الصين تطوّر نفسها اقتصاديا رغم الضغوط والتحديات
يبدو أن الصين والغرب يسلكان طريق المواجهة والتحدي. ومن بين مظاهر هذا الطريق تزايد الضغوط الغربية على بكين بهدف تغيير سياستها النقدية والمطالب الأوروبية المستمرة بفرض جمارك خاصة على البضائع الصينية والنزاعات التجارية المتواصلة حول صناعة المنسوجات والأحذية وقطع السيارات الصينية. ومع نهاية الشهر الجاري يعرض وزير المالية الأمريكي تقريراً حول السياسة النقدية الصينية مهددا بفرض عقوبات اقتصادية على الصين، وذلك رغم الزيارة المقررة للرئيس الصيني هو جنتاو إلى الولايات المتحدة بدعوة من الرئيس الأمريكي جورج بوش، لكن الصينيين لا ينظرون إلى هذه الزيارة بأكثر من كونها زيارة حكومية روتينية، كما يعتبرها الأمريكيون أنها فرصة لتبادل الأفكار على مائدة الطعام.
وتتميز العلاقة بين أكبر قوة اقتصادية على الأرض (الولايات المتحدة) ورابع أكبر اقتصاد عالمي (الصين) في الوقت الراهن بطابع الارتياب وفرض الشروط والرفض المتكرر. وتكمن المسألة الحقيقية في قوة بكين الاقتصادية والسياسية المتنامية، فهي تتقدم في شرق آسيا بموازاة خسارة واشنطن قوتها.
وتتنافس الصين بمنتجاتها بنجاح بالغ مع جميع الأسواق التجارية في العالم، حيث تشتري المواد الخام بنهم وشراهة وتبني عالم نفوذها في إقليم المحيط الهادي الآسيوي وإفريقيا بسرعة فائقة. ومما يزيد العلاقات الصينية ـ الأمريكية توترا سياسات بكين حيال جزيرة تايوان من ناحية، والتفاخر الأمريكي بالتقارب من الشركات الهندية المنافسة للصين من ناحية أخرى.
ومن بين أبرز مظاهر موازين العلاقات بين الصين والولايات المتحدة ما جرى أخيرا، حيث نجح رئيس الوزراء الصيني في إبرام اتفاق مع أستراليا، وهي إحدى حليفات الولايات المتحدة، لتزويد الصين بمادة اليورانيوم التي تحتاجها لمفاعلاتها النووية بعد فترة قصيرة فقط من إبرام الرئيس الأمريكي جورج بوش اتفاقا نوويا مع الهند غير الموقعة أصلا على معاهدة حظر الانتشار النووي. وجاء ذلك خلال جولة لرئيس الوزراء الصيني وين جيابو شملت أستراليا وعددا من دول المحيط الهادي، الذي يعتبر البوابة الخلفية للولايات المتحدة. ويُعد سلوك أستراليا أحد الأمثلة، فرغم أن آسيا بحاجة إلى الاستيراد الأمريكي باستمرار إلا أنها بالفعل تتقرب على نحوٍ متزايد من الدول المجاورة.
ويتجاوب الاتحاد الأوروبي مع الأحداث المصاحبة لهذا التنافس الصيني ـ الأمريكي ويكيل الاتهامات لبكين بالمنافسة غير الشريفة والإبقاء على سعر اليوان (عملة الصين) المتدني لتتمكن من فرض سيطرتها على السوق العالمية ببضائع زهيدة الأسعار.
وتدير الصين نظام تبادل الأسعار الحر على المدى الطويل، كما هي الحال في باقي الدول من الهند، وسنغافورة، وهونج كونج، أو ماليزيا كذلك. ولكن يجب على بكين لاحقاً أن تنظّم تلك الأمور، فعملاقة الاقتصاد المزعومة تقف على أرجل من زجاج. ولا بد من تحقيق مئات الملايين من فرص العمل، ولا بد من تعزيز سوق التأمين المالي والأجور التقاعدية، ولا بد من تقليص الفجوة المتنامية ما بين الفقراء والأثرياء، وذلك كله دون وسيلة نقدية سائدة، مثل سوق القروض، أو البنك المركزي المستقل.
ومن الممكن أن يعود الإعفاء السريع أو ارتفاع سعر صرف اليوان السائد بأزمة على الصين، والذي من الممكن أن يؤدي إلى فقد الصين استقرارها، وبالتالي الانفصال من الاقتصاد العالمي. بالإضافة إلى هذا يستفيد المستهلك الأمريكي والشركات الأمريكية على حد سواء من البضائع الرخيصة القادمة من الصين بفضل تدني أسعار المنتجات.
ولكن، ألا تمتلك الصين أعلى احتياطي نقدي في العالم بمجموع هائل يُعادل نحو 854 مليار دولار؟ وألا تملك بنحو 202 مليار دولار فائضاً تجارياً رهيباً مع أمريكا؟ بالفعل، يجب إعطاء ذلك المزيد من الانتباه. إذا كان لا بد من خفض الفائض التجاري الصيني عن طريق التعريفة الجمركية المرتفعة لتقليص الاستيراد.
ومن الممكن أن تؤدي التعريفة الجمركية المرتفعة إلى إحداث تضخّم في الولايات المتحدة، وتقليص الطلب على القروض الحكومية الأمريكية. ومن المحتمل أن تشكّل الأزمة التجارية خطراً على بكين، ولكن حينها من الممكن أن تكون هدية لواشنطن.
ويوجد الكثير من الأسباب لانتقاد الصين، وتُعد حماية البيئة، حقوق الإنسان، والأوضاع الاجتماعية المتدنية بعضا منها. ولكن انتقاد سعر اليوان يصب في الاتجاه الخاطئ. وتضع تهديدات الغرب المتواصلة والضغط المتنامي على الصين، بكين في حالة تحفز دائم، وهي البلد القادر على تطوير نفساها بالرغم من الضغوط والتهديدات.