هل تدفع أسعار النفط الحالية أمريكا للبحث عن بدائل للطاقة؟
يشكل بلوغ أسعار النفط مستويات قياسية خبرا غير سار للولايات المتحدة المستهلك الأول للذهب الأسود في العالم، لكن لهذا الواقع أيضا جانبا إيجابيا, إذ سيحمل الأمريكيين على البحث عن مصادر طاقة بديلة.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن في خطابه حول وضع الاتحاد في كانون الثاني (يناير), "لدينا مشكلة كبيرة وهي أن الولايات المتحدة تعتمد كثيرا على النفط الذي غالبا ما يأتي من مناطق غير مستقرة في العالم". حينها كان سعر البرميل نحو 68 دولارا، لكنه تخطى الآن 75 دولارا.
ومن أبرز أسباب ارتفاع أسعار النفط الخام التوتر الذي يسود علاقات الولايات المتحدة بإيران التي تشكل رابع دولة منتجة للنفط في العالم وأحد البلدان التي صنفها جورج بوش ضمن ما سماه "محور الشر", لكن هذا الارتفاع في الأسعار أقل تاثيرا على الولايات المتحدة منه على الدول الصناعية الأخرى، لأن الأمريكيين في المرتبة الثالثة لإنتاج النفط بعد السعوديين والروس، مما يسمح لهم بتلبية نحو نصف حاجاتهم, غير أن ارتفاع الأسعار العالمية يؤثر سلبا في سعر البنزين بالنسبة للمستهلكين ووقود التدفئة.
وفي حين أن الأمريكيين يستعدون لموسم السياحة الداخلية بعد أكثر من شهر، أوشك سعر الجالون (3.78 ليتر) بلوغ الثلاثة دولارات. ويقول جون كيلدوف من شركة فيمات للوساطة، إن "تأثر الأسر وقطاع النقل والتجار الصغار بأسعار النفط القياسية قد يقضي على المستهلكين والاقتصاد، وإن كان لا يزال من المبكر جدا تأكيد ذلك", ولن يكون تدهور الاقتصاد خبرا سارا بالنسبة لجورج بوش الذي يعاني أصلا من تراجع في شعبيته.
لكن المفارقة هي أنه يمكن لهذا الواقع أن يعطي ثقلا لاستراتيجيته بتوجه الولايات المتحدة إلى مصادر طاقة أخرى، تزامنا مع جعل وتيرة ازدياد استهلاكها أقل سرعة. وبوش ليس أول رئيس أمريكي يسلك هذا الطريق، فأحد أسلافه الديمقراطي جيمي كارتر حث الأمريكيين على خفض استهلاكهم من مواد التدفئة من خلال ارتدائه قميصا صوفيا في البيت الأبيض، خلال مداخلة تلفزيونية في شباط (فبراير) 1977. أما الرئيس الجمهوري الحالي، فيفضل الحديث عن الفحم "النظيف" أو الإيثانول العضوي أو غيرها، كمصادر طاقة بديلة.
كما يدعو أيضا إلى استئناف البرنامج النووي، علما أنه لم يتم تشغيل أي محطة جديدة خلال السنوات العشر الأخيرة. لكن حتى مع بلوغ الجالون سعر ثلاثة دولارات، لا يبدو أن الأمريكيين قلقون من تطور الأمور، فهم لا يزالون يشترون السيارات رباعية الدفع التي يتجاوز استهلاكها 15 لترا لكل 100 كلم.
وأعرب ريك فاغونر رئيس مجلس إدارة "جنرال موتورز"، وهي شركة تصنيع السيارات الأولى في الولايات المتحدة والعالم، عن سروره لنجاح النموذج الأخير لسيارة رباعية الدفع من صنع "شيفروليه"، أكبر وأغلى من سابقتها. لكنه أقر يوم الخميس في مقابلة مع صحافيين من بينهم مراسل وكالة فرانس برس أن "جنرال موتورز" "لا ترسم استراتيجيتها على أساس زيادة حصة هذا النوع من السيارات في السوق", إلا أنه يعول على محروقات مثل "إي85" المكون من 85 في المائة من الإيثانول و15 في المائة من الوقود، الذي يمكن أن "يتطور بشكل سريع ومفاجئ", لكن تحول السيارات إلى الإيثانول لا يخلو من مصاعب.
فمن بين العوامل الأخرى التي تفسر ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، إلى جانب عامل ارتفاع أسعار النفط الخام، قيام الحكومة الأمريكية بإجبار شركات
التكرير على استعمال مادة الإيثانول بدلا من مادة "إم تي بي إي" التي تضاف إلى
الوقود والتي تعتبر شديدة التلويث.
إلا أنه من الواضح جدا أن إنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة لن يكون كافيا لتنفيذ هذا الإجراء مما قد يتسبب في نقص البنزين على المستوى المحلي، وبالتالي في ارتفاع سعره.