعة جدا. كان هذا قبل الحج، مما شجعنا على أن نعمم هذه التجربة في جميع مناطق المملكة، ولكن التطبيق يختلف عما هو في الرياض، إذ إنه في المناطق يتم بجهود تقليدية عن طريق الرصد وسجلات المرور، ومن هنا أدعو إلى قيام جهات استشارية لكل منطقة، لتبنى مثل هذه الدراسات والرصد من قبل الهيئات المقامة في مناطق المملكة مثل الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة والمدينة والمنورة وغيرها من المناطق، مثلما تم في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي يعد ما قدمته داعما لأهداف السلامة المرورية لكل سائق في بلادنا، وتشكر عليه الهيئة نظير الجهود المبذولة ومشاركة جهاز المرور في إيجاد دراسات ونتائج تسهم في تحقيق السلامة والقيادة الآمنة.
السجن وهيئة الفصل
ما الإجراءات التي تم اتخاذها بكل حزم بحق مخالفي السرعة وقطع الإشارة ؟
اللواء البشر: تم تفعيل موضوع سجن المخالف عن طريق هيئات الفصل في المخالفات المرورية في إدارات المرور، وعمليات إيقاف المخالفين تتم تحت إشراف مباشر من قبل مديري إدارات المرور شخصيا، خاصة في الالتزام ببقاء المخالف المدة النظامية، عدم قبول أي استثناءات إلا عن طريق هيئة الفصل، التي تنظر في النواحي الإنسانية فقط، في مقابل التعويض عن ذلك بتطبيق الحد الأعلى لكل مخالفة، وأشير إلى أنه يوجد ظروف إنسانية قاهرة مثل الحالات المرضية، حالات السفر إذا أثبت ذلك.
وماذا عن حجز المركبة بالنسبة للمخالف؟
اللواء البشر: حجز المركبة من ضمن مهام هيئة الفصل في المخالفات المرورية، حيث يحق للهيئة اتخاذ تدابير إضافية أخرى من شأنها الحزم أو مضاعفة العقوبة، أو حجز السيارة، بجانب عقوبة السجن.
ولكن حجز المركبة ونقلها إلى موقع الحجز يتم في لحظة ضبط المخالفة؟
اللواء البشر: نعم أحيانا يكون التحفظ على المركبة بهذا الأسلوب بغرض المحافظة عليها، وحمايتها، ولا بد من التأكد عند مغادرة المواقع الميدانية من عدم وجود أي سيارة لأي مخالف، وبالنسبة لتحمل المخالف قيمة نقل السيارة فهذا موجود في النظام المروري، وهنا أحب أن أوضح لك أن قيامنا بهذا للعمل يتم في ظل غياب المحاكم المرورية، لأنه لو كانت المحاكم المرورية موجودة لتم الاكتفاء بإعطاء السائق مخالفة، وعرض الأمر عليه بموافقته، (أي هل يحصل على المخالفة) أو اللجوء إلى المحكمة في حال عدم قناعته بالتدابير التي اتخذت بحقه. وأشدد على أهمية إيجاد المحاكم المرورية، وهدفنا من ذلك على الأقل ألا نكون نحن الحكم والخصم في آن واحد.
هناك من يرى أن ما يسمى حجز أو دور توقيف المخالفين في إدارات المرور سيئة جدا من حيث المساحة والتجهيزات، فكيف سيتم التعامل في ظل زيادة أعداد المخالفين نتيجة للحملات المكثفة الميدانية؟
اللواء البشر: دائما نراعي الطاقة الاستيعابية لدور التوقيف، حيث لدينا طاقة استيعابية لها، وقبل ذلك أوضح أنه لا بد لكل شخص أن يبتعد عن الوقوع في المخالفة حتى لا يصل إلى هذا الموقف، ولكن رغم ذلك تتوافر في حجز التوقيف النواحي الإنسانية كاملة، من جميع الاحتياجات، ولكن البعض ينظر إلى التوقيف على أنه مكان غير لائق به، ولهذا نعيد ونقول يجب ألا يأتي إلى هذا المكان، حتى لا يسىء إلى لنفسه ولا إلى الآخرين، وفي النهاية مكان التوقيف مبنى وضع من أجل تنفيذ عقوبة، ويفترض على كل شخص قبل الوصول إلى مكان التوقيف أن يفكر في سلامته وسلامة الآخرين، وأن يتعظ أكثر عندما قام بمخالفة خطرة وأنه لا يزال على قيد الحياة وفي مكان التوقيف بدلا من ثلاجة الموتى أو سرير المستشفى ربما إعاقة دائمة له أو لغيره لا سمح الله.
في ظل وجود المخالف في التوقيف يوما أو أكثر، هل يتم الاستفادة من وجوده في توعيته وإرشاده وتثقيفه؟
اللواء البشر: نعم لدينا قنوات بث مباشر، وبالنسبة لفئة الشباب صغار السن خاصة المتورطين في مخالفات تفحيط يوجد لهم جلسات من قبل مرشدين شرعيين من الأمن العام ومن جهات أخرى، يغرسون في مخالفي التفحيط الفضيلة والتحذير من خطورة هذا التصرف الذي يودي بحياة المرء ويؤذي غيره، وفيه اعتداء على الآخرين وأن ديننا ينهى عن مثل هذا الخلق، كما يوجد كتيبات ومطويات، وأفلام تثقيفية.
هل تلمسون فائدة مما يقدم لهؤلاء المخالفين؟
اللواء البشر: نعم، ولكن بشرط أن يتفاعل مع المخالفة الموقوف بها، ومهمتنا هنا إيصال المعلومة، ولكن في الأخير تصبح العملية معتمدة على تفاعل وتجاوب المخالف.
في حال تكرار المخالفة من الشخص نفسه، وخاصة تجاوز السرعة أو قطع الإشارة، فكيف تتعاملون معه؟
اللواء البشر: لا يخرج أي شخص من التوقيف إلا بعد الرجوع إلى سجله للنظر فيه، أي هل هو سائق خطر من عدمه، وفي حال تكررت المخالفة منه، يتم النظر في مضاعفة العقوبة، إضافة إلى أننا بانتظار تفعيل موضوع النقاط القائم بيننا وبين مركز المعلومات الوطني التابع لوزارة الداخلية، لأنه في حال البدء في تطبيق النقاط وقيام المحاكم المرورية سيكون الردع أكبر مما يعنى تفاعل ووعي أكثر، سيحقق ما نصبو إليه وهو السلامة للجميع.
تجريم التفحيط
تركز حملة "يكفي" على مخالفتين فقط، هما قطع الإشارة وتجاوز السرعة، فماذا عن مخالفة التفحيط؟
اللواء البشر: مخالفة التفحيط لها متابعة خاصة، وجهود مبذولة للحد من هذه المخالفة، ولكن في الوقت نفسه لا يعني أننا نتابع مخالفتي تجاوز السرعة وقطع الإشارة أن نترك أو نتجاهل المخالفات المرورية الأخرى، والعمل قائم على تتبع جميع المخالفات، ولكن تركيزنا على مخالفتي تجاوز السرعة وقطع الإشارة فهو من الناحية التوعوية الإعلامية، وتعد مخالفات ملموسة من قبل الرأي العام، كما أنه تشكل نسبة عالية من أرقام المخالفات المرورية.
ـ أخيراً نشر في الصحف عن موافقة أمير منطقة الرياض لمرور الرياض في أن تكون مخالفة التفحيط مخالفة جنائية لا مرورية، ما تعليقكم أنتم في الإدارة العامة للمرور؟
اللواء البشر: نحن طلبنا هذا التوجه من مجلس الشوري، وهو أن يجرم مرتكب مخالفة التفحيط، وعرضنا لهم أن مخالفة التفحيط تتوافر فيها أركان الجريمة، لأن فيها سبق إصرار، تخطيط، وتعد على حريات الآخرين، وفيه تعريض متعمد لقتل الناس الأبرياء أو إتلاف ممتلكاتهم، وبالتالي فهذه المخالفة تخرج عن إطار المخالفة المرورية التي ربما يرتكبها الإنسان نتيجة سهو أو نسيان أو ظرف معين، وعليها فيجب على الجهات التشريعية أن تقر مبدأ التجريم لهذه لمخالفة، فمن وجهة نظري الشخصية أن التفحيط يجب تجريم فاعلها وأنها تخرج عن إطار المخالفة المرورية، لافتا النظر إلى أن مفهوم التفحيط يدخل فيه جرائم أخلاقية، جرائم سرقة السيارات، جرائم التعدي على الآخرين.
من خلال ما ذكرتم من خطورة مخالفة التفحيط والمطالبة في وضعها مخالفة جنائية لا مخالفة مرورية، ألا ينطبق ذلك على قاطعي الإشارة وتجاوز السرعة من حيث تعريض الآخرين للخطر كذلك؟
اللواء البشر: أحيانا مخالفة السرعة وخاصة في ظل وجود السيارات الفارهة التي لا يشعر سائقها بتجاوز السرعة المحددة أنها لا تصل إلى الجريمة، ولكن تظل مخالفة يجب معالجتها بضوابط معينة، وتتبعها بإدخال تقنيات حديثة لضبطها، وتفعيل المحاكم المرورية بحيث يكون هناك تصد لها في ظل ما للقاضي من صلاحيات وأحكام تسهم في الحد من هذه المخالفات.
هل هناك توجه لرفع قيمة المخالفات المرورية، وخاصة الخطرة منها، مثل قطع الإشارة وتجاوز السرعة ؟
اللواء البشر: في الوقت الحالي لا يوجد توجه لهذا الأمر، ولكن يوجد في مادة في النظام المروري الجديد تشير إلى أنه للمحاكم المرورية مضاعفة العقوبة.
هناك من يرى أن السرعة المحددة على الطرق السريعة أو المحاور داخل المدن ليست كافية ويجب رفعها، ما رأيكم في ذلك؟
اللواء البشر: المناطق المأهولة داخل المدن مهما كان اتساع الشارع فلا يمكن رفع معدل السرعة فيها بما هو معمول به الآن، خاصة في ظل وجود مشاة، كذلك الطرق الدائرية فالسرعة محددة، وفي النهاية يجب أن ننظر إلى أي مسألة بنظرة عقلانية لا عاطفية، والتعامل مع الوقت بالخروج إلى عملك أو أي مناسبة في وقت مناسب بدلا من الضغط والشد النفسي واللجوء إلى السرعة وتعريض نفسك والآخرين إلى الخطر، كما أنه من المهم أن تصل سالما خير من ألا تصل أبدا.
هل الحملات وقتية؟
الملاحظ على الحملات التوعوية أو الأسابيع أنها وقتية، بمعنى أنها ليست مستمرة وطوال العام، وهذا ما نشاهده في حملة "يكفي" التي خصص لها 30 يوما فقط، ما تعليقكم؟
اللواء البشر: لدينا حملات طوال العام، فحملاتنا التوعوية فصلية، كل ثلاث أشهر يتم اختيار موضوع معين، بينما الحملات الميدانية فهي يوميا، كما أنه لدينا تنسيق عن طريق اللجنة العليا لمتابعة مؤتمر السلامة الوطني الأول والثاني، تضم وزارة التربية والتعليم، حيث يمثل اللجنة العليا وكيل وزارة في التربية والتعليم، وهذه اللجنة تطرح بشكل مستمر موضوع غرس مفاهيم السلامة المرورية في المناهج والنشء، ولدى الوزارة موضوع مهم ومميز سيطرح على جميع المراحل الدراسية ومتى ما بدأ فيه سيؤتي ثماره بإذن الله تعالى.
جمعية لأصدقاء المرور
في ظل التركيز ودعم البرامج والحملات التوعوية لغرس مفهوم السلامة المرورية، ألا تفكرون في إنشاء جمعية لأصدقاء المرور؟
اللواء البشر: نعم، في مشروع نظام المرور الجديد، الجانب هذا عولج بطريقة أن يكون هناك جمعيات أهلية للحد من الحوادث، وقد يتمخض من هذه الجمعيات كما ذكرت أن يكون هناك أصدقاء متعاونون، ولهذا فالجمعيات الأهلية مؤشر إيجابي في عملية متابعة الحوادث والتصدي لها من قبل الأهالي والرأي العام.
هل تنطبق مخالفة السرعة على الدراجات النارية ؟
اللواء البشر: نعم ينطبق عليها ما ينطبق على السيارات، وتم حجز الكثير منها في حجوزات المركبات في جميع إدارات المرور، ولها متابعة من قبل الفرق الميدانية.
هناك من يرى أن الحملات التوعوية غير ناجحة، وليس لها أي تأثير، ما ردكم؟
اللواء البشر: أولا نحن نؤمن بحرية الرأي، وبالتالي لكل شخص حريته في التعبير حيث البعض منهم ينظر إلى الموضوع من زاوية معينة، ولكن نحن من واقع حملاتنا التوعوية السابقة نلمس الجوانب الإيجابية، وتحققت نتائج، وخير مثال حملة ربط الحزام عندما تم التكثيف الإعلامي عليه حصلنا على نتائج ملموسة، كذلك موضوع التأمين على رخصة السياقة، أصبح الكثير يبادر إلى تجديد وثيقة التأمين حتى لو لم يتورط في حادث في العام المنصرم، ولذا أصبح هؤلاء يملكون وثائق تأمين لقناعتهم الشخصية بذلك، ولهذا فنحن ننظر إلى ذلك نظرة إيجابية، إضافة إلى أنه من العدل والإنصاف إبلاغ الجميع برسالة ننوي تطبيقها في الميدان، وهذا الشيء يعد أمرا إيجابيا، أما المشكك أو المنتقد فمن حقه أن يقول ما يشاء، وعليه فالنقد ظاهرة إيجابية.
كيف تقيمون مشاركة شركة اتحاد اتصالات "موبايلي" في حملة "يكفي" المرورية؟
اللواء البشر: عبر "الاقتصادية" أقدم الشكر لسعادة المهندس خالد الكاف الرئيس التنفيذي لشركة اتحاد الاتصالات "موبايلي"، على رعايتهم الحملة، ومساهمتهم المادية فيها، وهذا ناجم عن قناعتهم بأهمية الدور الاجتماعي للشركة داخل المجتمع، خاصة في تأثير الحوادث على أفراد المجتمع، وفي الوقت نفسه نرحب بهم لمشاركتنا في جميع حملاتنا التوعوية المستقبلية.