مدير دويتشه بنك يتقاضى 11.9 مليون يورو سنويا
هل يستطيع جوزيف أكرمان مدير دويتشه بنك أن يقول لهذه البائعة أو تلك في هذا المحل أو ذاك أنه يتقاضى سنويا خمسمائة ضعف ما تتقاضاه هي من عملها؟ إن مجرد ذكر هذا الرقم كاف لإشعال نيران الحسد في نفوس الآخرين . ولكن أكرمان له وجهة نظر أخري فيقول :" إذا كنا نتحدث هنا عن شخص له مركزه فيجب أن نقارن هذه الأرقام مع المعدلات العالمية وإلا فإن هذا الشخص سيبتعد عن المجال" فهل يمكن اعتبار هذه الحجة كافية؟ أما أنها مبرر للحصول على مثل هذا الدخل الكبير ؟
ولا يُعد النقاش حول الأجور المرتفعة ظاهرة ألمانية خالصة فهناك في الولايات المتحدة الأمريكية تحتد أيضا المناظرات حول معدلات الأجور السنوية التي يتقاضاها رؤساء مجالس الإدارات. و في هذا الإطار لا يعتبر جوزيف أكرمان يتقاضى أجرا كبيرا إذا ما قورن دخله مع المساطر النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية. فوفق دراسة أجرتها أخيرا جامعة هارفارد تقاضى شاغلوا أعلى خمسة مناصب في الشركات الأمريكية المساهمة أكثر من 10 في المائة من أرباح الشركة في الفترة ما بين عام 2001 و عام 2004 ، بينما تسجّل هذه القيمة في البنك الألماني أقل من 1 في المائة حتى ولو وصل هذا الدخل إلى نحو 11.9 مليون يورو.
لقد حققت البنوك الاستثمارية العالمية أرباحا مذهلة لا سابق لها خلال عام 2005 حيث حقق بنك سيتي جروب أكبر بنك أمريكي أرباحاً بقيمة 24.6 مليار دولار، و حقق بنك جولدمان زاكس الاستثماري أرباحا بنحو 5.6 مليار دولار، و حقق دويتشه بنك أرباحا بنحو 3.5 مليار يورو. وكلا هذه الأرباح مرتبطة بشخصية و سياسات مدير البنك و يُعد هانك بولسون مدير بنك جولدمان زاكس واحدا من أهم مسؤولي البنوك الذين تقاضوا مبالغ خيالية خلال العام الماضي حيث تقاضى نحو 38 مليون دولار سنويا لكنه لم يحصل منها سوى على 600 ألف فقط نقدا و الباقي حصل عليه من خلال شراء الأسهم . كما حقق ريتشارد فولد مدير بنك ليمان براذرز
دخلا سنويا قدره نحو 34.5 مليون دولار و بلغ الدخل السنوي لستان أونيل مدير مجموعة ميريل لونش نحو 32 مليون دولار. بينما حصل ماركيل أوسبيل مدير بنك UBS السويسري على نحو 24 مليون فرنك سويسري سنويا .
وفي مقابل هذا الدخل الكبير الذي يتقاضاه مديرو البنوك يعم الخير أيضا على الموظفين العاديين في البنوك الاستثمارية الكبرى التي توزع نحو 50 في المائة من صافي أرباحها على موظفيها حيث حظي كل موظف من الموظفين العاملين في دويتشه بنك البالغ عددهم نحو 13.500 موظف خلال العام الماضي بالمعدل نحو 415.000 يورو. ومن المحتمل أن يكون قد حقق بعض المتداولين أكثر مما حقق رئيس البنك أكرمان.
ويكمن السبب وراء الأجور المرتفعة في قطاع البنوك، في أن البنوك الاستثمارية انتفعت أخيرا من الشروط العامة المناسبة على نحوٍ غير اعتيادي: فوائد متدنية، ازدهار عام في الأسواق الرأسمالية، موجة من الاستحواذ. بالإضافة إلى أن هذا القطاع يتفهّم على غرار غيره التقدّم التقني، وكيفية تكييف نفسه مع علوم التكنولوجيا المعلوماتية الحديثة، وكذلك في الرياضيات المالية بحيث يتحوّل إلى النماذج التجارية الأكثر تحقيقاً للربح بمرونة. وهذا منح القطاع معدلاً قياسياً، ولهذا ارتفعت أجور المسؤولين في البنوك الاستثمارية بصورة ملحوظة. ولكن تملك الأجور الباهظة تأثيرات أخرى: حيث يتمسك المسؤولون بمراكز السوق المرموقة في البنوك الاستثمارية، وبالتالي يضعون عقبات بالغة التعقيد أمام انضمام متنافسين جدد.
ويسري على البنوك الاستثمارية أكثر من غيرها من الشركات الأخرى، النظر للموظفين لديها على أنهم الرأسمال الأهم، وبالتالي توجد نخبة صغيرة من المختصين المؤهلين، حيث يخرج الموظفون يومياً في المساء من أبواب البنك، ولكن حتماً يعودون من جديد في الصباح الباكر.
ولربط الموظفين المتوثبين بشركاتهم، لابد أن تعرض البنوك الاستثمارية دخولاً مرتفعة. وفي العادة، يُقدّر الدخل الثابت بصغر حجمه. ولكن عندما يجتذب الموظّف عملية استحواذ، أو قرض بالملايين، ويطوّر عمله بنجاح فإنه يساهم في تحقيق أرباح للبنك و لنفسه أيضا. ولكن من ناحية أخرى ومن وجهة نظر الموظف، فإن الضغط على زيادة الإنتاج هائلة جداً، فمن كان غير قادر على التعامل مع هذه التركيبة يطرد فورا و يقذف به إلى الخارج دون تعويض. ولكن لكل قاعدة استثناء و هو ما حدث مع فيليب بورسي مدير مورجان ستانلي الذي تخلّى عن منصبه العام الماضي بعد أن خسرت الأسهم نحو 40 في المائة من قيمتها في غضون خمسة أعوام ، لكنه حظي عند خروجه بتعويض زادت قيمته على 77 مليون دولار.