الأسهم السعودية.. حتى لا يطول النزيف

الأسهم السعودية.. حتى لا يطول النزيف

<a href="mailto:[email protected]">aboabid@yahoo.com</a>

اجتذب سوق الأسهم السعودي أعدادا كبيرة من المواطنين إليه وذلك بعد الارتفاعات الكبيرة التي حققها في الأعوام الثلاثة الماضية. هذا الاندفاع غير المسبوق للاستثمار في الأسهم شكلته عدة عوامل، منها عدم توافر قنوات استثمارية متنوعة، الهدوء الذي أصاب سوق العقار، السيولة المتراكمة عند المساهمين بعد الاكتتابات الأخيرة، إمكانية تحقيق الربح السريع والكبير، مع سهولة شراء وبيع الأسهم - مقدار سيولتها - مقارنة بالقنوات الاستثمارية الأخرى.
ومع التصحيح الكبير بداية هذا العام، تبخرت أحلام الكثير من صغار المستثمرين، بل ضاعت ثروات ومدخرات البعض، فتعالت الأصوات مطالبة بالتدخل الفوري من قبل الجهات الرسمية، وبدأت أصابع الاتهام تشير في جميع الاتجاهات. ولم يوقف النزيف اليومي لثروات المستثمرين سوى التدخل المباشر لخادم الحرمين الشريفين واعتماده تجزئة الأسهم والسماح للوافدين بتملكها مباشرة.
وبعيدا عن محأولة معرفة من هم المسؤولون عما حدث، فإن السؤال الأهم هو: كيف نتجنب حدوث تصحيح مشابه في المستقبل المنظور؟ وما التدابير التي يجب اتخاذها حتى ترجع الثقة في السوق وتقلل من مدة وحدة التصحيح متى ما حدث مستقبلا؟

جذور المشكلة
1. إن أهم جذور المشكلة تكمن في قلة عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم والتفاوت الكبير بين أعداد أسهم هذه الشركات. فقياسا إلى حجم الاقتصاد السعودي، ومقدار السيولة - الكتلة النقدية - وأعداد المستثمرين، فإن وجود 79 شركة مدرجة يعد عيبا هيكليا يجب أن يتم علاجه بصورة عاجلة. فعلى الرغم من وجود أعداد كبيرة من الشركات التي ترغب في إدراج أسهمها، ورغم مقدرة نظام البنوك على إدراج أكثر من شركة في الشهر الواحد، فإن عدد الشركات التي أدرجت منذ عام 2002 حتى الآن لا يتعدى تسع شركات، وهو عدد متواضع بكل المقاييس عند المقارنة بدول مجاورة.
الاقتصاد السعودي يعادل تقريبا حجم اقتصادات الدول الأخرى مجتمعة، وتزيد قيمة سوق أسهمه عن مجموع القيم السوقية لأسواق الدول الأخرى كلها بنحو الثلث، بينما أعداد الشركات في تلك الدول مجتمعة يكاد يعادل عشرة أضعاف عدد الشركات في السعودية.
2. إن اعتماد قرار شراء وبيع الأسهم على أساس أسعارها فقط، وبدون الرجوع إلى التحليلات المالية الجادة لمحاولة معرفة "قيمها العادلة" ومقارنتها بأسعارها السوقية قد دفع بالكثير من صغار المستثمرين إلى استبدال الاستثمار (وهو قرار طويل الأجل) بالاستثمار (وهو قرار قصير الأجل) وعلى اختيار الأسهم على أساس أسعارها فقط، وكأن الشركات أو الأسهم مماثلة لبعضها بعضا والفرق هو السعر فحسب.
3. إن غياب صناعة التحليل المالي واعتماد أغلبية الناس في قراراتهم على الإشاعات والأخبار التي يحصلون عليها من أروقة الشركات (المعلومات الداخلية)، وتمكن المضاربين من أصول لعبة المضاربة، مع ما تم ذكره سابقاً، شكل كل هذا سلوك القطيع حتى وصلت قيمة التداول اليومي إلى 47 مليارا في يوم واحد قبل الانهيار الأخير.
4. يوجد خلل واضح في وجود مؤشر واحد للسوق، فهو مؤشر وزني بينما سلوكيات المستثمرين سعرية المنطلق. إن المؤشرات تعكس نبض السوق، وسوقنا يهوى الأسعار، لا القيمة.
إن سوقنا يعكس اختلالات هيكلية مكنت البعض من الاستفادة المشروعة منه والبعض الآخر من التلاعب به والتغرير بالكثيرين. إن لجم سلوك القطيع، والحد من مقدرة المضاربين المضللين على التغرير بالصغار، تقع على عاتق المسؤولين في هيئة سوق المال، وهي مسؤولية كبيرة تكاد تكون شبه مستحيلة، إلا إذا قامت الهيئة بوضع تدابير من شأنها الحد من القدرات الفنية التي يستطيع المضارب المضلل استخدامها وبشكل عاجل. وسأقوم بشرح بعض العيوب، مع اقتراح كيفية معالجتها، على أمل أن تنظر الهيئة شاكرة في إمكانية تطبيق هذه المعايير بعد تقييم آثارها على مجمل المتداولين.

الحلول المقترحــــة :
(1) إيجاد رقم مستثمر واحد ومميز لكل شخصية اعتبارية أو طبيعية تقوم بتداول الأسهم، بحيث تتمكن الهيئة وشركة تداول من معرفة جميع تداولات وملكيات هذه الشخصيات. سيكون لوجود مثل هذا الرقم المميز إيجابيات كبيرة. فالهيئة وشركة تداول ستتمكنان من معرفة وإبطال جميع الصفقات الوهمية التي تعود المضارب المضلل نفسه. كما ستتمكنان من معرفة تحالفات المضاربين المضللين من خلال تحليل توقيت الشراء والبيع للمجموعات التي تكون خاضعة لمراقبة الهيئة. إن المضاربين قد يعتمدون على افتتاح عدة محافظ في بنوك مختلفة ويقومون بالتنسيق فيما بينهم لشراء وبيع السهم نفسها في جميع هذه المحافظ وبهذا يتمكنون من التلاعب في الكميات والأسعار ومن جر بقية القطيع معهم. إن مراقبة المحافظ أمر غير فعال، فكل مضارب قادر على افتتاح عشر محافظ مختلفة والنظام الحالي يستدعي مراقبتها جميعا، بينما وجود الرقم المميز يقلص الرقابة إلى محفظة مركزية تحوي جميع ملكيات الشخصية الاعتبارية أو الطبيعية وتعكس جميع العمليات التي ينفذها.
كما سيسهل وجود هذا الرقم المميز على الشركات المساهمة وشركة تداول إتمام عمليات تجزئة الأسهم وحساب استحقاقات المنح وأسهم الأحقية على أساس كامل ملكية الشخصيات الاعتبارية والطبيعية وليس على أساس المحافظ التي تحوي هذه الأسهم وهو المتبع حاليا، حيث يخسر المساهم عادة بعض الكسور جراء الوضع الحالي وهذا ليس في صالحه.
كما يسهل وجود هذا الرقم المميز على الكثير من الورثة مراجعة جهة واحدة تقوم بحصر كامل ملكية المتوفى في جميع الأسهم. فكم من حقوق ضاعت وثروات تلاشت لعدم مقدرة أو معرفة الورثة بملكية المتوفى.
(2) استبدال بنظام التسوية settlement system الحالي نظاما آخر يقلل من المضاربة ومن مقدرة المضارب على التلاعب اللحظي أو الآني. إن نظام التسوية الحالي يودع الأسهم المشتراة في محفظة المشتري في الوقت نفسه T+O ويتيح له بيعها بعد إيداعها مباشرة، كما يتيح للبائع الشراء آنياً T+O أو تسلم نقوده بعد يوم واحد T+1. ومع توافر إمكانية البيع والشراء عن طريق الإنترنت والهاتف وآلات الصرف السريع، وعطفا على ما سبق ذكره من ألاعيب المضاربين المضللين وسلوكيات القطيع، فإن الكثير من صغار المستثمرين تحولوا إلى مضاربين يوميين day traders.
إن المضارب المضلل يكتسب مصداقية عالية لإشاعاته من خلال إجادته استغلال نظام التسوية وذلك عبر تحقيق الأسعار التي ينشر الإشاعات حولها، كي يتمكن من إيجاد حجم عال لتداول الأسهم ومن تجميعها بأسعار منخفضة وبيعها بأسعار أعلى وفي اليوم نفسها، ونظام التسوية الحالي يمثل أفضل السبل لتحقيق غاياته. فمن شأن التبديل المقترح الآتي ذكره فى نظام التسوية لجم نزعة المضاربة اليومية والتقليل من تأثير المشورات التي تتم عن طريق الهواتف الجوالة والمنتديات، ومن قطع أحد أهم سبل التضليل أمام المضاربين.
أقتـرح أن يكـون نظـام التسوية غير آني، بمعنى أن يتسلم المشتري أسهمه بعد يوم واحد من شرائها 1 + T، وأن يستلم البائع نقوده بعد يومين من بيعه 2+T وألا يتمكن من الشراء على أساس المبالغ تحت التحصيل إلا بعد يوم واحد من شرائها 1+T. وبهذا يكون هناك يوم واحد يفصل بين شراء السهم وبيعه، وهي فرصة لالتقاط الأنفاس وتحري الوقائع.
(3) تعجيل عمليات الاكتتابات للشركات ذات الأرباح التشغيلية المتكررة ورفع نسبة الاكتتاب للجمهور من 30 في المائة إلى 49 في المائة مع تمديد فترة عدم بيع المؤسسين حتى ثلاث سنوات مع منحهم إمكانية بيع جزء من أسهمهم تدريجياً خلال هذه الفترة والقيام بالإفصاح عند حدوث ذلك. إن أنظمة البنوك قادرة على إدراج أكثر من شركة في الشهر الواحد، وهو ما ينبغي أن يكون. على الهيئة الإسراع في إدراج شركات ذات قيمة حقيقية، فالعديد من الأسهم المدرجة تعود لشركات لا تملك قيمة تذكر. كل ما على الهيئة فعله هو التأكد من ثبات الأرباح التشغيلية للشركة، وان التقييم عادل عند مقارنته بتقييم شركات إقليمية وعالمية، وان عدة بنوك محلية تتعهد بالتغطية، وستقوم البنوك بتسعير الأسهم حتى يكون الاكتتاب ناجحا. إن ضمان نجاح الاكتتاب مهم للبنوك متعهدة التغطية وذلك أولاً حتى لا تفقد سمعتها عندما لا تتمكن من بيع جميع الأسهم التي امتلكتها عند تغطيه الاكتتاب، وثانيا حتى "تضمن" أن سعر السهم سيرتفع بعد تداوله.
(4) يجب إنشاء مؤشرات سعرية لجميع القطاعات مع وجود مؤشر سعري للسوق ككل. ستحل المؤشرات السعرية مشكلة الأسهم الحرة، وهي الأسهم القابلة للبيع. فالحكومة مثلا تملك 70 في المائة في "سابك" و "الاتصالات"، وهما أكبر شركتين في السوق، والمؤشر الوزني يعكس كامل عدد الأسهم، ولا يستقطع ما تملكه الحكومة وهي أسهم ليست معروضة للبيع أصلا، وبذلك لا يعكس المؤشر الوزني هذه الحقيقة. وإن الجدير بالذكر أن الكويت توفر كلا المؤشرين على موقعها الإلكتروني. كما أن مؤشر داو جونز الشهير هو مؤشر سعري وليس وزنيا.
(5) يجب أن تتوافر في السوق أدوات استثمارية تزيد من عمقه وتعكس توجهات المتعاملين كافة وتحد من قدرة البعض في التلاعب بالأسعار. ومن هذه الأدوات، إمكانية بيع السهم بدون امتلاكه أو على الهامش short selling وأدوات الخيارات المالية calls and puts وعقود البيع والشراء الآجلةfutures and forwards وهي أدوات مالية اشتملت عليها نصوص الهيئة ويتبقى على البنوك إصدارها. وحتى تتمكن البنوك المحلية من الضلوع في هذا الدور، فلا بأس من دعوة بنوك عالمية متخصصة في هذه المجالات حتى يتم تدارك هذه الفجوة في المعرفة.
وليكن أول ما يبتدئ به هو البيع على الهامش short selling وذلك بإيداع جزء من حصة الدولة وصندوقي التقاعد والتأمينات الاجتماعية عند بعض البنوك حتى تتم إدارة هذه العمليات من قبلها. وللعلم فإن من يضع أسهمه تحت مسؤولية البنك في هذه الخدمات سوف يحقق عائدا على أسهم هو ليس في صدد بيعها، بل ويزيد من عوائده ويساعد في اتزان السوق في آن واحد. كما يمكن أن تلعب شركة تداول دورا قياديا بأن تكون مركز المقاصة للبنوك وهي الجهة التي تعير الأسهم لهم وتكون مسؤولة عن استرجاعها لأصحابها من البنوك.
إن الهدف من وجود هذه الأدوات المالية، هو اقتناع البعض بأن سعر أي سهم قد جاوز المعقول فيقومون ببيعه على الهامش وبذلك يستقر السعر عند نقطة اتزان قريبة من سعره العادل. وعليه سيقوم المضارب بوضع هذا في حساباته قبل البدء بعملية التضليل.
(6) يجب منع التلاعب في أسعار وكميات الأسهم قبيل افتتاح السوق، فالمضارب يوقع الكثير في شراكه من خلال التلاعب قبل الافتتاح. لقد منعت قطر الاطلاع على الأسعار والكميات قبل افتتاح السوق العام الماضي للأسباب نفسها على ما يبدو.
(7) يجب تحديث الأسعار والكميات التاريخية لتعكس تجزئة الأسهم وأسهم المنح وأسهم الاحقيه، وهذه مسؤولية شركة تداول. إن أغلب الأسعار والكميات الموجودة على موقع تداول لم يتم معاملتها بشكل فني لتعكس الحقيقة. فأعلى سعر لسهم التعاونية على موقع تداول بتاريخ 10 نيسان (أبريل) 2006 هو 1.067 ريال (قبل التجزئة) وكان يجب على شركة تداول أن تعدل هذا السعر ليكون 222 ريالا (بعد التجزئة، وهو ما يعادل 1.110 ريال) وقس على هذا جميع عمليات المنح. وعليه فإن جميع الرسومات ومعدلات التغير خلال 12 شهراً، كلها، أكاد أكون جازما، مغلوطة. إن عدم دقة المعلومة من مصدر مسؤول لا تخدم أحدا وتعطي الانطباع المغلوط. إن شركة تداول تجني ما يعادل 75 ريالاً عن كل مليون ريال يتم تداوله، وبهذا لا تنقصها الإمكانيات المادية أو المعرفية لتحديث البيانات.
(8) يجب ألا تتأخر الأسعار والكميات المنفذة على موقع شركة تداول عن دقيقة واحدة (خمس دقائق حاليا) حتى يتم تقليص التأخير بين ما يملكه المضارب (مباشر برو حالياً) وبين ما يملكه المستثمر الصغير. كما يجب أن يوضح الموقع أفضل خمس عمليات من حيث السعر أو الكمية وهي تقنيات متوافرة عن مواقع بورصات الكويت ودبي مجانا فلماذا لا تتوافر هنا مجانا؟
(9) لا يعرف أكثر المستثمرين الصغار الفرق بين السعر والقيمة كما لا يملكون أدوات التحليل المناسبة أو القدرة على حسابها. ولهذا يفضل أن تقوم شركة تداول بتوفير هذه المعايير من خلال موقعها على الإنترنت. ومن المعايير المقترحة أن يتم إدراج مكرر السعر للعائد، ونسبة العائد على السهم، وكذلك إدراج العوائد على الودائع البنكية وصناديق المرابحات الإسلامية (البديل الشرعي للودائع الثابتة عند البعض).
(10) إيضاح نسبة تملك أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين بل وجميع موظفي الشركة على أساس يومي بحيث تكون متوفرة للجميع على موقع شركة تداول وبدون ذكر أسماء الملاك. وبذلك يكون واضحا للجميع مقدار تملك موظفي الشركة أو من يملكون المعلومات الداخلية قبل غيرهم. إن هذه الإجراءات متبعة في الأسواق الخارجية ومن الممكن تطبيقها بسهولة عند وجود رقم مميز لكل مستثمر.
(11) تقنين إصدار أسهم المنح قدر الإمكان لما لها من تأثير كبير على صغار المستثمرين، في حين لا قيمة علمية أو عملية تذكر من إصدارها، عدا في أسواقنا الإقليمية. وأقترح أن تحدد الهيئة موسما معينا للشركات في الإفصاح عن نيتها في رفع رأس المال عن طريق المنح. إن الهدف من توحيد التوقيت هو إضعاف مقدرة المضارب في توظيف المعلومة التي يحصل عليها قبل غيره، وتجميع السهم قبل الخبر وبيعه بعد صدوره. يجب تجنيب صغار المستثمرين ملاحقة أخبار المنح والقفز من سهم لآخر. فالسيولة واحدة ولكنها تدور على أكثر من سهم وفي مدة قصيرة لتلاحق خبر زيادة رأس المال. كما يجب على المطلعين على أخبار زيادة رأس المال في الشركة من كبار التنفيذيين عدم شراء أو بيع أسهم الشركة لمدة لا تقل عن عشرة أيام قبل إعلان الخبر وبعده أيضا.
(12) الإعلانات من خلال تداول: يجب أن تكون إعلانات الشركات عن أدائها المالي مقننة قدر الإمكان ولا بأس في جعلها قياسية (standard)، بحيث توضح مقدار الربح السنوي أو الفصلي، ونسبة التغير من العام الماضي، ومقدار الربح التشغيلي ومقارنته بالسنة الماضية والربع المنصرم وهكذا. فبعض الإعلانات يتطلب قراءتها عدة مرات حتى يتسنى للخبير معرفة التفاصيل، فما بالك بعامة المستثمرين. كما يجب تجنب إعلانات العقود والمشاريع الجديدة إلا إذا كانت تشكل اختلافا في أداء الشركة المالي من زيادة مبيعات أو أرباح عن العام أو الفصل الماضي. فالعقود والمشاريع التي تستبدل عقودا ومشاريعا انتهت ولا تشكل زيادة في مبيعات أو أرباح السنة الماضية توهم الكل بأنها جديدة وتؤثر ايجابياً في ربحية الشركة، وهذه مغالطة لدى بعض الشركات وقد تكون غير مقصودة.
(13) شكلت القروض المصرفية مقابل رهن الأسهم إحدى عوامل الدعم لسيولة السوق خلال الأعوام المنصرمة. كما كانت أشد عوامل المخاطرة خلال التصحيح الأخير هو عدم إمكانية البنوك بيع الأسهم المرهونة لتحصيل ديونها وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يقلل من ربحيتها، وزيادة ديونها المتعثرة، والتأثير سلبا على تصنيفها الائتماني الخارجي. يجب تقنين القروض المصرفية مقابل رهن الأسهم قدر الإمكان مع وجود وسائل لتسديد الديون عدا بيع الأسهم. وعليه نرى جعل حدود عليا للبنوك في إعطاء هذه القروض لتتوافق و ملاءمتها المالية وكذلك قدرتها على إدارة مثل هذه المخاطر. ولا بأس أن تكون هناك وحدة مركزية في مؤسسة النقد للاطلاع على أعداد الأسهم والشركات المرهونة عند البنوك، وبدون الاطلاع على هوية الراهنين، وذلك لتلافى رهن نسبة عالية من أسهم شركة معينة.
(14) يجب التدقيق في كيفية إدارة محافظ الاستثمار لدى مديري الأصول (سواء في البنوك التجارية أو الشركات المرخصة حديثاً) بحيث تدار بطريقة علمية وبمنهجية واضحة وبحيث يكون مقدار الشفافية فيها كبيراً. توجد نواحي نقص عدة من الممكن تلافيها وهي كما يلي: ( أ ) يجب أولا خلق سوق أعمق للصناديق وذلك بتوفيرها عبر جميع البنوك كمنافذ بيع حتى يتمكن العميل من الدخول في صندوق مصرف الراجحي أو سامبا، مثلا، عن طريق حسابه في بنك الجزيرة وكذلك العكس. ولا بأس أن يتم استقطاع نسبة صغيرة للبنك المسوق حتى تكون هناك حوافز لبيع صناديق الغير وهو أمر متبع في الخارج.
( ب ) من المستحسن جعل سقوف أو حدود عليا لحجم الصناديق حتى لا يكون تأثيرها على السوق كبيرا. وعلى هذا المنوال يجب وضع حدود عليا لعدد الصناديق المدارة من قبل شخص معين بل ووضع حد أعلى للمبالغ التي يديرها هذا الشخص حتى لا تكون تطلعات هذا الشخص وعملياته مؤثرة على السوق ككل.
( ج ) يجب فصل القائمين على إدارة المحافظ العامة mutual funds عن أولئك الذين يديرون المحافظ الخاصة discretionary portfolio management فصلا تاما من حيث مديري المحافظ، والمحللين الماليين، ووسطاء البيع والشراء، والعمليات ... إلخ، حتى لا يكون هناك تضارب في المصالح أو أية إمكانية للتفضيل. كما يساعد هذا الفصل في تقليل حجم الأصول المدارة من قبل أشخاص قله حتى لا تحدد مرئياتهم توجهات السوق سلبا وإيجابا، كما تقلل من مخاطر تعثر أداء هذه الصناديق عند مغادرة هؤلاء الأفراد القلة مواقع عملهم.
( د ) يجب على الصناديق إشهار معايير الأداء كاملة بما فيها العوائد المحققة، ودرجة المخاطرة ، واعتماد طرق قياسية موحدة لقياس هذه المؤشرات وفي أيام موحدة من كل أسبوع. إن كل ما تقوم به المحافظ حتى الآن هو إعلان أدائها التاريخي، كأن يعلن الصندوق عن أدائه أرباحا قدرها 100 في المائة خلال العام، ولكنها لا تعلن عن درجة المخاطرة أو مقدار تذبذب العائد خلال الفترة نفسها. توجد معايير ثلاثة معروفة لطرق لقياس الأداء وحساب درجة المخاطرة ومقدار العائد لكل درجة مخاطرة مثل standard deviation، sharp ratio، sortino ratio ويجب على الهيئة تطبيق هذه المعايير على قياس الأداء لكل من الصناديق العامة والخاصة. ويحبذ في هذا المجال أن يتم اعتماد أيام معينة لقياس أداء جميع الصناديق العامة حتى يتم مقارنة أدائها من قبل المستثمرين للفترات نفسها (كأيام الخميس وآخر يوم تداول من كل شهر).
(و) كما يحبذ أن يتم تصنيف هذه الصناديق وتجميعها في حزم بحيث تعكس درجة المخاطرة فيها من حيث التنويع ومقدار التذبذب أو العائد لكل درجة مخاطرة ولا بأس بأن يتم إدراج ألوان معينة تحدد درجات المخاطر حتى يتعرف المستثمر الصغير على درجة المخاطرة من خلال لون الصندوق.
(15) يجب على وسائل الإعلام الابتعاد عن العناوين الرنانة التي تؤثر على نفسيات وتوجهات المتعاملين. فكم طالعتنا الصحف بعنأوين مفادها أن السوق يختبر مستوى الدعم الأخير وخلافه. إن مهمة الصحف والإعلام هي إشهار الأخبار والوقائع ومن ثم دعوة المحللين والخبراء لإبداء آرائهم بحيث يكون هناك اتزان في عرض هذه الآراء. فهذا المحلل يقول إنها سترتفع لهذه الأسباب وذاك الخبير يقول بعكس ما يقول الأول. يجب أن تدع الصحف ووسائل الإعلام المستثمرين ليأخذوا بآراء المحللين لا أن تدفع بهذا الاتجاه أو ذاك. كما يجب عدم التردد في مقابلة من يقومون بالتحذير من درجة المخاطرة في السوق حتى يكون الإعلام حياديا في دوره الاجتماعي والاقتصادي.
(16) إن دوام التداول الحالي مرهق للجميع وغير منصف للبعض، بل يتسبب في ضياع ملايين ساعات عمل وإنتاجية من قبل الكثير من الموظفين. فمئات الألوف ينشغلون بالمضاربة -ولا ننسى نظام التسوية الفعال – صباحا لجني بعض الأرباح. كما أن التزام الموظفين بأعمالهم يفقدهم القدرة على الحركة في السوق وضياع فرصة تحقيق بعض الأرباح وهي فرص لا تتكرر في العمر كثيرا. وعليه نرى أن يتم دمج فترتي التداول في فترة مسائية واحدة، ولتكن في الساعة الرابعة مساء حتى الساعة الثامنة ليلا، مع اعتماد الخميس فترة إجازة رسمية للسوق الذي ظل يعمل إحدى عشرة فترة أسبوعيا لأكثر من 20 سنة وذلك لتداول ما لا يتعدى 80 شركة فقط.
(17) قيام الدولة تدريجيا ببيع حصصها في الشركات المدرجة، خصوصا الكبيرة منها، عن طريق إصدارات خاصة وبحسم معقول على الأفراد الطبيعيين وذلك لسحب السيولة المضاربة وكذلك زيادة عدد الأسهم الحرة في السوق. ولا بأس من القيام بإدراج جزء من أسهم الشركات الكبيرة في بورصات عالمية أو إقليمية حتى لا تؤثر عمليات البيع على السيولة في السوق أو تشكل ضغطاً على أسعار هذه الأسهم حال بيعها. كما يمكن اشتراط عدم بيع هذه الأسهم لمدة معينة، 12 شهراً مثلاً، حتى تجذب هذه الإصدارات المستثمرين لا المضاربين.
(18) على الشركات التي تقفل أسهمها بالنسبة العليا خلال فترة تداول واحدة الإفصاح عن وجود أي قرار أو عامل جوهري يؤثر على أداء الشركة وسعر أسهمها خلال فترة التداول اللاحقة.
(19) يحبذ أن تكون الأسعار بأجزاء عشرية بدلا من أرباع الريال حيث تشكل الأخيرة نسبة أكبر من السعر عند استقرارها بعد التجزئة الأخيرة وهبوط الأسعار.
(20) الشفافية مطلوبة من الجميع، وعليه نرى أن تقوم شركات الأسمنت بالإفصاح عن حجم مبيعاتها فهي لا تقوم بذلك وهو ما يقلل من قدرة المحللين والمستثمرين من الوقوف على أداء الشركات الحقيقي، فكثير من نسب التحليل تعتمد على وجود أرقام المبيعات.
إن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية والتوقعات بثباتها على المدى البعيد، وما له من أثر إيجابي وكبير على إجمالي الدخل المحلي، والتوقعات المستقبلية لفوائض ميزانية الحكومة، والخطط الطموحة لتحديث البنية التحتية في جميع أرجاء البلاد، والتوسع غير المسبوق في القطاعات الصناعية، والطلب المتنامي على أغلب الخدمات والسلع، تشكل أساسيات إيجابية للتوقعات بأن يحمل المستقبل الكثير من الازدهار الذي طال انتظاره. ومن المعقول أن يكون للشركات المساهمة، على الأقل بعضها، نصيب وافر من الاستفادة من هذا الازدهار. إلا أن أسعار الأسهم استبقت أرباح الشركات المتوقعة. لقد استفاد المضارب المضلل من إجادته للتنظيمات الفنية للسوق وكذلك سلوكيات المتداولين. وعليه، نرى تبني الحلول المذكورة تكون حتى لا يطول النزيف.

الأكثر قراءة